الاتفاق النووي ليس الورقة الرابحة للضغط على إيران “إن المرء الذي يعبر النهر مرة، لا يستطيع أن يعبر النهر ذاته مرة ثانية، ذلك أن مياه النهر قد تغيرت من المرة الأولى إلى المرة الثانية”، كما كان هذا القول يصح بالنسبة إلى هرقليطس من إفسوس في الأزمنة الغابرة، يرى الرائد في جيش الدفاع الإسرائيلي عومير كرمي أنه يصح اليوم عند الحديث عن الاتفاق النووي والجدل حول إلقائه أم الإبقاء عليه وتعديله. وبينما يطالب المتشددون في واشنطن بالانسحاب من الاتفاقية ويقولون إنها فشلت في كبح جماح تصرف إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة، يقول المؤيدون إن الاتفاق لم يتعهد بأكثر من فرض القيود على برنامج إيران النووي وأن التراجع عنه يمكن أن يفيد إيران ويخدم مصالحها أكثر، خاصة وأن سياساتها تقوم على ترويج فكرة أنها مستهدفة من الغرب وتحديدا من “الشيطان الأكبر”.العرب [نُشر في 2017/10/05، العدد: 10772، ص(6)]اليد توقع الاتفاق والقلب يؤمن بالسلاح واشنطن – قال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس إنه إذا استطاعت الولايات المتحدة تأكيد أن إيران تمتثل للاتفاق الذي وقعته بهدف تقييد برنامجها للأسلحة النووية، فإن من مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة حينئذ أن تبقى واشنطن ملتزمة بالاتفاق. تشي القراءة الأولى للتصريح الذي أدلى به ماتيس أثناء شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي، بأن إدارة ترامب تتراجع عن موقفها بشأن الاتفاق الذي يصفه الرئيس الأميركي بـ"الصفقة السيئة والخاسرة"، واعتبره البعض من المتابعين استباقا لما سيرفعه ترامب إلى الكونغرس في 15 أكتوبر الجاري، في تقييمه للاتفاق النووي. لكن، تكمن بين سطور التصريح قراءة أخرى، فحين يصدر مثل هذا الحديث عن ماتيس الذي سبق أن أكد مرارا أنها "أكبر دولة راعية للإرهاب" وأنها "أكبر مهدد للاستقرار والسلام في المنطقة"، فذلك يعني أن هناك خططا أميركية بديلة للتعامل مع إيران غير تمزيق الاتفاق النووي، خاصة وأن مشاكل واشنطن مع طهران أوسع من الاتفاق النووي بكثير، على حد تعبير وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون. ويرغب البيت الأبيض في كبح برنامج الصواريخ الباليستية لطهران، وإنهاء دعمها مجموعات مسلحة في الشرق الأوسط ومراجعة "شروط انتهاء فترة سريان الاتفاق"، ما من شأنه إلغاء العقوبات بشكل دائم دون توقف البرنامج النووي بشكل نهائي.وتلك مسائل يعتقد الحلفاء أنه يتعين مناقشتها بشكل منفصل أو في اتفاقية لاحقة. ويجبر القانون الرئيس الأميركي على إبلاغ الكونغرس كل 90 يوما عما إذا كانت إيران تحترم الاتفاق، الأمر الذي أدى إلى متاعب سياسية للرئيس في مناسبتين. ومن المقرر أن يبلغ ترامب الكونغرس في 15 أكتوبر إذا كان يعتبر أن طهران تفي بالتزاماتها في إطار الاتفاق النووي. وفي حال اعتبر أنها لا تلتزم، فسيفتح ذلك المجال أمام عقوبات أمريكية جديدة بحق إيران، وقد ينتهي الأمر إلى انهيار الاتفاق. في الوقت الراهن، على الولايات المتحدة إقناع حلفائها الأوروبيين بالانضمام إليها في رفع الثمن الذي لا بد لإيران أن تدفعه واتهمت إدارة دونالد ترامب علنا إيران بانتهاك "روحية" الاتفاق المعروف باسم خطة التحرك الشاملة المشتركة، رغم أن بعض المسؤولين يقرون في مجالس خاصة أن هناك خطا رفيعا يفصل بين اختبار القدرة والانتهاك الفعلي. ووصف ترامب الاتفاق بأنه "معيب للولايات