في البداية -عزيزي القارئ- يجب أن تعرف أربع حقائق مهمة عن الاكتئاب: 1- الاكتئاب هو مرض حقيقي. 2- الاكتئاب يؤثر على الناس بطرق مختلفة. 3- الاكتئاب مرض قابل للعلاج. 4- إذا كان لديك اكتئاب، اطمئن، فأنت لست وحدك. ما هو الاكتئاب؟ اضطراب الاكتئاب هو اضطراب عقلي شائع وخطير ويؤثر بشكل سلبي على كيفية شعورنا، وعلى الطريقة التي نفكر بها والتي نتصرف بها أيضاً، مؤدياً إلى مجموعة من المشاكل العاطفية والجسدية، ويقلل قدرة الشخص على أداء وظائفه اليومية. ما أهم أعراض الاكتئاب؟ أعراض الاكتئاب تتراوح من معتدلة إلى حادة، وتشمل: 1- الشعور بالحزن أو المزاج المكتئب. 2- فقدان الاهتمام أو السعادة بالأنشطة التي كان يحبها في السابق. 3- التغيير في الشهية، كفقدان الوزن أو اكتسابه، غير مرتبط بالأكل. 4- مشاكل في النوم: كثرة النوم أو قلته. 5- الشعور بفقدان الطاقة وزيادة الإرهاق المستمر. 6- بطء في الحركة والكلام. 7- الشعور بعدم القيمة أو الشعور بالذنب. 8- صعوبات في التفكير أو التركيز أو اتخاذ القرارات. 9- أفكار الموت أو الانتحار المتكررة. ** الأعراض يجب أن تستمر على الأقل لمدة أسبوعين لتشخيص اضطراب الاكتئاب، هناك أيضاً بعض الحالات الطبية كأمراض الغدة الدرقية، أو أورام المخ، أو نقص الفيتامينات، من الممكن أن تسبب أعراضاً تشبه أعراض الاكتئاب؛ لذلك من المهم إجراء فحوصات طبية مكثفة كاملة للتأكد من عدم وجود مشكلة جسدية قبل تشخيص الاكتئاب.ما الفرق بين الاكتئاب والحزن أو الشعور بالأسى؟ موت أحد الأحباء، ضغوط أو فقدان العمل، أو انتهاء علاقة عاطفية من المواقف الصعبة على أي شخص أن يتحملها، ومن الطبيعي أن تشعر بالحزن والأسى كاستجابة طبيعية لهذه الأحداث، هؤلاء الأشخاص الذين يعانون من الفقد غالباً ما يصفون أنفسهم أنهم "مكتئبون". لكن الحزن والاكتئاب ليسا الشيء نفسه؛ فالحزن هو عملية طبيعية وفريدة لكل شخص تشارك بعض السمات مع الاكتئاب، لكنهما مختلفان؛ فكلاهما قد يشمل الشعور بالحزن الشديد والانسحاب من أنشطة الحياة اليومية، ولكن يختلفان في بضع نقاط، وهي: 1- في حالة الحزن فإن المشاعر المؤلمة تأتي في صورة موجات غالباً ما تكون ممتزجة بذكريات إيجابية للشخص المفقود أو المتوفَّى، بينما في حالة الاكتئاب تصحب هذه المشاعر انخفاض المزاج وفقدان الاهتمامات بشكل مستمر ومتواصل ولمدة أسبوعين على الأقل. 2- في حالة الحزن فإن الشعور بالثقة بالنفس أو تقدير الذات غالباً ما يكون طبيعياً، لكن في حالة الاكتئاب فإن الشعور بعدم القيمة وكراهية الذات هو الشائع. 3- بالنسبة لبعض الأشخاص فإن موت شخص من أحبائهم، أو فقدان الوظيفة، أو التعرض لاعتداء جسدي أو كارثة كبرى قد يؤدي إلى الاكتئاب عندهم، وعندما يجتمع الاكتئاب والحزن، فإن الحزن يكون أشد وأعنف ويستمر لمدة أطول من الحزن بدون اكتئاب. 4- الشعور بالأسى غالباً ما ينجلي بعد عدة أيام أو أسابيع، على عكس الاكتئاب الذي يتميز بطول المدة. 