أثار إعلان تنظيم داعش مسؤوليته عن حادث إطلاق النار في لاس فيجاس، الذي تسبب في مقتل 58 شخصا وإصابة أكثر من 500 آخرين، جدلا كبيرا، البعض يرى أن التنظيم يسعى للقفز على الحادث، وآخرون يرجحون وقوفه وراء الواقعة بالفعل.. لكن أين الحقيقة؟ نحاول الإجابة في سياق هذا التقرير. على المستوى الأمريكي، وعقب إعلان داعش مباشرة، قال مسؤولون أمريكيون، إنه لا أدلة حتى الآن تربط المسلح بأي جماعة دولية متشددة، وأفادوا بأن الوكالات الأمنية تحقق في إعلان داعش المسؤولية عن الحادث. ووفقا للسلطات الأمريكية، فإن المسلح، الذي كان يعيش في دار للمتقاعدين في ميسكيت بولاية نيفادا، وكان مسلحا بأكثر من 10 بنادق، فتح النار على مهرجان لموسيقى الريف في لاس فيجاس من نافذة بالطابق الثاني والثلاثين، وذكرت الشرطة أن الرجل اسمه ستيفن بادوك، وأنه قتل نفسه قبل أن يدخل أفرادها غرفة الفندق التي أطلق منها النار. ولم يكن اسم بادوك مدرجا على أي من قوائم المشتبه بأنهم إرهابيون، ولا توجد أدلة تربطه بأي جماعة متشددة دولية، حسبما قال مسؤولون في الإدراة الأمريكية، لكن هناك ما يدعو للاعتقاد بأن له تاريخ من المشكلات النفسية. الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وصف المهاجم اليوم، الثلاثاء، بأنه «شخص مريض جدا جدا»، ورفض وصف الواقعة بأنها إرهاب داخلي، وقال، إن قوانين الأسلحة ستخضع للنقاش في وقت لاحق. ترامب عندما سئل إن كانت الواقعة إرهابا داخليا أجاب، «كان رجلا مريضا، رجلا مختلا، أعتقد أنه كان يعاني من مشاكل كثيرة، ونحن نبحث في أمره بشكل جدي جدا جدا». وإن كان السبب وراء الحادث لا يزال مجهولا، إلا أن بادوك كان رجل أعمال ناجحا ومقامرا كبيرا، حيث أكد شقيقه أنه كان مليونيرا بمجال العقارات، وذلك بعد تقاعده من عمله السابق كمحاسب، وكان يقطن في منزل مكون من غرفتي نوم بمدينة ميسكيت، التي تبعد 130 كيلومترا شمال مدينة لاس فيجاس، وامتلك منزلا ثانيا في مدينة رينو، بولاية نيفادا، التي تشتهر أيضا بصالات القمار، ووفقا لموقع “زيلو” المتخصص بتقييم العقارات، تبلغ قيمة المنزلين نحو 700 ألف دولار، وفقا لتقارير إعلامية. إيرك، شقيق بادوك، وصفه بأنه كان “كثير المقامرة”، ما أدى بأشقائه للتذمر من هذه العادة، التي أدت به إلى خسارة ما يقرب من 4 ملايين دولار. بادوك قام بإتمام إجراءات السكن في فندق “مندلاي باي” قبل 3 أيام من الحادث المروع، وتم إعطاؤه غرفة في الطابق 32، وأكدت شرطة لاس فيجاس أن عاملين بالفندق دخلوا غرفة بادوك قبل العملية بساعات، ولم يلاحظوا أي شيء غريب. وأطلق بادوك النار لعشر دقائق مستمرة على الأقل، وتوقف فقط لإعادة تعبئة الذخيرة، وتضمنت ذخيرة بادوك 23 سلاحا على الأقل، عند دخول فرقة التدخل السريع الأميركية إلى غرفته، وجدوه قد قام بالانتحار. واكتشف لاحقا أن والد بادوك كان لص مصارف، وقد كان على لائحة المطلوبين من قبل “إف بي آي” في الستينيات، وأظهر ملصق أصدر عام 1969، أن بينجامن بادوك، والد ستيفن، شخص “مختل عقليا” لديه “نزعات انتحارية”. الدكتور عمرو الشوبكي، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، رجح أن يكون المهاجم رجلا مختلا عقليا، وأنه في النهاية محسوب على الحضارة الأمريكية والمجتمع الأمريكي، بما فيه من مميزات وعيوب، غير أنه لم يذهب إلى سوريا أو العراق، ولم يتردد على مسجد أو مواقع إلكترونية تابعة لداعش. وأشار الشوبكي، في تصريح خاص لـ«الغد»، إلى أن المواصفات الشخصية لمرتكب الحادث بعيدة تماما عن نماذج ما يسمى بالذئاب المنفردة، كما أنه ذو بشرة بيضاء ومن أصول أمريكية، على عكس العمليات السابقة التي يقوم بها أوروبيون من أصول عربية أو إسلامية، كما أن سنه البالغ 64 عاما، وهو أمر أيضا جديد، حيث إنه من المعتاد أن يقوم بمثل هذه العمليات شباب، وكل هذه الأمور لا تنطبق على مرتكب حادث الأمس. ووضع الشوبكي احتمالا، وصفه بالضعيف، أنه ربما انتمي لداعش عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتم تجنيده من خلالها، غير أن الأنباء المتواتره تؤكد غير ذلك، بيد أن تبني داعش للحادث يدلل على حالة من الارتباك والتخبط الذي يعاني منه التنظيم، مشيرا إلى أن داعش لم يتبن من قبل أي عمليه إلا وقام بالفعل بها. وألمح إلى أن الضربات التي تلقاها التنظيم مؤخرا في سوريا والعراق، أحدثت بداخله هزة قوية جعلته في حالة من التخبط في القرارات، وبياناته صدرت مرتبكة وغير متجانسة مع بعضها، مشيرا إلى أنه إذا سلمنا جدلا بكون مرتكب الحادث ينتمي لداعش، فإن هذا الأمر دلالة على أنه انضم للتنظيم باعتباره وسيلة للانتقام والإجرام وليس عن قناعة عقائدية، مؤكدا أن ظهور البغدادي سيتبعه المزيد من العمليات في الفترة المقبلة. وفي السياق ذاته، قال العميد خالد عكاشة، الخبير الأمني وعضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب، إن رواية داعش بشأن تبني التنظيم لحادث لاس فيجاس غير متماسكة، والروايات التي حاول أن يروجها عن منفذ الحادث هي نوع من القفز على الحدث ونسبته للتنظيم، وهي بعيدة عن الحقيقة. وأوضح عكاشة، في تصريح خاص لـ«الغد»، أن مواصفات الراجل، سواء من المرحلة العمرية له والخلفيات الخاصة به والسيرة الذاتية له وما ذكر في وسائل الإعلام عن والده، وعنه شخصيا، نجد صعوبة لتصديق كونه عضوا في داعش ومن 3 أشهر فقط. وأكد الخبير الأمني، أنه يميل إلى تصديق الرواية الأمريكية للحادثة، لاسيما وأن أمريكا قد تعرضت لمثل هذه الحوادث من قبل وحدثت أكثر من مرة بنفس هذه الصورة في أكثر من مكان، بعيدا عن ارتباط من قاموا بها بالتنظيمات الراديكالية أو غيرها، وربما هذه المرة يكون العدد هو الأكبر، لكن الحادثة تكررت من قبل، كما حدث في المدارس ومن ثم الحادث ليس استثناء في المجتمع الأمريكي، خصوصا مع وجود حرية كبيرة في شراء واقتناء الأسلحة في أمريكا، وهو الضرر البالغ الذي تدفع ثمنه أمريكا الآن، لكونها تسمح للمواطنين باقتناء السلاح، وهذا بدوره أدى إلى وقوع العديد من الحوادث في المجتمع الأمريكي، ويتم استخدامه في الجرائم والنشاطات