المتحدة" وحض الحلفاء والأطراف الموقعة عليه في لندن وباريس وبرلين على إعادة التفاوض عليه، وهو ما قالوا إنهم لا يرغبون في القيام به. ولكن الآن يتم النظر في مسار وسطي، يجعل معارضة ترامب للاتفاق واضحة لكنه لا يلغي الاتفاق صراحة بل ربما يوقف إجراءات مراجعته كل 90 يوما من قبل الرئيس. ومن الممكن أن يعتبر ترامب أن إيران انتهكت الاتفاق، وبشكل أقل استفزازا، يرفض تأكيد التزامها به ما يمنح الكونغرس 60 يوما لاتخاذ قرار بشأن فرض عقوبات. وأثارت المسألة جدلا حادا داخل إدارته، ومع رئيس لا يمكن التنبؤ بخطواته، فإن أي شيء ممكن حدوثه قبل الموعد الحاسم. إلغاء الاتفاق يؤيد المحلل السياسي البريطاني روجر بويز فكرة لا يمكن الرجوع بالزمن وإلغاء الاتفاق وكأنه لم يكن، وحتى الدول والأطراف التي كانت تعارض بشدة توقيعه مقتنعة اليوم بعدم جدوى إلغائه. وكتب بويز في صحيفة "التايمز" أن ترامب، الذي أحاط نفسه بموظفين ومستشارين مناهضين للنظام الإيراني، “على حق بشأن النهج المتشدد مع إيران”، مشيرا إلى أنه "لا حاجة لإلغاء الاتفاق حول برنامج إيران النووي الذي أبرم بين الدول الكبرى وطهران، إلا أن الأخيرة يتعين عليها قطع علاقتها مع كوريا الشمالية". وأضاف أن موقف ترامب كان ثابتا منذ البداية بشأن الموضوع الإيراني، حيث وصف الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بأنه وقع أسوأ اتفاق في العالم لوقف طموحات طهران النووية. ويؤكد الخبراء أن الاتفاق وإن أدى إلى وضع البرنامج النووي الإيراني تحت المجهر، إلا أن إيران في المقابل استفادت من توجه التركيز نحو الاتفاق وبرنامجها النووي لتنفيذ مخطط آخر أكثر أهمية لها من النووي في هذه المرحلة.روجر بويز: الرئيس الأميركي دونالد ترامب على حق بشأن النهج المتشدد مع إيران وكانت إيران تعمل على مبدأ تصدير الثورة وتفتح جيوبا وممرات لها في منطقة الشرق الأوسط، وهو الخطر الأكبر من البرنامج النووي، وفق ما صرح به في أوقات سابقة جيمس ماتيس. يؤيد ذلك مدير الاتصالات الأسبق لنائب الرئيس آل جور، والخبير في معهد العلاقات الخارجية الأميركي لورانس ج. هاس، حين يقول إن أوباما أعطى طهران الفرصة للمراوغة عندما قام أثناء مفاوضات يوليو مع إيران بشأن برنامجها النووي، بتوجيه المفاوضين نحو قصر المحادثات على البرنامج النووي وعدم توسيعه ليشمل القضايا ذات الصلة مثل برنامج إيران للصواريخ الباليستية ورعاية الإرهاب وتهديداتها الإقليمية. وتشتكي القوى الكبرى ودول المنطقة من أن إيران لم تتغير بل وتعتنق نفس السياسة التي أسسها آية الله الخميني. وتتبنى سياسته على تأجيج الصراعات في المنطقة، ولهذا الغرض أسس ودعم تنظيمات محلية. وبنى شبكة من الوكلاء تتولى نشر الفوضى نيابة عنه، بدأت بعمليات خطف طائرات وخطف وقتل دبلوماسيين وأكاديميين ومحاولة السيطرة على السلطات المحلية في الدول المستهدفة. وترغب الإدارة الأميركية في فرض عقوبات على إيران لكبح جماح طموحها، لكنها في الوقت نفسه تخشى أن يستغل الإيرانيون الأمر ويقلبونه إلى صالحهم بجعلهم الولايات المتحدة تبدو في دور المنتهك لبنود الاتفاق. ويستمد الإيرانيون ثقتهم من قلق حلفاء واشنطن الأوروبيين الذين يعتبرون الاتفاق النووي ورفع العقوبات على إيران في مصلحتهم الوطنية. ويرى روجر بويز أنه "من الصعب جدا إعادة فرض العقوبات على إيران مجددا، إلا أنه ليس هناك ما يقف بوجه سلم العقوبات، من تجميد الأموال إلى حظر السفر على الإيرانيين