5- عمل تغييرات طفيفة في حياتك لحل المشكلة التي تواجهك، أو التحدث مع صديق قريب عنها، أو الحصول على بعض الراحة والنوم قد تجعل حالتك المزاجية تتحسن إذا كنت تشعر بالحزن، بينما في الاكتئاب فإن حالتك المزاجية تظل منخفضة بالرغم من كل شيء. بالرغم من تداخل بعض الأعراض بين الاكتئاب والحزن لكنهما مختلفان تماماً، لذلك من المهم استشارة الطبيب للتمييز بينهما، ولتحديد نوع المساعدة أو الدعم أو العلاج الذي تحتاجه، فلا يمكنك ببساطة عندما تشعر ببعض الحزن أن تشخص نفسك بأنك مريض بالاكتئاب! ما الفئات الأكثر عرضة للاكتئاب؟ الاكتئاب يصيب واحداً من بين كل 15 شخصاً بالغاً، أي بنسبة 6.7% كل عام، وواحداً من بين كل 6 أشخاص يعاني من أعراض الاكتئاب خلال فترة ما في حياتهم، أي بنسبة 16.6%. فالاكتئاب يمكن أن يصيبك في أي وقت، لكنه في المتوسط يظهر خلال أواخر فترة المراهقة إلى منتصف العشرينيات. وكذلك فإن النساء أكثر عرضة للاكتئاب من الرجال، بعض الدراسات توضح أنه حوالي ثلث النساء عانَيْن من نوبة من الاكتئاب مرة واحدة على الأقل خلال حياتهم. ** حوالي 16 مليون أميركي مصابون بالاكتئاب. ما هي أنواع الاكتئاب؟ تبعاً للدليل الإحصائي والتشخيصي للاضطرابات العقلية، فهناك نوعان من الاكتئاب هما الأكثر شيوعاً: 1- الاكتئاب الرئيسي "Major depression": ويأتي في صورة حلقات من الأعراض الشديدة التي تؤثر على النشاطات اليومية، كالعمل والنوم والمذاكرة والأكل والاستمتاع بالحياة، حلقة واحدة من الاكتئاب قد تحدث لمرة واحدة في حياة الشخص، لكن في الغالب يعاني الشخص من عدة حلقات من الاكتئاب. 2- اضطراب الاكتئاب المستمر "Persistent depressive disorder": ويسمى أيضاً "dysthymia": هو عبارة عن مزاج مكتئب يستمر لأكثر من سنتين على الأقل، المريض بالاكتئاب المستمر قد يعاني من حلقات من الاكتئاب الرئيسي مع فترات من الأعراض أقل شدةً، لكن الأعراض تستمر لسنتين على الأقل. هناك بعض أنواع الاكتئاب مختلفة قليلاً أو قد تتطور تحت ظروف محددة، وتشمل: 1- الاكتئاب الذهاني "psychotic depression": الذي يحدث عندما يعاني الشخص من أعراض شديدة للاكتئاب، بالإضافة إلى بعض أعراض الذهان، مثل: معتقدات خاطئة مزعجة، أو انفصال عن الواقع في صورة ضلالات، أو سماع أو رؤية أشياء غير موجودة في صورة هلوسات سمعية أو بصرية. 2- اكتئاب ما بعد الولادة "Postpartum depression": الذي يعد أخطر من اكتئاب ما بعد الحمل "baby blues" -الذي يصيب بعض السيدات بعد الولادة نتيجة اضطراب هرمونية وجسدية ونتيجة المسؤوليات الجديدة لوجود رضيع- يقدر عدد السيدات بحوالي 10-15% اللاتي يصبن باكتئاب ما بعد الولادة. 3- الاكتئاب الموسمي "SAD": وهو نوع من الاكتئاب يأتي مع قدوم موسم الشتاء، الذي يتميز بخفوت ضوء الشمس، ويتلاشى هذا النوع من الاكتئاب مع قدوم موسم الربيع والصيف، العلاج بالضوء قد يكون فعالاً في بعض الحالات، لكن بعض الحالات تحتاج إلى علاج بمضادات الاكتئاب -سنناقش الاكتئاب الموسمي في مقال منفصل. 4- اضطراب ثنائي القطبين: وهو يختلف عن الاكتئاب، أما السبب الذي يجعله يندرج تحت قائمة الاكتئاب، فلأن الشخص المصاب بالاضطراب ثنائي القطبين يعاني من حلقات من المزاج المنخفض للغاية كالاكتئاب، وأيضاً يعاني من حلقات الارتفاع الشديد في المزاج أو ما يسمى بنوبات الهوس. ** أنواع أخرى من الاكتئاب: 1- الاكتئاب المتكرر المختصر "recurrent brief depression": وهو مصطلح يشير إلى أخف أنواع الاكتئاب، وهو اكتئاب يستمر من يومين إلى 13 يوماً، ويحدث مرة على الأقل كل شهر ولمدة 12 شهراً. 