ضباب التضخم يفشل في تغيير مسار السياسة النقدية

  • 10/3/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

باعتراف جانيت ييلين، لغز التضخم المنخفض هذا العام يبقى بدون حل، لكن هذا لم يعمل على عرقلة استراتيجية السياسة النقدية لديها. بعد الاجتماع الأخير للفريق المختص بتحديد أسعار الفائدة، أطلقت رئيسة الاحتياطي الفيدرالي خطة مدروسة بعناية من أجل تقليص الميزانية العمومية للبنك المركزي الأمريكي، وأعطت في الوقت نفسه إشارة إلى أن واحدا من قراراتها النهائية خلال فترة ولايتها الأولى، وربما الوحيدة، بصفتها أقوى مسؤول مصرفي في العالم، من المحتمل أن يكون هو رفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل للمرة الخامسة منذ الأزمة المالية. كانت ييلين تستعد للخروج من التسهيل الكمي منذ أوائل هذا العام، ولم يكن من الممكن عرقلة نيتها المعلَنة بوضوح، الخاصة ببدء عملية التقليص هذا الخريف، إلا في حال حدوث انهيار في الأسواق المالية. أعلن الاحتياطي الفيدرالي أن عملية تقليص الميزانية العمومية البالغة 4.5 تريليون دولار ستبدأ في تشرين الأول (أكتوبر)، بحيث يجعلها تستمر بثبات إلى أن تدخل في العقد التالي. آفاق أسعار الفائدة كانت غير مستقرة. أمضت ييلين ولجنتها فصلي الربيع والصيف في دراسة القراءات البطيئة بشكل غريب، التي جعلت المقياس المفضل للتضخم الأساسي ينخفض إلى 1.4 في المائة بعد أن بلغ ذروة وصلت إلى 1.9 في المائة وبات على مسافة قريبة للغاية من الرقم المستهدف لدى البنك، وهو 2 في المائة. الأرقام كانت تخالف تماما التوقعات من نماذج الاحتياطي الفيدرالي، وجاءت على الرغم من موجة توظيف قياسية طويلة من قبل القطاع الخاص جعلت معدل البطالة يحوم بين 4.3 و4.4 في المائة منذ أيار (مايو). وفي حين أن الاحتياطي الفيدرالي كان يصر باستمرار على أن سلسلة موثقة جيدا من الأحداث التي تحدث لمرة واحدة، بما في ذلك تخفيض كبير في رسوم البيانات اللاسلكية، هي المسؤولة عن تباطؤ التضخم، أقرت ييلين بأن هذا لم يكن يغطي جميع جوانب الموضوع. بعض زملائها في البنك عرضوا نظريات تبين السبب في تقصير التضخم الأساسي عن بلوغ الرقم المستهدف – من بينهم روبرت كابلان، من الاحتياطي الفيدرالي في دالاس، الذي أشار إلى أن عوامل التباطؤ الهيكلية على التضخم، الناتجة من التكنولوجيا، ربما تقف في وجه القوى الدورية التي ينبغي لها أن تدفع الأسعار إلى الأعلى.من جانبها، تجادل ييلين بأن هناك أسبابا مفهومة لتقصير التضخم عن بلوغ الهدف في السنوات السابقة، من بينها الطاقة الفائضة في سوق العمل بعد الركود، وتراجع أسعار الطاقة، وارتفاع الدولار. وقالت ببساطة "هذا العام تقصير التضخم عن الوصول إلى هدف 2 في المائة، في الوقت الذي لم يكن فيه لهذه العوامل دور، هو أقرب إلى كونه لغزا. لن أقول إن اللجنة تفهم بوضوح الأسباب التي وراء ذلك". أثر الأعاصير الأخيرة من شأنه أن يعمق من الغموض المحيط ببيانات التضخم في الأسابيع المقبلة، ويعود بعض السبب في ذلك إلى قفزة في أسعار البنزين بعد أن ضرب إعصار هارفي معامل التكرير في هيوستن. لكن ييلين تمسكت