الأخبار المزيفة Fake News هي نوع من الصحافة الصفراء أو الدعاية التي تهدف إلى التضليل المتعمد أو الخداع عبر وسائل الإعلام التقليدية أو وسائل الإعلام الجديدة، وغالباً ما تتم كتابة الأخبار المزيفة ونشرها، تحت عناوين مثيرة أو مبالغ فيها أو كاذبة لكي تستحوذ على اهتمام الجمهور وذلك من أجل الحصول على مكاسب مالية أو سياسية. ولا تعتبر الأخبار المزيفة ظاهرة جديدة فقد عرفتها الصحافة في القرن التاسع عشر، لكن ثورة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي منحتها أبعاداً جديدة، حيث أصبح من السهل على الأفراد والجماعات الصغيرة وأجهزة الاستخبارات تصنيعها ونشرها على نطاق واسع وفي زمن قصير للغاية، ما يهدد صدقية صناعة الأخبار وثقة الجمهور في ما يقدمه الإعلام، ويخلق مشكلات وأزمات بين الدول. من جانب آخر، تهدد الأخبار المزيفة أو الوهمية نزاهة الانتخابات لأنها تتلاعب بعقول وعواطف الناخبين. في هذا السياق، ظهر عدد من الدراسات حول مدى تأثير هذه النوعية من الأخبار في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، فقد انتشرت أخبار مزيفة كان مصدرها مواقع روسية ربما تكون قد صبت في مصلحة الرئيس ترامب وكان أشهرها أن البابا يؤيد انتخاب ترامب! وظهرت الأخبار المزيفة أو الكاذبة في المجتمعات العربية وانتشر بعضها من خلال بعض وسائل الإعلام التقليدية والمواقع الإخبارية التي تفتقر إلى المهنية والتدقيق، علاوة على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي حالات عديدة أدت الأخبار المزيفة أو الكاذبة إلى توتير العلاقات بين بعض الدول العربية، لكن لا توجد دراسات أو بحوث علمية عن تجليّات وآثار الأخبار الكاذبة في الفضاء العربي على رغم زيادة الآثار السلبية المترتبة عليها، بخاصة توظيفها في الصراع السياسي بين الأحزاب أو العواصم العربية. من هنا فإن السؤال الذي يشغل الإعلاميين والباحثين والسياسيين هو كيف نتجنب أو نمنع الأخبار المزيفة؟ بداية، لا بد من الاعتراف بأنه لا يوجد حل أو حلول نهائية، لأن انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي خلق بيئة صالحة لانتشار الأخبار الكاذبة والمزيفة، كما أثبتت دراسات علم النفس أن الأفراد يميلون إلى تصديق الأخبار التي تتفق مع آرائهم وأحكامهم عن الحياة والسياسيين، ويتجاهلون الحقائق التي تختلف مع وجهات نظرهم، وبالتالي فإذا نُشر خبر كاذب أو شائعة تبدو سطحية وغير منطقية تماماً، سيلقى للأسف تصديقاً من قطاعات من الجمهور، لأنه يتفق مع ميولها ووجهات نظرها وأحكامها المسبقة وربما أمنياتها، حتى إن كانت تلك الأحكام أو الأمنيات شاذة وغير منطقية. لكن عموماً ثمة نصائح واستراتيجيات قد تقلل من ظاهرة تحيزات الجمهور المسبقة والاستقطابات الحادة في صفوف الناس، سأكتفي اليوم بثلاث منها: أولاً: المنع الآلي للأخبار المزيفة: يقوم على الكشف عن الأخبار الكاذبة ومنعها أو السماح بمرروها عبر شبكات التواصل الاجتماعي مع إشارة أو علامة بأن الخبر أو القصة الإخبارية مزيفة أو غير موثوق بها، وتعمل حالياً «فايس بوك» و «غوغل» على تطوير آلية المنع من خلال الاعتماد على الخورزميات التي تقوم على التغيير والتبديل، وهي كما يقال ليست مثل الرقابة، لماذا؟ لأنها ستعمل بطريقة قريبة من ملف الرسائل غير المرغوب فيها التي تصل إلى بريدك الإلكتروني Junk Mail، حيث يتم حجبها، لكن يمكنك إذا أردت أن تطلع عليها، وتفتح هذا الملف وتقرأ الرسائل التي اعترضتها الخورزميات. وفي بعض الحالات لا يكون حجب تلك الرسائل سليماً، فقد يتم حجب رسالة مهمة أنت تنتظرها، لذلك فإن آليات الحجب أو المنع باستخدام الخورزميات عملية صعبة ومعقدة وليست دقيقة تماماً، من هنا يرى بعضهم أنه لا بديل عن المزج بين الخورزميات والخبرة البشرية في تنقية الأخبار، ويقدر حالياً نجاح الخورزميات