2- اضطراب التكيف مع سمات الاكتئاب"Adjustment disorder with depressive features": أحياناً يمكن لحدث معين أن يسبب استجابة نفسية شديدة بحيث يؤدي إلى تدني الحالة المزاجية، لدرجة أنه يمكن اعتباره نوعاً من الاكتئاب، ويشار إلى هذه الحالة على أنها اضطراب التكيف مع سمات الاكتئاب، وعادة، تكون هذه حالة مؤقتة. ** بعض الاضطرابات التي قد تؤدي إلى الاكتئاب: - اضطرابات المزاج المدمرة: التي غالباً ما يتم تشخيصها لدى الأطفال، وتتميز بنوبات متكررة وشديدة من الغضب. - اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي: وهو نوع أكثر حدة من متلازمة ما قبل الحيض "PMS". - اضطراب الاكتئاب الناجم عن الأدوية: ويكون نتيجة استخدام أدوية غير قانونية، أو نتيجة الآثار الجانبية للدواء الموصوف. - بعض الأمراض المزمنة: مثل مرض الشلل الرعاش. ما هو سبب الاكتئاب؟ غير معروف على وجه التحديد ما هو سبب الاكتئاب، فمثله مثل كثير من الاضطرابات العقلية، ولكن هناك عدة عوامل قد تسببه أو تتضافر لحدوثه، وتشمل عدة عوامل حدثت على المدى الطويل أو مجموعة أحداث وقعت مؤخراً، وليس مجرد حدث أو مشكلة معينة فقط، وأهم تلك العوامل: 1- كيمياء الدماغ: حدوث تغيرات في أنواع محددة من المركبات الكيميائية، التي تعرف بالموصلات العصبية في المخ، قد تسبب حدوث الاكتئاب. 2- الوراثة: الاكتئاب قد يسري كعامل وراثي في العائلات، فعلى سبيل المثال إذا كان لك شقيق توأم متماثل فأنت معرض بنسبة 70% للإصابة بالاكتئاب خلال حياتك. 3- عوامل الشخصية: الأشخاص ذوو التقدير المنخفض لأنفسهم أو ضعيفو الثقة بالنفس الذين يتأثرون سريعاً بالتوتر أو الضغط، أو الأشخاص المتشائمون بشكل عام قد يكونون أكثر عرضة للاكتئاب. 4- الهرمونات: تغيرات في توازن هرمونات الجسم قد يسبب أو يحفز حدوث الاكتئاب، فالتغييرات الهرمونية قد تنتج في فترة الحمل أو ما بعد الولادة، واضطرابات الغدة الدرقية، وانقطاع الطمث في سن اليأس عند السيدات، وعدد من الأسباب الأخرى. 5- أحداث الحياة: كالتعرض المستمر للعنف أو التجاهل أو الإساءة أو الفقر، أو البطالة لفترة طويلة، أو وجود علاقة مسيئة أو استغلالية طويلة المدى، وأيضاً العزلة أو الوحدة لمدة طويلة، وضغط العمل المستمر، لكن تضافر حدث أو عدة أحداث مؤلمة قد يحفز حدوث الاكتئاب إذا كنت مُعرضاً من الأساس للاكتئاب نتيجة خبرات سابقة سيئة أو عوامل شخصية. 6- الأمراض الخطيرة المزمنة: والتي تسبب القلق والألم على المدى الطويل قد تؤدي لحدوث الاكتئاب. 7- بعض الأدوية والكحوليات: كلاهما قد يكون سبباً للاكتئاب، أو قد يصبح نتيجةً له. ما هي مخاطر عدم علاج الاكتئاب؟ عدم اللجوء لعلاج مناسب في حالات الاكتئاب يعتبر مشكلة خطيرة؛ لأنه قد يؤدي إلى: 1- تصرفات خطيرة: كإدمان المواد المخدرة أو الكحوليات. 2- تدمير العلاقات: حيث يصبح الشخص المكتئب منسحباً أكثر، منفعلاً بسرعة أكبر، وأقل قدرة على القيام بمهامه المعتادة، وبشكل ملحوظ أقل اهتماماً بالنشاط الجنسي الطبيعي. 