المسلحة. واستبعد عكاشة أن يكون تم تجنيد مرتكب الحادث عن بعد، موضحا أنها ليست المرة الأولى التي يعلن داعش مسؤوليته على الرغم من الدلائل التي تشير إلى عدم انتماء الشخص للتنظيم، وفي معظم هذه الحالات يكون مرتكب الحادث توفي بسبب تبادل إطلاق النار مع الأمن، أو في الحالة التي نحن بصددها وهي حالة انتحار، ما يضعنا أمام شكوك كبيرة في كون مرتكب الحادث ينتمي لداعش، كون هذه الفكر غير واردة لدي التنظيم وليست من أدبياته، ربما يقوم بعملية انتحارية يستفيد التنظيم من موته فيها، لكن لم نر أحدا قام بعملية ثم يطلق على نفسه الرصاص، فهو سلوك غير متداول على الإطلاق في التنظيم، وهو من الأسباب التي تجعلنه يميل إلى الرواية الأمريكية. ومن جانبه، قال محمود شعبان، الباحث السياسي، إنه بعيدا عن نتائج التحقيقات المرتقبة في حادث لاس فيجاس، لا بد من التأكيد على أن تنظيم داعش يعمل الآن وفق فلسفة الشبكات العنقودية، والذئاب الفردية. وأوضح شعبان، في تصريح خاص لـ«الغد»، أنه لا ريب أن داعش نجح في الفترة الأخيرة في دفع أفراد لا تظهر عليهم أية ميول للعنف والتطرف لارتكاب جرائم وعمليات قتل ممنهجة وعنف في الغرب، كما حدث في مدريد وباريس وغيرها. وأضاف الباحث السياسي، أن ارتباك التنظيم بخصوص إعلان تبنيه المسؤولية بشكل نهائي بعد أن أعلن أن المنفذ قد أسلم من 3 شهور فقط، أعتبر ذلك في سياق حالة اللا إحكام المطلق التي يعاني منها التنظيم على أعضائه بطبيعة الحال حول العالم وعدم إلمامه بكل أعضائه. واعتبر شعبان، مدينة لاس فيجاس ملاذا جيدا لجماعات العنف المسلح، خاصة مع انتشار الأماكن التي تزخر بمئات البشر داخلها كالصالات الليلية للقمار والرقص، وهي صيد ثمين وسهل بطبيعة الحال لأي تحرك متطرف أو غايات مسلحة في الغرب، ومن ثم رجح مسؤولية التنظيم عن الحدث حتى وإن كان الفاعل ليس له سجل متطرف قبل ذلك. أما الباحث المتخصص في التيارات الإسلامية، ماهر فرغلي، قال إن أمريكا -والغرب بصفة عام-ة بمجرد الاشتباه بمسلم من أصول مسلمة عقب أية عملية إرهابية يسارعون على الفور بنسب العملية إلى تنظيم داعش، ويتم قتله بمجرد الوصول إليه دون تحقيق، وإن قبضوا عليه لا نعرف أية تفاصيل عما جرى له، وإن كان الرجل من أصول غربية قالوا عنه “مجنون”. ويؤكد فرغلي، في تصريحات له نشرت عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن داعش يقف خلف عملية لاس فيجاس، رغم نفي ترامب، الذي أرجعه إلى خوف الرئيس الأمريكي من تأثير الحادث على مدينة الملاهي. وألمح الباحث السياسي إلى أن هناك دلائل على ارتكاب داعش للحادث، منها خطاب البغدادي الأخير، الذي دعا فيه لشن عمليات جديدة، وانطلاق ما يسمى غزوة أبو محمد العدناني على أمريكا وبريطانيا وأستراليا وبلجيكا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا، ودعوة التنظيم في 2016 إلى شن هجمات في لاس فيجاس وسان فرانسيسكو، فضلا عن أن داعش لا توجد له أي سابقة بأن أعلن فيها مسؤوليته عن أي حادث ولم يكن قام به.
مشاركة :