بنسبة 80 في المئة، لكن من يدري ربما تتطور هذه النسبة في السنوات المقبلة. ثانياً: توفير مواقع على الإنترنت تكشف عن المواقع والقصص الإخبارية المزيفة: هناك مواقع في أميركا وفرنسا وألمانيا وغيرها من الدول تتيح لأي مستخدم لشبكة الإنترنت أن يضع الخبر أو الصورة أو الفيديو الذي وصله على أحد هذه المواقع المتخصصة في الكشف عن صحة أي خبر لكي تقدم له النتيجة في ثوانٍ قليلة، وغالبية هذه المواقع تقدم خدماتها مجاناً، وأشهرها Snopes-Whois.Sc-Factcheck.org -poynter.org. وفي العام 2009 أنشأت صحيفة «لوموند» الفرنسية وحدة لفحص الأخبار تسمى «ديكو دورس» ومعناها فك الشِفرة، وتتيح للقارئ أن يضع أي خبر على المتصفح الخاص به، لكي تظهر له في ثوانٍ حقيقة الخبر، وهل الموقع الذي نشره مزيف أم لا، كما تتيح الخدمة للقارئ أن يسجل نتيجة بحثه عن الخبر وبحيث يصنف الخبر حقيقياً أم وهمياً أو ساخراً، وتضاف ذلك إلى قاعدة بيانات وحدة فحص «لوموند». وتدعم الشبكة الدولية لفحص الوقائع IFCN، التي بدأت في عام 2015، الجهود التعاونية الدولية في التحقق من الأخبار وتوفير التدريب، ونشرت مدونة مبادئ، ثم أدخلت المنظمة عام 2017 آلية عملية لفحص صدقية أخبار المنظمات الصحافية. لكن على حد علمي، لا تتوافر في المنطقة العربية مواقع مماثلة، الأمر الذي يضاعف حيرة الصحافيين والمواطنين العرب في تعاملهم مع بعض الأخبار الوهمية أو الكاذبة التي تنتشر بسرعة الصاروخ على مواقع التواصل الاجتماعي العربية من دون إمكان التدقيق في صحتها، ويضاعف من مشكلات الصحافيين العرب أيضاً عدم وجود قانون ينظم الحق في الحصول على المعلومات في أغلب الدول العربية. ثالثاً: استراتيجية المتلقي النشط والمستنير: وتفترض هذه الاستراتيجية تغييراً في طريقة استخدام المواطن الإعلامَ ووسائل التواصل الاجتماعي بحيث لا يستسلم لوسيلة واحدة أو موقع واحد يستمد منه معلوماته، وإنما عليه أن يبحث بين عدد من المواقع ووسائل الإعلام، ويحاول أن يدرب نفسه على ضرورة معرفة آراء الآخرين المختلفين معه في الرأي والاتجاه، ويتطلب ذلك تنشئة إعلامية مختلفة تبدأ مع السنوات الأولى للدراسة، وقد انطلقت مناهج تدريسية وبرامج في عدد من الدول لمحو الأمية الإعلامية وإعداد المتلقي النشط والناقد للمحتوى الصحافي الذي يقدم له عبر وسائل الإعلام التقليدية والجديدة، وعلى المستخدم النشط وكذلك الصحافي أن يسأل نفسه 7 أسئلة ضرورية أهمها: من هو مؤلف هذا النص أو القصة الإخبارية؟ وما هي مؤهلاته؟ (تابعنا فضيحة صاحب المطعم المصري في نيويورك الذي تستضيفه قنوات إخبارية ليتحدث عن عملية اتخاذ القرار السياسي في أميركا!) أما السؤال الثاني المهم فهو عن هوية الناشر أو ممول هذا الموقع أو القناة أو الصحيفة وكيف يتم التمويل؟ وما دور الإعلانات في توفير هذا التمويل؟ والسؤال الثالث عن هوية الجمهور المستهدف ومستواه التعليمي وعمره واهتماماته الخ .. وكيف يسعى الخبر أو الموقع إلى التأثير فيه. والسؤال الرابع هو هل يوفر الخبر أو التقرير الصحافي مصادر يمكن الرجوع إليها أو وصلات تمكن متابعتها؟ والسؤال الخامس: هل الخبر أو التقرير مكتوب بطريقة صحيحة لغوياً ويعتمد على المنطق أم لا؟ لأن كتابة الخبر من دون أخطاء لغوية أو نحوية تعني أنه قد مر بعملية تحرير وتدقيق. والسؤال السادس: ما هو تاريخ النشر؟ وهل الخبر أو القصة الإخبارية جاد أم هزلي؟ والسؤال السابع والأخير: هل محتوى الخبر أو الفيديو ذو مصداقية؟ وهل له سياق أم هو مقتطع من سياق أعم؟ وهنا لا بد من التذكير بأن هناك مواقع كثيرة منها «غوغل» توفر إمكان الكشف عن واقعية الصور الفوتوغرافية وهل خضعت لعمليات تلاعب وحذف وإضافة باستخدام برنامج «الفوتوشوب» أو غيره من البرامج، كما توفر أيضاً إمكان الكشف عن تعرض الفيديو لمونتاج أم لا. * كاتب مصري
مشاركة :