3- مشاكل في العمل أو حتى الفصل من العمل أو الدراسة: وتقدر منظمة الصحة العالمية بأنه بحلول عام 2020م، فإن مرض الاكتئاب سوف يكون في المرتبة الثانية بعد أمراض القلب والأوعية الدموية في الأمراض التي تسبب فقداناً ملحوظاً في إنتاجية المجتمع البشري، فمرض الاكتئاب غير الخاضع للعلاج يعيق تدريجياً قدرة الفرد على العمل أو الدراسة أو القيام بواجباتهم. 4- التأثير على الأكل والنوم: الأرق الشديد أو النوم بصورة مبالغ فيها، وتغييرات الوزن بشكل ملحوظ. 5- التأثير على أفكارك وطريقة تفكيرك بشكل عام، وأيضاً على طريقة تفكيرك تجاه الأشخاص المحيطين بك. 6 - طول فترة المعاناة الشخصية: حيث إن المحنة الشخصية تختلف في شدتها من شخص لآخر، وعدم أخذ الأدوية المضادة للاكتئاب يجعل المعاناة تستمر بغير ضرورة، فليس هناك أي شيء نبيل في استمرار تحمل المعاناة الجسدية أو العقلية! 7- تدهور الأعراض: عدم علاج الاكتئاب أو تجاهله لن يؤدي في النهاية إلى انتهاء الاكتئاب، بل في عدد كبير من الحالات يحدث العكس؛ حيث تسوء الأعراض عن الوضع الحالي خصوصاً لو كان الشخص تحت ضغط معين أو في علاقة صعبة. 8- الانتحار: في الاكتئاب يشعر الشخص بفقدان الأمل، ويكون مقتنعاً تماماً أن المستقبل يعني مزيداً من المعاناة، مما يجعل من الانتحار مهرباً جذاباً بالنسبة لهم! هذه الحالة من التفكير المشوش والمضطرب تحدث نتيجة للاكتئاب. بالإضافة إلى أن هناك دراسات عالمية أجريت أظهرت أن 80% من الأشخاص الذين ينتحرون قد عانوا من اكتئاب غير خاضع للعلاج عند وقت وفاتهم. لذلك احترس؛ فالاكتئاب مثل الضيف الغريب، والذي يتحكم بتفكيرك ويحاول قتلك باستمرار، كن أقوى منه. 9- زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب تبعاً لبعض الدراسات الحديثة. 10- تدمير خلايا المخ؛ حيث أظهرت بعض الدراسات مؤخراً أن الرنين المغناطيسي لأشخاص مصابين بالاكتئاب يُظهر انكماشاً في منطقة معينة في الدماغ تسمى "hippocampus" والذي يلعب دوراً مهماً في الذاكرة والتعلم، وعند إتمام العلاج تعود لحجمها الطبيعي، لكن عند تجاهل العلاج على المدى الطويل، فإن الخلل يصبح دائماً.كيف يمكن علاج الاكتئاب؟ _______________________ المصادر: DSM-5 Low mood and depression - Stress, anxiety and depression - NHS Choices [Internet]. Nhs.uk. 2016 [cited 7 April 2016]. Available from: http://www.nhs.uk/conditions/stress-anxiety-depression/pages/low-mood-and-depression.aspx What if I ignore it? - Depression [Internet]. Depression. 2016 [cited 7 April 2016]. Available from: http://depression.com.au/the-main-points/what-if-i-ignore-it/ . Clinical depression: What does that mean? - Mayo Clinic [Internet]. Mayoclinic.org. 2016 [cited 7 April 2016]. Available from: http://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/depression/expert-answers/clinical-depression/faq-20057770 Binder, R. Typical or Troubled: Early Intervention Program With Proven Effectiveness. PN. 2016;51(7):1-1. Sapolsky R. Depression, antidepressants, and the shrinking hippocampus. Proceedings of the National Academy of Sciences. 2001;98(22):12320-12322. - تم نشر هذه التدوينة في موقع ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :