ستشهاد - معالي الدكتور - سليمان بن عبدالله أباالخيل - مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وعضو هيئة كبار العلماء -، بما قاله - الإمام العلامة - ابن القيم - رحمه الله - في كتابه العظيم « إعلام الموقعين عن رب العالمين «، من أن: « الفتوى تتغير بتغير الأزمنة، والعوائد، والنيات، والأحوال، والأماكن، والأشخاص «، دليل على أن الفتوى هي التي تتغير، وليس الحكم الشرعي ؛ لأنها مرتبة على العوائد، والأعراف، فإذا زالت العلة، أو تغير العرف، أو الصفة، أو الحالة، فإن الفتوى تتغير - أيضاً - لذلك ؛ كونها تهدف إلى إبقاء الأمور تحت حكم الشريعة، وإن تغيرت صورتها الظاهرة، فهي - في المحصلة النهائية - ليست خروجاً على الشريعة، وإنما استحداثا لأحكام جديدة. إن تحقق بعد النظر في مدارك الأحكام الموجب للتغيير، سيجعل من تغيير المفتي فتواه منهجا قائما؛ لاستناده في ذلك إلى الدليل الشرعي الثابت ؛ لمسايرة سنة الله في التطور، وتغير المصالح، والأحوال، حيث يتسع المجال لأكثر من رأي، أو فهم في المسألة، وهي مرتبطة بشكل كلي بالاجتهاد في تحقيق المناط، والذي يتمثل في أربع حالات أساسية، تنصب إليها جميع الأحكام المنبثقة من هذه القاعدة؛ مراعاة لمقاصد الشريعة، ومصالح العباد ؛ - ولذا - فإن البحث في تغير نص الفتوى، وما يحيط به من ظروف بشرية، وزمانية، ومكانية، وما له من أبعاد مقاصدية، واجتماعية، ووظيفية، يحكمه أمران، الأول: شمول الشريعة الإسلامية، وصلاحيتها لكل زمان، ومكان، والثاني: تجدد الوقائع في زمن القادم فيه مجهول، وهو ما يؤكده - الإمام - الشاطبي - رحمه الله - في « الموافقات «، بقوله: « إن ما جرى ذكره من اختلاف الأحكام عند اختلاف العوائد، فليس في الحقيقة باختلاف في أصل الخطاب؛ لأن الشرع موضوع على أنه دائم أبدي، لو فرض بقاء الدنيا من غير نهاية، والتكليف - كذلك - لم يحتج في الشرع إلى مزيد، وإنما معنى الاختلاف؛ لأن المصالح، والعوائد إذا اختلفت رجعت كل عادة إلى أصل شرعي، يحكم به عليها «. من جانب آخر، فإن الوسط هو أسّ الشريعة، وأم الكتاب. وقد تتغير الفتوى باختلاف، وتغير ما بنيت عليه، إلى ما يناسب حال الناس، واحتياجهم، وأعرافهم، وزمانهم، ومكانهم بما لا يخالف النصوص الشرعية ؛ - ولذلك - عندما طلب - الخليفة - أبو جعفر المنصور من - الإمام - مالك، أن يكتب للناس كتاباً يتجنب فيه رخص ابن عباس، وشدائد ابن عمر، فكتب الموطأ، وأراد المنصور أن يحمل الناس في الأقطار المختلفة على العمل بما فيه، فأبى - الإمام - مالك، وقال: « لا تفعل يا أمير المؤمنين، فقد سبقت إلى الناس أقاويل، وسمعوا أحاديث، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم، فدع الناس، وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم، فعدل المنصور عن عزمه «، وما ذاك إلا مراعاة لموجبات تغير الفتوى، والتي قد نصَّ عليها المحققون من علماء الأمة، والتي بسببها تتغير الفتوى، إلى ما يناسب الزمان، والمكان، والعرف، والحال، والذي لا يخالف الشريعة الإسلامية، وهي معنى قاعدة: « تغير الفتوى بتغير الزمان، والمكان، والأحوال، والعادات «، فهذه القاعدة يعبِّر عنها بعض العلماء بقولهم: « لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان «، وهي إحدى القواعد المتفرِّعة عن قاعدة: « العادة محكمة «، بمعنى: أنه يرجع إلى عادات الناس، وهي التي نبه عليها ابن القيم، والشاطبي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وجماعة - رحمهم الله تعالى -. إن المعرفة الدقيقة بالواقع، والاستخدام المحكم للقواعد الأصولية، هي همزة الوصل بين حجية الدليل، وحاجة التنزيل ؛ من أجل أن نربطها بمقاصد الشرع الكلية، أو أن نجعل من التغير سنة كونية، أو ننظر إليها من زاوية تخريج المناط، مع العلم بأن الأحكام الأساسية الثابتة في القرآن الكريم، والسنة الصحيحة، والتي جاءت الشريعة لتأسيسها بنصوصها الأصلية - الآمرة والناهية -، لا تتبدل بتبدل الزمان، بل هي أصول جاءت بها الشريعة ؛ لإصلاح الزمان، والأجيال، وتتغير وسائلها - فقط -. كما أن أركان الإسلام، وما علم من الدين بالضرورة لا يتغير، ولا يتبدل، ويبقى ثابتا كما ورد. - ومثله - جميع الأحكام التعبدية التي لا مجال للرأي فيها، ولا للاجتهاد، لا تقبل التغيير، ولا التبديل. - وكذلك - فإن أمور العقيدة - أيضا - ثابتة لا تتغير، ولا تتبدل، ولا تقبل الاجتهاد، وهي ثابتة منذ نزولها، وهو ما نبّه عليه - الدكتور - محمد الزحيلي في كتابه: « القواعد الفقهية على المذهب الحنفي والشافعي».
مشاركة :