استقبال حافل لما أعلنت عنه القناة الثقافية السعودية، بشأن إذاعة حفل كوكب الشرق أم كلثوم للمرة الأولى منذ عقود طويلة في التلفزيون السعودي، في احتفاء شبيه بذلك الذي أعقب قرار الملك سلمان بمنح المرأة حق قيادة السيارة. الإحتفاء ورغم أهميته إلا أنه آثار تساؤلات حول عدم معرفة البعض للتاريخ الفني للملكة العربية السعودية، وخاصة في عصر الطفرة التي صنعها الملك فهد بن عبدالعزيز، من بينها: هل لا يعرف بعض السعوديين والعرب حالياً أن للمملكة تاريخ فني حافل؟ كما لا يعرف البعض ما الذي حدث لهذا التاريخ وكيف منعت الأغاني من التلفزيون؟ وما أسباب ذلك؟ في سبعينيات القرن الماضي اهتمت الأسرة الحاكمة وعلى رأسها الملك عبدالعزيز بالموسيقى والثقافة، وعمل على نشره، كما تم تأسيس معهد للموسيقى واستقدام أشهر العازفين في الوطن العربي على رأسهم أحمد الحفناوي عازف الكمان الشهير في فرقة أم كلثوم. لم تكتف السعودية بذلك، بل ذاع صيت بعض أمراء الأسرة الحاكمة في كتابة الشعر، فعلى سبيل المثال غنت كوكب الشرق أم كلثوم «ثورة الشك» من تأليف عبدالله الفيصل بن عبدالعزيز، الذي تغنى بقصائده العديد من نجوم الغناء العربي مثل نجاة الصغيرة وعبدالحليم حافظ ومحمد عبده وطلال مدّاح ومحمد عُمر وخالد عبدالرحمن وعبدالكريم عبدالقادر ونبيل شعيل. فتح الملك فيصل بفضل عائدات النفط الكبيرة الباب أمام الثقافة والفنون، واختار أدباء وفناني مصر ليكونوا نواة لذلك، فكانت الحفلات في السعودية تقام بشكل سنوي، وكان عبدالحليم حافظ صديقا للأسرة الحاكمة هناك، إلا أن تحولاً من نوع آخر تم على مرحلتين في السعودية، الأول كان حادث إغتيال الملك عام 1975، والثاني حادث اقتحام الحرم المكي بفعل جماعة جهيمان العتيبى عام 1979 وهو نفس العام الذي أوقف التلفزيون السعودي بث الأغاني. تصاعدت نغمة الرفض للغناء والموسيقي والشعر بعد حادث الحرم المكي، وارتفعت أصداء نبرة الشيوخ الرافضة لكل هذه الأنواع وتحريمها، كما تزايد دور «المراقب الديني» رغم وجوده في التلفزيون السعودي منذ تأسيسه عام 1965، فتوقف عرض الأغاني والأفلام، متجاهلا تاريخ الفن والموسيقى في السعودية ودورها الكبير، ويتصدر المشهد التيار الديني. يقول الكاتب السعودي عبده خال، عن هذه المرحلة في مقال له بصحيفة عكاز نشر في 20 مارس 2017 بعنوان «ما قبل جهيمان وما بعده»: «قبل جهيمان كانت الحياة تسير بشكل طبيعي، لكن بعده جاء تاريخ حافل من التشدد والتنطع لم يعد من ثقب إبره يجد فيه الناس ترفيها ويقيهم من المحتسبين، فكسرت أدوات الغناء وتناقل الناس تكبير المحتسبين وصياحهم على تحطيم عود، لكن في الآونة الأخيرة انفرجت عقدتنا الاجتماعية بالتخلص من الآراء المتشددة وظهرت هيئة الترفيه». ويضيف خال: «كما يحدث غالبًا، تتصارع القوى بين طالبة تنشد التغيير وقوى سياسية لتثيبت الأوضاع كما هي، يحدث هذا بين أطياف المجتمع إذا كان الأمر متعلقاً بالبقاء أو الكف عن فعل شئ فيه الخيار، إما أن يتم اعتراض نشاط مسرحي في جامعة الملك خالد بأبها ومنع استخدام الموسيقي في العروض، فهذا يذكرك بالقانون الثالث للعالم البريطاني إسحاق نيوتن (لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه)». ويتفق مع عبده خال الكاتب تركي الحمد، فيقول في مقال له نشر بمجلة المجلة في مايو 2012: «المجتمع السعودي يتخلص من هيمنة جهيمان الفكرية» :«هناك ثلاثة عوامل أثرت على المجتمع السعودي: الثورة الإيرانية، واحتلال السوفييت لافغانستان، وحادثة جهيمان الأخيرة كانت أهم عامل في التغيرات الداخلية في السعودية». ويضيف الكاتب السعودي: «المجتمع السعودي قبل هذه الحادثة لم يكن منغلقا، أو متعصبا، بل كانت أوجه التسامح سائدة فيه أكثر من أوجه التعصب والموقف العدائي مع الآخر المختلف كان مجتمعا مسلما، يُمارس أفراده أركان الإسلام، ويمارسون حياتهم وفق تعاليمه، ولكنه لم يكن مجتمعا إسلامويا يُحمل الدين أمورا ما أنزل اللـه بها من سلطان». يذكر أن في عام 1979 كتبت نهاية إذاعة الأغاني على التلفزيون السعودي، وكانت آخر حفلة تذاع لكوكب الشرق أم كلثوم، والآن تعود بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود بقرار جديد يسمح بإذاعة الأغاني على التلفزيون السعودي من جديد، وتطل أيضاً كوكب الشرق أم كلثوم.
مشاركة :