انتقد الصحفي الأمريكي توماس فريدمان، في مقال له بصحيفة «واشنطن بوست»، تعاطي السلطات الأمريكية مع مجزرة لاس فيجاس التي راح ضحيتها 59 شخصاً، و 515 مصاباً، بسبب أن التشريعات الأمريكية تتيح للأشخاص امتلاك الأسلحة النارية من دون ضوابط واضحة، فيما كان انتقاده للرئيس دونالد ترامب إذا ما كان منفذ الهجوم ستيفن بادوك مسلماً أقل حدة من رأيه الذي شدد فيه على انتقاد التساهل الكبير للتشريعات الأمريكية الخاصة باقتناء وتملك الأسلحة.واستهل الكاتب الشهير مقاله متسائلاً: «ماذا إذا كان بادوك مسلماً؟ أو أنه صرخ بعبارات مثل «الله أكبر»، قبل أن يقوم بإطلاق النار؟ ماذا كان سيحدث لو وجدنا له صورة وهو يحمل نسخة من المصحف في يده والأخرى تحمل السلاح الآلي؟ وماذا لو كان عضواً في تنظيم «داعش»؟»، مضيفاً أنه لو كان مسلماً بالفعل، فإن الدعوات الحالية لعدم إهانة الضحايا، وعدم تسييس المسألة، كانت لتكون عكس ماهي عليه الآن، في إشارة منه إلى أن منفذ الجريمة لو كان مسلماً فإنه كان سيتم الاحتفاء بالضحايا بشكل مبالغ فيه وتناول الحادث على نطاق أوسع، بل وتسييس العملية.ووصف الكاتب العملية بأنها إرهابية، مشيراً إلى أنه الحادث الإرهابي الأسوأ في الولايات المتحدة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وأضاف: «إذا كان منفذ العملية مسلماً، فإنك ستجد ترامب يغرد بعد دقائق معدودة من العملية كما يفعل دائما «ألم أحذركم من ذلك!!»، بعد أي هجوم إرهابي في أوروبا، بهدف إضفاء صبغة سياسية على تلك العمليات». وأشار فريدمان إلى أنه كانت ستكون هناك العديد من الإجراءات التي سيتخذها الكونجرس والتي تتضمن جلسات الاستماع المتتالية، ومشاريع القوانين الجديدة التي تمنع تكرار مثل تلك الحوادث.وتساءل الكاتب باستنكار شديد: «ماذا سيحدث إذا كانت الولايات المتحدة نفسها هي منشأ القاتل الذي تَمَكن من شراء هذا الكم الهائل من الأسلحة بشكل قانوني، والتي لا يمكن أن تمتلكها إلا القوات العسكرية، بسبب سهولة وتراخي الإجراءات والتشريعات المنظمة لذلك ؟». ويشير فريدمان في إجابته عن تساؤلاته افتراضاً، إلى أن ترامب كان سيسرع من وتيرة العمل، ومن ثم يدعو إلى عدم «تسييس» الحادث، خلافاً لما يقومون به دوماً عند تنفيذ الهجوم بواسطة «مسلم». وأضاف الكاتب أنه وفي الوقت الذي تدعو فيه الولايات المتحدة رجالها ونساءها لتقديم التضحيات، وإرسال ترسانات الأسلحة الثقيلة لمحاربة تنظيم «داعش» والمتشددين إلى آخر جندي فيهم، فإن كل حديث ترامب عن التنظيم لا يتعدى الإطار السخيف بأنه لا مجال للهزيمة، أو التراجع، أو الرحمة، في حين أن الأجواء مهيأة أكثر في الداخل الأمريكي لحصد الكثير من الأرواح من خلال سهولة الحصول على الأسلحة التي يمكن استخدامها لحصد أرواح 59 شخصاً وإصابة أكثر من 500 آخرين دفعة واحدة، بعد أن قال ساخراً إنه لا يتذكر العدد الفعلي من الأمريكيين الذين قتلتهم «داعش»، مشيراً إلى أنهم ربما 15 أو 20 شخصاً، منتقداً بشدة القوانين الأمريكية التي تسمح للأشخاص بامتلاك ترسانة من الأسلحة كما هو الحال مع بادوك منفذ هجوم لاس فيجاس. وفي إشارة إلى تساهل السلطات الأمريكية مع حيازة السلاح، قال فريدمان: «عند الحديث عن محاربة «داعش»، فإنك تجد الرئيس وكل حاشيته في صدارة المشهد، مع تأكيدهم أنه لا خيار آخر غير النصر، وعندما يكون الحديث عن تشديد الإجراءات الخاصة بشراء وامتلاك الأسلحة داخل الولايات المتحدة، فإن الرئيس ترامب، ومن معه والسلطات يختفون عن المشهد تماماً، حيث إن الضحايا الذين تُحصد أرواحهم في مثل هذه الحوادث الداخلية، ليسوا ذوي أهمية كبرى مقارنة بفرد واحد يقتله تنظيم «داعش»».وأكد فريدمان أن كل ما يطلبه هو والكثير من الأمريكيين عدم السماح لأي شخص بامتلاك ترسانة عسكرية كما فعل بادوك، بغض النظر عن حق أي شخص في امتلاك سلاح للصيد، أو الدفاع عن النفس، مشيراً إلى أن جمعية البندقية (الاتحاد القومي الأمريكي للأسلحة NRA)، وهي منظمة غير ربحية تدافع عن حقوق حمل واقتناء الأسلحة- تسيطر تماماً على ما وصفهم ب«المشرعين الجبناء»، مضيفاً أنه وعندما يتعلق الأمر بهزيمة تلك المنظمة، فإن النصر يمكن أن يكون خياراً بدلاً من أن يكون أمراً حتمياً، كما هو الحال عند الحديث عن تحقيق النصر على «داعش».ولخص الكاتب أسباب ذلك الحادث في الفساد والتركيز على محاربة الأعداء الخارجيين من دون الاهتمام بما يمكن أن يحدث في الداخل من هجمات إرهابية يكون مصدرها الداخل نفسه، مشيراً إلى أن الفساد يلعب دوراً كبيراً، حيث يقوم صانعو السلاح، وموردوه، وبائعوه، بدفع الأموال لبعض «الجبناء» لتمرير بضاعتهم التي تحصد المئات من أرواح الأمريكيين في الداخل، داعياً في نهاية مقاله الأمريكيين إلى التخلي عن التطلع إلى تعديل القوانين التي أكد أنها مناسبة، بيد أنها إما «مهدّدة أو مُشتراة» حسب قوله، وإلى اكتساب القوة من خلال التصويت للأشخاص المناسبين لحمايتهم، أو التبرع بالأموال للأشخاص المرشحين الذين يمكنهم تغيير تلك القوانين والتشريعات، أو تفعيل الموجودة منها بما يتناسب مع ما يمكن تقبله، حيث أكد أن المسألة ترتبط بشكل أكثر بالسلطة، وليس الإقناع، وأن أفضل وقت لذلك هو انتخابات منتصف الفترة في 2018.
مشاركة :