انصبّت التغريدات الأولى من المجتمع العلمي الذي تابع الإعلان عن جائزة «نوبل» في الكيمياء، على تهنئة العالِم السويسري جاك ديبوشيه (76 عاماً، من جامعة لوزان) الذي حصل عليها بالتساوي مع الأميركي يواكيم فرانك (77 عاماً، جامعة كولومبيا)، والإنكليزي ريتشارد هندرسون (72 عاماً، جامعة كامبردج في بريطانيا)، إذ فازوا بمكافأة على جهودهم المتضافرة في تطوير التصوير الميكروسكوبي (المجهريّ) الإلكتروني البارد Cryo- Electron Microscopy، واستخدامه في كشف تراكيب جزئيات كيماوية- بيولوجيّة في الخليّة، خصوصاً الجينات. ماذا يعني «بارد»؟ إنه يشبه تجميد لقطة في فيلم. لنفترض أن هناك خلية تنتقل من حال طبيعي إلى وضع سرطاني. باستخدام ما ابتكره الفائزون الثلاثة، يمكن تجميد الخليّة في لحظات متتاليّة من تلك الحركة، ثم دراسة كل لحظة «مجمّدة» في لقطة خاصة، بل ثلاثيّة الأبعاد أيضاً. ويتيح ذلك التعرّف إلى تفاصيل التغيير الذي يحصل في جينات الخلية، فينقلها من طبيعيّة إلى سرطانيّة. وفي 1990، تمكن هندرسون من تطوير المجهر الإلكتروني، فاستخدمه لصنع صور ثلاثيّة الأبعاد للخلية وتراكيبها. واعتبر الأمر اختراقاً علميّاً. وبين 1975 و1986، توسّع فرانك في تقنيات التصوير عبر الميكروسكوب الإلكتروني، إذ حوّل الصور التقليدية الثنائيّة الأبعاد صوراً مجسّمة ثلاثيّة الأبعاد. وعمل على نشر تلك الطريقة، فباتت تستخدم حتى في الكاميرات الرقميّة في السينما والخليوي وغيرهما. وأضفت الصور الثلاثيّة الأبعاد وضوحاً فائقاً على التراكيب الكيماويّة في الخلايا أيضاً. وفي ثمانينات القرن العشرين، سكب ديبوشيه «ماءً بارداً» على التصوير باستخدام المجهر الإلكتروني. وابتكر تقنية لصنع خلاء داخل الميكروسكوب الإلكتروني عبر شفط الهواء بسرعة، ما يخفض الضغط بشدّة فيتبخّر الماء في حرارة عادية. (علمياً، يحصل التبخّر عند تساوي ضغط الماء مع خارجه، وكلما انخفض الضغط الخارجي، تبخّر الماء من دون الحاجة إلى تسخينه). ويعني ذلك أن تقنية ديبوشيه أوصلت إلى تبخّر الماء من الخلايا والتراكيب التي تكون قيد النظر تحت المجهر. ومع خروج الماء، تنكمش التراكيب البيولوجيّة، فكأنها تتوقف عند لحظة تبخّر الماء، وهو أمر يولّد أيضاً برودة فائقة تساهم في تجميد تلك التراكيب. شهد عام 2013 تعاوناً وتكاملاً في جهود العلماء الثلاثة. وبفضل ذلك، قفزت تقنيات المجهر الإلكتروني لتصل إلى الأبعاد الثلاثيّة من جهة، والتجمّد عند لحظة معينة من التحرّك من جهة أخرى. وفجّرت القفزة آفاق الفحص بالمجهر الإلكتروني، فصارت قادرة على متابعة تفاصيل ما يحصل في الخلايا وتراكيبها الكيماوية- البيولوجية، لحظة بلحظة. وبات في متناول العلماء نظرياً، الوصول إلى معرفة لحظة الانتقال السرطاني في الخليّة وجيناتها، وكذلك الحال بالنسبة إلى مجموعة من الأمراض المستعصية والمزمنة وغيرها. وثمة لفتة إنسانيّة دافئة في التهاني التي غرّدت للسويسري ديبوشيه. وتأتي من معاناة ديبوشيه من مرض الـ «ديسليكسيا» Dyslexia، (وهي لعثمة تترافق مع صعوبات في التعلّم) الذي رافقه في طفولته ولفترات طويلة من شبابه، قبل أن يتغلب عليه. وكان أول من وُثّقَتْ إصابته رسميّاً بالمرض، في كانتون «فود» بسويسرا. وفي ملمح شخصي آخر، بدأ ديبوشيه مساره العلمي بالاختصاص في الهندسة الفيزيائيّة، ثم تحوّل إلى دراسة البيولوجيا عام 1967.
مشاركة :