تضغط الحرب الدائرة في اليمن أكثر فأكثر على اقتصادات دول الخليج المنتجة للنفط، مع دخول الحرب شهرها الحادي والثلاثين. خبراء اقتصاديون أوضحوا في تصريحات لـ «الأناضول»، أن الحرب المستمرة تشكل استنزافاً مالياً لدول الخليج، لا سيما مع تكاليفها الباهظة التي من الصعب تحملها في ظل أزمة أسعار النفط المتراجعة.دون ظهور بوادر جديدة لنهايتها، دخلت حرب اليمن شهرها الحادي والثلاثين (انطلقت 26 مارس 2015)، بين القوات الموالية للحكومة اليمنية المدعومة من التحالف العربي، بقيادة السعودية من جهة، ومسلحي الحوثي وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح من جهة أخرى. وخلفت الحرب أوضاعاً إنسانية صعبة، فضلاً عن تدهور حاد في اقتصاد البلد الفقير، فيما تشير التقديرات إلى أن 21 مليون يمني (80 % من السكان) بحاجة إلى مساعدات. تداعيات مزدوجة جاسم عجاقة، الخبير الاقتصادي والأستاذ في الجامعة اللبنانية، قال إن استمرار العمليات العسكرية في اليمن واتساع نطاقها، له تداعيات سلبية مزدوجة على أسواق واقتصادات دول الخليج. وفي اتصال هاتفي مع «الأناضول» من بيروت، أضاف عجاقة أن هناك تداعيات اقتصادية وأخرى مالية، الأولى سببها الرئيسي ما تمثله اليمن من امتداد لتجارة دول الخليج التي تعتمد اقتصادياتها بشكل أساسي على مبيعات مصادر الطاقة، وذلك عبر مضيق باب المندب. ويعبر هذا المضيق، وهو أحد أهم الممرات المائية في العالم، وأكثرها احتضاناً للسفن، الآلاف من ناقلات نفط الخليج، وناقلات البضائع الأخرى بين آسيا وأوروبا وحوض المتوسط وشمال أميركا. وتذهب التقديرات إلى أن 13 % من إنتاج النفط العالمي، أي نحو 4 ملايين طن تمر يومياً عبر المضيق باتجاه قناة السويس، ومنها إلى بقية أنحاء العالم. وسنوياً يمر عبر المضيق الثالث عالمياً من حيث الأهمية الاستراتيجية بعد مضيقي «هرمز» و»ملاقا»، ما يزيد عن 25 ألف سفينة محملة بشتى أنواع البضائع، تمثل 7 % من الملاحة الدولية. الخبير اللبناني زاد: «التداعيات المالية لن يكون لها أثر كبير على دول الخليج، بسبب ما تملكه من احتياطيات نقدية ضخمة». غير أنه استدرك قائلاً: «السعودية تتحمل الضرر الأكبر من حرب اليمن، مقارنة بجيرانها من دول الخليج الأخرى»، ويضيف: «التأثير يشمل غياب الفرص الاستثمارية الوافدة إلى المملكة بسبب الحرب». ضغوط متزايدة من جهته، قال فخري الفقي، المستشار السابق في صندوق النقد الدولي، إن استمرار الحرب على اليمن يزيد من الضغوط الاقتصادية على دول الخليج، في ظل ارتفاع تكلفة الحملة العسكرية وطول المدة، بالتزامن مع استمرار أسعار النفط منخفضة، ما أدى لتفاقم عجز الموازنة. الفقي، الذي يعمل أستاذاً للاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، تابع في اتصال هاتفي مع «الأناضول»، أن «الآثار المالية للحرب تبقى للآن هامشية، مقارنة بالاحتياطيات الأجنبية الضخمة التي تملكها الدول الخليجية الغنية بالنفط». وأوضح أنه صحيح أن تلك الاحتياطيات لم تمنع من إجراء سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية لدعم الإيرادات، تضمنت تحرير الوقود وفرض الضرائب، غير أنه كان يمكن تحقيق تلك الإيرادات بوقف نزيف الحرب المستمر». وذكر المستشار السابق في صندوق النقد الدولي أن تداعيات الحرب تطول مستوى ثقة المستثمر، والذي يفضل -في أغلب الأحيان- الاستثمار بالمناطق الأكثر استقراراً سياسياً واقتصادياً. أضرار كبيرة من جهته، يرى الخبير الاقتصادي محمد العون، أنه رغم قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على حماية اقتصاداتها من تأثيرات الحرب في اليمن، إلا أن اتساع أمد الحرب ربما يعرضها لأضرار كبيرة. وقال العون، في اتصال هاتفي مع «الأناضول»، إن أضرار الحرب على اقتصاديات دول الخليج، تتمثل في ارتفاع تكاليف العمليات العسكرية، وتأثيرها على الموازنة العامة، إضافة إلى قطاعات النفط والطاقة والنقل، وعزوف المستثمرين والسياح عن المنطقة. وتحمل الحرب اليمنية تكلفة عالية بالنسبة إلى السعودية والإمارات، ولكن ما من أرقام دقيقة وموثوقة في ما يتعلق بحجم تلك الكلفة التي تعادل مليارات الدولارات. ويعني وقف الحرب في اليمن، ظهور فرص استثمارية جيدة أمام دول الخليج، لا سيما في عمليات إعادة الإعمار، إثر الدمار الذي أحدثته الحرب، مضيفاً أن الشركات الخليجية، سواء حكومية أو القطاع الخاص، ستكون لها الأولوية في ذلك. ومن الصعب الحديث عن تكلفة إعادة إعمار اليمن، وهي لا تزال تتكبد خسائر يومية جراء استمرار الحرب. ولكن وفقاً لتقديرات أولية رسمية، من المتوقع أن تتراوح التكلفة الإجمالية بين 80 إلى 100 مليار دولار، تساهم دول مجلس التعاون الخليجي بـ 70 % منها.;
مشاركة :