محاولات الانفصال وحق تقرير المصير

  • 10/4/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

يشكل الاستفتاء على الاستقلال في كل من كردستان العراق، وكاتالونيا، أحدث الأمثلة، كيف أن تطبيق هذا المبدأ، في معظم الأحيان، يكون على درجة كبيرة من الصعوبة. أخيراً، صوّت الكرد في شمال العراق بشكل ساحق لصالح استقلال إقليم كردستان. ومع وجود نحو 30 مليون كردي، مقسمين بين أربع دول، هي العراق وتركيا وسوريا وإيران، يقول القوميون إنهم يستحقون الاعتراف الدولي. ويطرح في إسبانيا ما يصل إلى 7.5 ملايين كتالوني، السؤال نفسه. فهل للأمر أهمية أن تظهر استطلاعات الرأي بأن الكاتالونيين، على عكس الأكراد، منقسمون بأعداد متقاربة على المسألة؟، هل للأمر أهمية أن الدول المحاذية لكردستان العراق، يمكن أن تستخدم القوة لمقاومة النزعة الانفصالية؟. حق تقرير المصير الذاتي الوطني، وهو مبدأ وضعه الرئيس الأميركي وودرو ويلسون، على الأجندة العالمية في عام 1918، ويعرف المبدأ عموماً، بحق الشعوب في تشكيل دولها. لكن من تكون «الذات» التي ستصنع تقرير المصير؟. لننظر في وضع الصومال، التي يحظى شعبها، على عكس معظم الدول المستقلة حديثاً، بالخلفية اللغوية والعرقية نفسها، فيما تم تشكيل كينيا المجاورة خلال الحكم الاستعماري من عشرات الشعوب والقبائل. زعمت الصومال أن مبدأ حق تقرير المصير، يجب أن يتيح للصوماليين في شمال شرقي كينيا وجنوبي إثيوبيا الانفصال، فرفضت كينيا وإثيوبيا، ما أدى لاندلاع عدة حروب إقليمية حول المسألة القومية للصومال. وقد تمزقت الصومال نفسها لاحقاً في حرب أهلية بين العشائر وقادة الحروب. اليوم، فإن منطقة صومالياند الشمالية، قائمة كدولة مستقلة، بحكم الأمر الواقع، على الرغم من غياب الاعتراف الدولي أو عضوية الأمم المتحدة. التصويت لا يحل دائماً مشكلات تقرير المصير. أولاً، هناك مسألة أين يجري التصويت. في إيرلندا على سبيل المثال، اعترض الكاثوليكيون لسنوات عدة، على أنه إذا جرى التصويت داخل المنطقة السياسية لإيرلندا الشمالية، فإن الأغلبية البروتستانتية، التي تشكل ثلثي الأصوات، سوف تحكم. وأجاب البروتستانت، أنه إذا جرى التصويت داخل المنطقة الجغرافية لكامل الجزيرة، فإن الأغلبية الكاثوليكية سوف تحكم. وفي نهاية المطاف، بعد سنوات من الصراع، ساعدة الوساطة الخارجية في إحلال السلام في إيرلندا الشمالية. وهناك قضية أيضاً متى يجري التصويت؟، في الستينيات، أراد الصوماليون التصويت على الفور، فيما رغبت كينيا الانتظار 40 إلى 50 عاماً، فيما كانت تعيد تشكيل الولاءات القبلية، وتصيغ الهوية الكينية. وتكمن مشكلة أخرى، هي كيفية وزن مصالح الباقين. هل يسبب لهم الانفصال ضرراً، من خلال انتزاع للموارد أو أشكال أخرى من التعطيل؟