تحت زرقة سماء الشعر، يلمع بريق حروفها، لتسطع شمس قصيدتها بحرارتها، وتنهال صورها بغزارة، لتطهر طرقات الأوراق بخطواتها الكادحة، نشأت متأثرة ببيئتها الفلسطينية الحبلى بموصوفات الفداء والكرامة، فكان لذلك عظيم الأثر على تركيب شخصيتها المبدعة، ورسم ملامح وجودها الأدبي، إنها الأديبة والشاعرة الفلسطينية «وفاء أبريوش»، التي التقتها «ثقافة اليمامة» وكان لنا هذا الحوار: * كيف ومتى بدأت رحلتك مع القصيدة؟، ما المصادر والينابيع التي ساعدتك لخوض غمارها؟ - في الكتابة نشبه شيئاً أزلياً لا يمكننا تحديد وقته، إلّا أنّني أذكر قبل إتقاني للكتابة كنت أخربش على الدفاتر بشكل طفوليّ وكأنني أكتب مجلدات، كانت بدايتي مع القصة القصيرة والخاطرة، القصيدة وُلدت مع شغفي بالصورة الفنية الفريدة والتكثيف، أحد أهم الينابيع التي أثرت بي الشاعر الراحل «محمود درويش» والدمج الموسيقي الراقي الذي اندفق في عروق قصيدته مع الموسيقار «مارسيل خليفة»، بعدها اتسع الأفق وتعددت القراءات والتجارب. * القصيدة الفلسطينية، ومنذ روادها في الستينيات، كرَّست فلسطين كموضوع رئيسي، وعرَّفت القارئ حول العالم بقضية شعب سُرِقَت أرضه، لكن برأيك.. أين القصيدة الفلسطينية اليوم من خدمة القضية؟، هل انطفأ وهجها؟ - بلا شك أن الاشتعال هو قدر القضية والقصيدة الفلسطينية، إلا أنّ هناك عوامل كثيرة قد أثّرت في القصيدة ومنها الانقسام الفلسطيني المؤسف، صراع الإخوة كان خيبة كبيرة في طريق الثورة العادلة لشعبنا ضد المحتل، أضف لذلك أن الهموم العربية قد تفرّقت بين أوجاع العراق وسوريا وليبيا واليمن، فالطعنات في الجسد العربي كثيرة ولا يمكن رتقها بقصيدة واحدة. * أقتبس منك (دموعي على الهاتف/ خربت اللوحة الإلكترونية / والحرارة صارت بيدي باردة/ مات أبي../ وأمّي غداً مفارقة../ آه يا زمن النزوح/ صار الهاتف لنا وطن)، لقد اختصرتِ قضية وطن بأكلمها في عدة أبيات، حدثينا عن الاغتراب داخل الوطن؟، ومدى الهمّ الذي تحملينه كشاعرة معنية بتلك المعاناة؟ - قصتي مع الاغتراب طويلة، أوّلها منذ ولادتي ونشأتي ودراستي بعيداً عن فلسطين، وعودتي إليها بتصريح زيارة فترته تمتدّ لأسبوعين، وقد خالفته لتسعة أعوام حتى صدرت لي هوية فلسطينية، بما كان يُسمّى «لم الشمل» في هذه السنين العجاف، لم أكن سوى كائن دخيل في وطني، في أي لحظة ممكن الإمساك به وترحيله، وفي ذات الوقت حُرمت من الاجتماع مع الأهل في الأردن هذه الفترة كاملة، وأنا لست القصة الوحيدة في هذا المضمار فغيري كُثر، وبما أنّني وُهبت قدراً من حبر، فإنني أحاول جاهدة إثبات حقي في هذه الأرض للحاضر والمستقبل ، ولو بعد مليون عام، لطفل من وطني و لقارئ أو باحث. * كيف تولد القصيدة لديكِ، في لحظة مفاجئة، أم تأخذ زمناً حيث تخضعينها لعملية جراحية؛ أم أنها نصٌ مقدس لا يمكن التصرف فيه ومعه؟ - القصيدة مخاض، ولا بدّ لها من حمل وتغذية ومراعاة روحية، حتى تتم وقتها الذي تحتاج لتولد معافاة، القصيدة لديّ صبر وحياكة وجدانية قد تمتد لأيام طويلة في ذهني، الكتابة مرحلة أخيرة وترجمة واعية لهذا الكم الهائل من اللاوعي لا يمكنني التعديل بعده. * تكتبين بعض الكتابات النقدية والقراءات التحليلية للنصوص الجديدة؛ برأيك.. إلى أيّ مدى يواكب النقد الأدبي ما تصدره المطابع سنوياً من إصدارات؟ - أعتقد أنّ النقد الأدبي التخصصي مُقصّر في هذه الناحية، المشكلة الحقيقية ليست فيما بعد النشر، بل على النقد أن يكون حاضراً قبل الإصدار حتى لا يحدث هذا الترهل الكبير في الجودة الأدبية، إضافة إلى تدني مستوى الفكرة واللغة. * في ديوانك «بردٌ دافئ» تَكثُر الثنائيات الضدية (الفرح/الحزن، اليأس/الأمل، الواقع/الحلم، الفقد/التعويض، الحنين/الشوق، الغربة/الاغتراب)، فما الغرض الذي ترمين إليه من استخدامها؟، وكيف كان أثرها على جمالية القصائد؟ - برد دافئ هو دراسة للنقيض بطبيعته الجميلة، بعفويته وكونه كائناً موجوداً يساعدك على الاستمرار في الحياة، ففي البرد نبحث عن الدفء، وفي الدفء نبحث عن البرد.. نفقد ونحاول التعويض نفرح ونحزن، فالحزن يُعلّمك قيمة السعادة بأناقة رغم إيلامه للنفس البشرية، أما تأثير الأضداد على جمالية القصيدة فينبع من خلال مواساة النفس البشرية التي ترى في الضد والنقيض ألماً على أناها، لتتحول الرؤية إلى استجلاء النعمة في كل معاكسة قدرية. * كتابتك عن القهوة أكثر من مرة داخل كتابك «بردٌ دافئ» دفع بالناقد والأديب «جميل السلحوت» إلى القول بأنك قادرة على كتابة رواية تكون القهوة بطلتها الرّئيسة، فهل يمكن أن يتحقق ذلك قريباً؟ - تقديري للأديب المقدسي «جميل السلحوت» بداية، القهوة كائن لطيف في الحياة والكتابة، للوحدة والمشاركة، أما كعمل أدبي قريب لا أظنه إلا بعيد الأمد. * ما جديدك الذي يمكن أن ننتظره منك قريباً؟ - لدي مخطوط بعنوان: «تعال وإن لم تأتِ» هو مجموعة قصائد نثرية وجدانية فلسفية، بالإضافة إلى رواية تاريخية تمر بفلسطين والعراق و سوريا وقرطاج، أتمنى من الله إتمامها نهاية هذا العام.
مشاركة :