معقل الصناعة السورية في حلب بين الإصرار على إعادة نشاطهم في المدينة وبين اليأس والرحيل مرة أخرى بعد معاينة الأضرار التي لحقت بالمدينة والخيارات المتاحة أمامهم. وتعد استعادة صناعات حلب التي كانت دعامة للاقتصاد السوري على مدى عشرات السنين أمرا حيويا إذا أرادت الحكومة عودة كاملة لسلطة الدولة. ويقول مصطفى كواي، الذي بقي في حلب، وجلب عمالا لتطهير مصنعه من الركام لإعادة فتحه إن “أكبر مشاكلنا هي الكهرباء والعمال قليلون والعقوبات تؤثر على العمل والزبائن لا يستطيعون المجيء وتحويل الأموال صعب وكذلك الحصول على قطع الغيار”. وعندما سيطرت قوات من المعارضة على مصنع كواي في عام 2013 اشترى آلات جديدة وبدأ ينتج في موقع مؤقت في منطقة تخضع لسيطرة القوات الحكومية في حلب بدلا من الانتقال من المدينة. والموقع، الذي ما زال يمثل إنتـاجه بالكامل، هو مبنى متداع بالقرب من إستاد حلب. وفي الناحية الأخرى ورشة لنشاط مختلف يقوم فيها أطفال بصنع أحذية رياضية في جوّ ملوّث تملؤه أبخرة المواد اللاصقة، فيما يشير إلى مدى انتكاس الصناعة بالمدينة.6 آلاف منشأة صناعية حاليا في حلب، في حين كان يبلغ عددها 65 ألفا قبل عام 2011 ويبلغ إنتاج مصنع كواي نحو طنين من القطن يوميا حاليا بالمقارنة مع 18 طنا يوميا قبل الحرب. ويتم توفير الكهرباء عبر مولد يعمل بوقود الديزل. وتبلغ تكلفة تشغيل 5 آلات أسبوعيا 250 ألف ليرة (480 دولارا). أما محمود العقاد، صاحب مصنع السجاد الذي غادر سوريا خلال الحرب مثل كثيرين من رجال الصناعة بحلب، فلم يواجه أيّ مشاكل من هذا النوع في الأردن حيث أعاد بناء مصنعه واستمر في تصدير إنتاجه إلى زبائنه القدامى في مختلف أنحاء العالم. وقال مفسرا فوائد انتقاله إلى منطقة صناعية في بلد لم يتأثر بما شهدته منطقة الشرق الأوسط من اضطرابات “ماذا أستفيد إذا كنت أريد إقامة مصنع ولا يوجد آمان”. وبنى العقاد مصنعا واحدا ينتج معظم ما كان ينتجه من سجاد في حلب ويستثمر أيضا 5 ملايين دولار في مصنع جديد لصناعة الغزل. ولحق به إلى الأردن بعض من أمهر عمال النسيج وبقي قليلون آخرون في حلب. وقال إن “5 بالمئة فقط من العاملين بقوا. الغالبية توجهت إلى ألمانيا وإلى تركيا”. وقدّر صندوق النقد الدولي العام الماضي، انكماش الاقتصاد السوري بشكل عام بنحو 57 بالمئة أثناء الحرب وأن انكماش قطاع الصناعة وحده بلغ 77 بالمئة. ومنذ ذلك الحين مالت كفة الحرب لصالح نظام بشار الأسد إذ أخرجت قواته والقوات المتحالفة معها مقاتلي المعارضة من حلب ومن جيوب أخرى بالقرب من المدن المهمة كما أبعدت تنظيم داعش عن حقول النفط والغاز.فارس الشهابي: هناك حوافز تهدف إلى دفع الصناعة مجددا في حلب لكنها ليست كافية وتجلّت الثقة المتزايدة في إصدار ورقة نقد عليها صورة وجه الأسد للمرة الأولى، كما أقيم في دمشق المعرض التجاري، الذي كان يعقد سنويا، وذلك بعد فترة انقطاع طويلة. لكن الحرب ما تزال تهيمن على اقتصاد سوريا حتى في المناطق التي توقفت فيها الاشتباكات. ولحق الدمار بمعظم مصانع حلب. وهربت الأيدي العاملة مع النازحين الفارين أو انضم العمال إلى صفوف المقاتلين. ورغم مدّ خط كهرباء جديد في المدينة إلا أن الكهرباء المتاحة قليلة وهو ما يجعل الناس يعتمدون على مولدات باهظة التكلفة. وتزيد العقوبات الغربية من صعوبة التجارة الخارجية بشدة إذ تعوق شراء المعدات الجديدة ومدفوعات الصفقات التجارية. ورغم أن الحكومة تحث قطاع الصناعة على العودة للمناطق التي استعادت السيطرة عليها، فإن بعض رجال الأعمال يقولون إنها لا تبذل من الجهد ما يكفي لإعادتهم. وأكد فارس الشهابي رئيس غرفة الصناعة في حلب أنه منذ انتهاء القتال ارتفع عدد المصانع والورش ارتفاعا حادا. وأوضح أن عدد المنشآت العاملة بالمدينة قبل الحرب كان 65 ألفا وعندما رحل مقاتلو المعارضة في ديسمبر الماضي كان العدد 4 آلاف منشأة، لكنه زاد الآن ليبلغ 6 آلاف منشأة بسبب استئناف رجال الأعمال لنشاطهم. غير أن الشهابي، أحد أنصار الأسد والذي فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليه لدعمه الحكومة، ينتقد سياسة إعادة الإعمار. وقال في مقابلة “توجد بعض الحوافز لكنها ليست كافية”، مشيرا إلى خطوات أخذتها الحكومة مثل تخفيضات ضريبية وتخفيض الرسوم الجمركية على الواردات الصناعية. وتبين الإحصاءات الرسمية أن حلب كان يوجد بها في عام 2010 نحو ثلث الشركات الصناعية وعمّال الصناعة في سوريا. ويؤكد الشهابي أن نحو مليون شخص كانوا يعملون في مصانعها.
مشاركة :