المتورطين بالأعمال الإرهابية". وأردف أن “هناك عدة طرق فعالة لجعل الحملة على إيران موجهة ضد جميع نشاطات الحرس الثوري الإيراني وحلفائه من بينهم حزب الله". وتابع قائلا إن “من أولويات ترامب التأكد من أن إيران لا تبرز كقوة سياسية منتصرة في منطقة الشرق الأوسط عندما تتم هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية”. قلب الحقائق يذهب إلى ذات الاستنتاج الدبلوماسي والمساعد الخاص السابق للرئيس باراك أوباما، دينيس روس، مشيرا إلى أن التركيز على خطة العمل المشتركة الشاملة، بصرف النظر عن قيودها الحقيقية، لن يتصدى لأي من التهديدات الإيرانية الحالية، من بينها الخطر الفعلي المتمثل باستعداد إيران لاستخدام الميليشيات الشيعية لملء الفراغ الناتج عن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة.موقف ترامب بشأن الموضوع الإيراني كان ثابتا منذ البداية في خضم الجدل الذي ترتفع حدته مع اقتراب موعد تقييم الاتفاق النووي، وفيما تبحث الإدارة الأميركية والولايات المتحدة إقناع الرافضين في الداخل، وحلفائها الأوروبيين بالانضمام إليها في رفع الثمن الذي لا بدّ لإيران من أن تدفعه؛ نشر عراب الاتفاق النووي جون كيري مقالا في صحيفة واشنطت بوست (عدد 30 سبتمبر 2017) حذر فيه من الانسحاب من الاتفاق وقال إنه “لا ينبغي أن يكون الاتفاق النووي الإيراني لعبة في يد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أو غيره”. ويعلق لورنس ج. هاس على موقف كيري المرشح لنيل جائزة نوبل للسلام على دوره في توقيع الاتفاق النووي، بقوله إن وزير الخارجية الأميركي السابق “يدافع عما لا يمكن الدفاع عنه”، مشبها كيري بـ”الأب المزهو بابنه لدرجة أنه يرفض الانتقادات المشروعة التي يوجهها له المعلم”. ويبدو دفاع كيري غير مقنع بالنسبة لهاس، ويفتقد إلى الحكمة في تقييمه للاتفاق النووي وتجاهل حقيقة علاقته بالوضع المرتبك في المنطقة. وبالنظر إلى التهديد الذي تفرضه إيران على توسعها في لبنان وسوريا والعراق واليمن وأماكن أخرى، فضلا عن المراجعة المستمرة التي تقوم بها الإدارة الأميركية حول سياستها تجاه إيران، تملك الإدارة الأميركية كل الحجج والشهادات التي تؤكد أن إيران لم تحترم الاتفاق النووي في ما يتعلق ببنوده المرتبطة بنشر السلم في المنطقة، لكن يحتاج الأمر إلى التعامل بتعقل مع الأزمة، فزيادة الضغط على إيران وتوسع الفجوة بين أوروبا والولايات المتحدة، سيصبان في مصلحتها، خصوصا إذا اتسعت الفجوة بين واشنطن والحلفاء الأوروبيين. وقالت هيلغا شميت الأمين العام لإدارة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي الأربعاء إن دول أوروبا ستبذل ما في وسعها للحفاظ على اتفاق يحد من برنامج إيران النووي رغم شكوك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وذكرت شميت مام مؤتمر عن الاستثمار في إيران في العاصمة المالية لسويسرا "هذا ليس اتفاق ثنائي بل هو اتفاق متعدد الأطراف. كأوروبيين سنفعل كل ما في وسعنا لضمان استمراره". وأكدت شميت إن أوروبا لديها مخاوف بشأن دور إيران في الشؤون الإقليمية لكن تلك المسائل ليست جزءا من الاتفاق النووي. وقالت "مقتنعة تماما بأننا لن نكون في موقف أفضل لمناقشة مثل هذه المسائل إذا تخلينا عن خطة العمل الشاملة المشتركة". وأضافت "العالم ليس بحاجة لأزمة انتشار نووي ثانية. واحدة تكفي وتزيد" في إشارة واضحة إلى المواجهة بين واشنطن وكوريا الشمالية.
مشاركة :