أحدهم كتب تغريدة قال فيها: كلما قارنت بين "عدنان إبراهيم" و"حسن فرحان المالكي"، وبين بقية الشيوخ والملالي، مالت الكفة لصالح "عدنان إبراهيم" و"حسن فرحان". فرددت عليه: قارنهم إذا بالمفكرين الإسلاميين حقا وسترى كفة الميزان كيف تتغير. وعلى الرغم من أني لا أحب عقد المقارنات بين الأشخاص؛ لإيماني أن لكل فرد ميزاته وعلاته التي يتفرد بها عن الآخرين، إلا أني سألجأ هنا إلى عقد مقارنة بسيطة حتى تصل الفكرة. أحمد ديدات، مصطفى محمود، علي الطنطاوي، علي شريعتي، محمد الشعراوي.. إلخ من الأسماء الرائدة في مجال الفكر الإسلامي، ولا يوجد بينهم مشترك أبرز من ثبات الشخصية، عدم التذبذب الحاد بين الصعود والهبوط، لم أجد لأي من تلك الأسماء أي اضطراب في الشخصية أو الآراء، وهذا للأسف ما لا يوجد في المفكرين الجديدين: عدنان إبراهيم، وحسن فرحان المالكي. من تابع ويتابع كقارئ أو مستمع هاتين الشخصيتين سيجد نفسه أمام مفكريَن عميقي الرؤيا واسعيَ الاطلاع، لكل منهما اتجاهه، كليهما لديه مَلكة ذهنية متقدة، وسعة حفظ وقوة ذاكرة، كلاهما متبحر في الكثير من العلوم الشرعية والتاريخية والاجتماعية، صفات تؤهلهما أن يكونا فيلسوفين بامتياز، لكن هيهات. عدنان إبراهيم من أعظم حسناته، أنه أعاد لمنبر المسجد هيبته، أنه أخرج المنبر من ذلك الصندوق الذي حُشر فيه ردحا من الزمن، خرج به من أحاديث الطلاق والنكاح والإرضاع والطاعة العمياء، أخرجه من مواعظ الترهيب والترغيب وتبديع الآخرين وتكفيرهم، لقد رسم صورة جديدة تختلف عن خطيب الجمعة الذي يحفظ أكثر مما يفهم، يخطب إلى أن يترك نصف الحضور مشغولا بمتطلبات الحياة والنصف الآخر يغط في نوم عميق!. بينما نجد عدنان إبراهيم قد انطلق بالمنبر إلى الفلك والفيزياء والفلسفة والتاريخ وطبائع الإنسان، بأسلوب سلس بسيط وعميق. حسن فرحان المالكي له حسنة أعظم، أنه أعاد للقرآن هيبته، أنه أعاده إلى الواجهة، وجعله المرجع الأساس، والحكم الأول في كل شأن، وهذه قمة الشجاعة، فالغالب اليوم في الثقافة الإسلامية رغم تعظيم المسلمين للقرآن، إلا أن التقديس أحيانا يذهب إلى الشروح وشروح الشروح، وهي اجتهادات فردية حلت قداستها محل الآية موضع الشرح!. عدنان إبراهيم وحسن فرحان المالكي، هما بحق حالة خاصة تجمع بين سعة العلم وعمق الفهم والشجاعة، المفارقة ـ وهنا يأتي الشك في هاتين الشخصيتين ـ أن كل سعة العلم وعمق الفهم والشجاعة تختفي فجأة، لتظهر شخصيتان مغايرتان تماما، شخصيتان غارقتان في الشتات والتيه والتخبط، وكأن هنالك زرّا، ما إن يتم الضغط عليه حتى يسقط من كان في القمة منهما إلى القاع فورا وبلا مقدمات. عدنان إبراهيم الذي يتخذ من العقل قاضيا له على كل أمر، هذا الرجل الذي يُقنع المستمع بالمنطق أن العقل هو الميزان، نراه فجأة ينحدر إلى منطقة اللا عقلانية أبدا، إلى منطقة لا منطق فيها على الإطلاق، وكيف أنه حين كان يتفكر في ماله أحلال هو أم فيه شبهات أتاه SMS باللغة الألمانية يخبره أن كل أمواله حلال! وكيف أن والده رأى في المنام أنه يُؤذن وحين استيقظ وذهب إلى المسجد جاءه أحد المصلين وسأله: لماذا تُنغم في الأذان؟! وكيف أن جماعة من الجن قدموا إليه طالبين منه الدعاء لهم، هذا بغض النظر عن عقدة الأنا التي دائما ما تردي بالرجل إلى القاع. أما حسن بن فرحان الذي يتخذ من القرآن حكما له في كل أمر، نراه لا يُحكمه إلا ما ندر فيما يخص المذهب الشيعي!، هذا التناقض غريب عجيب، وأمر لم أستطع إيجاد تفسير له، فهو كالأسد حين ينتقد المذهب السني، وكالحمل الوديع حين يتحدث عن المذهب الشيعي. والمفكر عليه أن يتحلى بالإنصاف والوقوف على الحياد، كما وقف المفكر الشيعي علي شريعتي على سبيل المثال، هذا بغض النظر عن عقدة الماضي التي تلازم الشيخ في كل شأن حتى إنه ندم حين سمى صغير الضأن الذي كان يملكه باسم "مروان"!. وإن كانت "النرجسية" علة الأول، وهي علة أحيانا ترافق المفكرين والفلاسفة، إلا أن الله أعلم العالمين بعلة الثاني. سأضع القلم، وسأكتفي بطرح السؤال المعنون به المقال: "مفكران أم…؟"، وضع عزيزي القارئ مكان النقاط الثلاث ما شئت، إن شئت فقل: مجنونَين أو مضطربَين أو غير سويَين، أو قد يكونان سويين، وما بهما من علل ليست إلا عللا ترافق المفكرين والفلاسفة في كل زمان ومكان، وإن كانت كذلك فعلا، فكيف تحلى المفكرون الإسلاميون الواردة أسماؤهم في المقال بالاتزان؟!
مشاركة :