< بهذه العبارة التي جعلتها عنواناً للمقالة انتهى أحد الحوارات المحتدمة، التي جاءت بعد صدور الأمر السامي القاضي في مجمله بالسماح للمرأة بقيادة السيارة! ما أكثر ما سمعنا هذا السؤال الذي ينم عن إشكال ثقافي لدى عددٍ ليس بالقليل في المجتمع، وهو في الحقيقة سؤال تعريضي لا يريد به السائل إقناع المسؤول، بقدر ما يريد إحراجه أمام الرأي العام والاستعداء عليه، في ظل التصورات السائدة بأن قيادة المرأة السيارة حرام بذاتها، أو ستؤدي يقيناً إلى الانسلاخ من القيم والانحلال الخُلقي، وأن الذين يرضون بأن تقود نساؤهم السيارات عديمو الغيرة! وفي المقابل هناك تصورات خاطئة مناوئة تتلخص في اعتبار السماح للمرأة بقيادة السيارة انتصار لتيار فكري على الآخر. لا يفوتني أن أُشير إلى أن هذه التصورات بدأت تنحسر وتضيق دائرتها شيئاً فشيئاً، بفضل التدابير والمواقف الرسمية والآراء والحوارات السابقة حول هذا الموضوع، ولعل ذلك من ثمرات التدرج في إعمال بعض الحقوق وحرية التعبير عن الرأي التي كلما كانت منضبطة وعلى قدر من المسؤولية، كان لها الأثر الإيجابي على المجتمع. من قرأ الأمر السامي بتمعن يدرك أنه راعى وجود تلك التصورات الخاطئة، من خلال عرض مرئيات أعضاء هيئة كبار العلماء، والاتفاق على أن الأصل في قيادة المرأة السيارة الإباحة، وأن اختلافهم ينحصر في إطار سد الذرائع، وبالتالي نستطيع القول إن الأمر السامي لم يقف عند إقرار قاعدة قانونية فحسب، بل عمد إلى تفكيك عدد من القوالب النمطية السلبية ومنها تلك التصورات، وقد تبع هذا الأمر بيان صادر من هيئة كبار العلماء يتوخى هذا الهدف أيضاً. إذا أردنا أن نخرج من ساحة التراشق بالنعوت المسيئة، والطعن في النوايا، واستعداء السلطة والمجتمع، إلى ساحة الحوار البناء والمجادلة الحسنة والنقد الهادف، يلزمنا تصحيح تلك التصورات بالوسائل المثلى المواكبة للتقنيات العصرية. وفي هذا السياق، أشيد بتفاعل وزارة الداخلية عبر حسابها في «تويتر» مع الأمر السامي من خلال نشر رسائل هادفة تؤكد استعدادها لتنفيذ الأمر بشقَّيه في ظل اجتزاء البعض له وكأنه لم ينص إلا على السماح للمرأة بقيادة السيارة، إذ ورد في إحدى التغريدات التي نشرتها الداخلية عبر حسابها في «تويتر» أنها مستعدة لتطبيق أحكام نظام المرور على الذكور والإناث، واتخاذ كل ما من شأنه الحفاظ على أمن المجتمع وسلامته. قيادة المرأة السيارة لم تكن بالأمسِ حراماً وأصبحت اليوم حلالاً، بل هي مباحة في الأصل وكان التحريم لها من بعض العلماء ينطلق من رأي فقهي متعلق بسد الذرائع، أما الموقف الرسمي السابق فقد كان ينص على أن قيادة المرأة السيارة شأن مجتمعي، وأنه متى ما تقرر أن تقود المرأة السيارة يكون على الحكومة توفير المناخ الملائم! ومقتضى ذلك، أن اعتبار الإباحة كان حاضراً في الموقف السابق وكذلك التعهد بإيجاد الضمانات الشرعية والنظامية اللازمة لتلافي الذرائع المحتملة. الذي اختلف هو أن ولي الأمر رأى أن المصلحة العامة تقتضي السماح للمرأة بقيادة السيارة في هذا الوقت الذي تزايدت فيه السلبيات المترتبة على عدم السماح لها بذلك، فأصدر أمره مرجحاً رأي الأغلبية من أعضاء هيئة كبار العلماء، وهذه المسألة بطبيعتها اختيارية وليست إلزامية، وبالتالي فإن إرادة غير المؤيدين من أفراد المجتمع لم تُمس، هذا كله يثبت أن هناك انسجاماً بين الموقفين الرسميين السابق والحالي وليس تعارضاً كما ذكر البعض، بل إن المتتبع للموقف السابق يدرك أن مثل هذا الأمر سيصدر في وقت ما. في اليوم التالي لصدور الأمر السامي المتعلق بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، صدر أمرٌ سام آخر موجه لوزارة الداخلية ينص على قيامها بإعداد مشروع نظام لمكافحة التحرش ورفعه خلال 60 يوماً، وهذا التدبير التشريعي، فضلاً عن أنه سيمثل إطاراً قانونياً لمكافحة التحرش بشكلٍ عام، سيتضافر مع التدابير الأخرى القائمة ذات الصلة (التشريعية والإدارية والقضائية) لسد الذرائع المحتملة من قيادة المرأة السيارة، ومن المتوقع أن يتضمن هذا النظام عقوبات جزائية رادعة تُوقع بحق المتحرشين والمتحرشات، وبوجود مثل هذه التشريعات والصرامة في تنفيذها تكون الحكومة وفرت المناخ الملائم لقيادة المرأة للسيارة كما تعهدت. خلاصة القول هي أن قيادة المرأة للسيارة «حقٌ» تكفلت الدولة بألا يُراد به «باطل»! NaifMoalla@
مشاركة :