بوجهة نظرها التي تقول إن الإطار المدفوع بسوق العمل لتفسير التضخم ينبغي له أن يحرك سياسة الاحتياطي الفيدرالي، ولاحظت أن مكاسب الوظائف التي بلغت في المتوسط 175 ألف وظيفة شهريا خلال عام 2017 كانت أعلى كثيرا من المتوسط البالغ 100 ـ 120 وظيفة، الذي ينسجم مع معدل بطالة مستقر. وقالت "في حين أن هناك مخاطر من أن التضخم يمكن أن يستمر دون 2 في المائة، وهي النسبة التي نحتاج إلى أن نأخذها في الحسبان في السياسة النقدية، إلا أن السياسة النقدية تعمل أيضا بنوع من التأخر، وتدلنا التجربة على أن التشديد في سوق العمل يغلب عليه (...) بالتدريج أن يدفع الأجور وتضخم الأسعار إلى أعلى". بالتالي يجدر بالاحتياطي الفيدرالي ألا يجلس صامتا ويجعل الاقتصاد "يتسارع" (ما يعمل على رفع التضخم بسرعة). الأمر المثير للانتباه هو أنه بالنظر إلى الجدل الحاد حول التضخم في اجتماعات البنك الأخيرة، إلا أن أغلبية حازمة من زملاء ييلين دعمت اتخاذ قرار آخر بشأن أسعار الفائدة هذا العام، وعلى الأرجح في كانون الأول (ديسمبر). أربعة أعضاء فقط من أصل 16 من صناع السياسة يسعون لإبقاء أسعار الفائدة على حالها خلال بقية عام 2017، وهو الرقم نفسه الذي كان في حزيران (يونيو)، وهناك على الأقل 11 عضوا يريدون أن تُفرَض ثلاث زيادات في أسعار الفائدة في العام المقبل، مع وجود خمسة أعضاء فقط يطالبون بأن يكون عدد الزيادات أقل من ذلك. يقول مايكل جابين، كبير الاقتصاديين المختصين بالولايات المتحدة لدى باركليز "لم يكن هناك شيء يذكر في البيان أو المؤتمر الصحافي، الذي أعقب الاجتماع، يشير إلى أن المخاوف بشأن التضخم مبثوثة في نظرة البنك المركزي في المرحلة الحالية. بالتالي علينا أن نستنج أن اللجنة تعتبر أن عدم التضخم في الفترة الأخيرة هو أقرب إلى كونه ظاهرة مؤقتة على نحو يفوق كثيرا كونه ظاهرة غير مؤقتة". آفاق السياسة النقدية الأمريكية هي الواقع أكثر غموضا بكثير من الآفاق التي يمكن أن تشير إليها توقعات أسعار الفائدة. أصرت ييلين على أن السياسة ليست مثل النقش في الحجر، وأنها ستعمل على تمحيص بيانات التضخم في الأشهر المقبلة. عنصر اللبس الأكبر يحيط بمستقبل قيادة الاحتياطي الفيدرالي. أقرت ييلين في المؤتمر الصحافي أنها لم تجتمع مع الرئيس ترمب منذ لقائها الأول معه. خلف الكواليس كان ترمب يجري بحثا واسع النطاق عن الشخصيات التي يمكن أن تحل محلها. وبالنظر إلى أنه سيكون في وضع يجعله يعين خمسة محافظين في مجلس البنك في السنة المقبلة، بمن فيهم رئيس جديد لمجلس إدارة البنك، إن رغب في ذلك، فإن مسار السياسة النقدية الذي رسمَتْه ييلين يمكن أن يُقلَب بكل بساطة. بالتالي ما إذا كانت استراتيجية التشديد المفرطة في الحذر التي تتبعها ييلين ستبقى في مثل هذا الوقت من السنة المقبلة، فإن هذا يعتمد ليس فقط على تطورات وتقلبات البيانات الاقتصادية الأمريكية، وإنما على اختيارات التعيين التي سيتخذها الرئيس الأمريكي الذي يصعب تماما التنبؤ بتصرفاته.Image: category: FINANCIAL TIMESAuthor: سام فلمينج من واشنطنpublication date: الثلاثاء, أكتوبر 3, 2017 - 03:00

مشاركة :