، فكردستان العراق تحوي احتياطات نفط هامة، ويقدر أن كاتالونيا تشكل خمس الناتج المحلي الإجمالي لإسبانيا. وتقول الحكومة الإسبانية، إن التصويت على الاستقلال في كاتالونيا، هو غير شرعي في إطار الدستور الإسباني. التاريخ بدوره ليس مشجعاً. بعد تفكك إمبراطورية هامبسبورغ في عام 1918، تم دمج منطقة «سودتن لاند» بتشيكوسلوفاكيا حينها، على الرغم من أن معظم سكانها يتحدثون اللغة الألمانية. وبعد الاستفتاء الذي تم التوصل إليه في ميونيخ، مع الزعيم النازي أدولف هتلر في عام 1938، انفصل الألمان في سودتن عن تشيكوسلوفاكيا، وانضموا إلى ألمانيا. لكن خسارة الجبهة الجبلية، حيث يعيشون، كانت انتكاسة رهيبة للدفاعات العسكرية لتشيكيا. فهل كان من الحق السماح بحق تقرير المصير للألمان في سودتن، حتى لو كان يعني ذلك انتزاع الدفاعات العسكرية من تشيكوسلوفاكيا، التي جزأتها ألمانيا بعد ستة أشهر. ولأخذ مثال من أفريقيا، عندما قرر الشعب في شرقي نيجيريا الانفصال، وتشكيل دولة بيافرا في الستينيات من القرن الماضي، قاوم غيرهم من النيجيريين هذه المسألة، ويعود هذا في جانب منه، لأن بيافرا تحوي معظم النفط في نيجيريا. وقالوا إن النفط يعود لكل شعب نيجيريا، وليس فقط للمنطقة الشرقية. وبعد انتهاء الحرب الباردة، أصبح حق تقرير المصير قضية حادة في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي السابق. بالنسبة للقوقازيين، والأذريين، والأرمن، والجورجيين، والابخازيين، والشيشانيين، فإن جميعهم طالب بدولة. في يوغوسلافيا، تمكن السلوفينيون والصرب والكرواتيين من اقتطاع جمهوريات مستقلة، لكن المسلمين في البوسنة والهرسك، كانوا أقل نجاحاً، وتم إخضاعهم لحملة «تطهير عرقي» من قبل القوات الكرواتية والصربية، على حد سواء. في عام 1995، تم إرسال قوة حفظ سلام تابعة لحلف الأطلسي «الناتو» إلى المنطقة المضطربة، لكن عندما تدخل «ناتو» عسكرياً في كوسوفو في عام 1999، دعمت روسيا اعتراضات صربيا ضد الانفصال، ولم تكن كوسوفو مقبولة بعد في الأمم المتحدة. في المقابل، استحضرت روسيا حق تقرير المصير لدعم انفصال أبخازيا عن جورجيا في عام 2008، وضمها لشبه جزيرة القرم في عام 2014. وتبين أن حق تقرير المصير مبدأ أخلاقي غامض. اعتقد ويلسون أنه سوف يجلب الاستقرار إلى أوروبا الوسطى، وبدلاً من ذلك، استخدم هتلر المبدأ لتقويض الدول الضعيفة المشكلة حديثاً في المنطقة في ثلاثينيات القرن الماضي. ويبقى الدرس صالحاً اليوم. نظراً لوجود أقل من 10 % من دول العالم هي دول متجانسة، فإن معاملة حق تقرير المصير، بوصفه مبدأ أخلاقياً رئيساً، وليس ثانوياً، يمكنه أن يأتي بعواقب كارثية في أجزاء عدة من العالم. وبالتأكيد، فإنه غالباً ما تكون الجماعات العرقية المتخاصمة، مثل كعكة رخامية، بدلاً من كعكة يمكن فصلها بشكل نظيف إلى شرائح. وهذا يجعل التقسيم أمراً صعباً، كما اكتشفت الهند في عام 1947. وربما لهذا السبب فقط، فإن قلة من الدول المشكلة حديثاً، تم القبول بها في الأمم المتحدة في هذا القرن. بعد انفصالها عن السودان، فإن الاضطرابات العرقية داخل جنوب السودان استمرت دون هوادة عملياً.

مشاركة :