أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور خالد الغامدي المسلمين بتقوى الله عز وجل وأن يتقوا النار ولو بشق تمرة، ولو بكلمة طيبة، مؤكداً أن الجنة حفت بالمكاره، فيما حفت النار بالشهوات. وقال: اعلموا أن البر لا يبلى، و الإثم لا ينسى، والديّان لا يموت وكما تدين تدان (واتقوا الله وأعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين) . وأضاف "الغامدي": في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: ما من إنسان في هذه الحياة إلا وهو يتقلب بين حالتين لا ينفك عنها، فإما أن يكسوه الله لباس النعمة والسراء، وإما أن تنزع فتصيبه حالة الضراء والبؤس والبأساء، ولا يخلو أحد من بني البشر من هاتين الحالتين حتى يقضي أجله في هذه الحياة (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون)، فيوم علينا ويوم لنا ويوم نُساءُ ويوم نُسرُ. وأضاف: ليس الشأن في هذا التقلب بين السراء والضراء فهو حتم لا مناص منه، إنما الشأن كل الشأن في كيفية التعامل معهما ومدى استثمار العاقل الموفق اغتنامه لحالتي النعماء والبلاء بما يقربه من ربه ويرضي عنه، وبما ينفعه في حياته ودنياه وآخرته. وأردف: الله سبحانه وتعالى بين لنا كيفية تعامل الإنسان من حيث طبيعتُه الإنسانية مع حالتي النعماء والضراء فقال سبحانه (ولئن أذقنا الإنسان منا رحمه ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور). وتابع: الإنسان من حيث هو الإنسان يسرف في الفرح بالنعماء والسراء ويظن أن الله اختصه بها لكرامته عنده حتى يصل إلى حد الأشر والبطر والفخر وينسى أنها نعمة لله ولو شاء لنزعها منه في لمح البصر وفي المقابل نجد أنه يجزع ويتسخط ويقنط من رحمة الله إذا ابتلي بالضراء ونزعت منه العافية والرحمة وحتى يصل به الحال إلى اتهام الله في قدره والاعتراض عليه في قضائه، وتلك فتنة وأي فتنة ولكن أكثر الناس لا يعلمون. وقال "الغامدي": هكذا هو الإنسان وهذه طبائعه إلا صنفاً موفقاً من الناس استثناه الله بقوله (إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير)، فالمؤمن الصادق أسعد الناس حظاً بربه، وأكمل الناس استمتاعاً بهذه الحياة ولذاتها، وأعقل الناس وأحسنهم تصرفاً في حالتي الضراء والسراء التي لا يفك عنهما أحد من البشر. وأضاف: نعم الله على عباده كثيرة ومتنوعة وهي تدور بين نوعين أعظمها وأجلها قدراً النعم الدينية الشرعية والعطايا القلبية الإيمانية، والمنح الروحية والأخلاقية وأعظمها نعمة التوحيد والإيمان ونعمة العلم والبصيرة والفقه في الدين ونعمة الاجتماع والألفة والاعتصام بالكتاب والسنة. وأردف: النوع الثاني هو النعم الدنيوية والمتع المادية والمعنوية التي تعين العبد على النعم الدينية وتكسبه بهجة الاستمتاع بالمباحات والطيبات ونعمة العافية في الأبدان والأمن في الأوطان وعدل السلطان ونعمة الأزواج والأولاد والأموال وغير ذلك، وكلا النوعين نعم من الله إيجاداً وابتداءً وإمداداً (وما بكم من نعمة فمن الله)، (إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها). وتابع: المؤمن الصادق أمام نعم الله المترادفة عليه أن يقوم لله بعبودية الشكر والحمد والاعتراف له بأنها منه وله إنها محض تكرم منه سبحانه وتفضل على عباده، ثم يشكر الله بلسانه وجوارحه ولا يستعمل هذه النعم إلا فيما يرضي الله؛ فمن فعل ذلك فقد أدى شكر النعمة، وقام لله بعبوديته واستحق جزاء الشاكرين الحامدين، فلا تدوم النعم وتبقى إلا بالشكر لله عز وجل وحفظها وعدم البطر بها. وقال "الغامدي": مقابلة نعم الله بالبطر والتكبر والإسراف والتبذير وارتكاب ما حرم الله بها مؤذن بزوالها ونذير شؤم بسلبها واستردادها وإن من أقسى صور السلب بعد العطاء وأمَرها أن يسلب الإنسان في حياته لذة الطاعة والإنابة وخشوع القلب وزكاة النفس والفرح بالله وقرة العين بالعيش معه سبحانه والإنس به، ويبلغ السلب بعد العطاء ذروته حين يسلب العبد الإيمان وشهادة الحق ساعة الاحتضار وسكرات الموت فيعاقب بسوء، وشناعة النهاية وموتة الأسف، ولا يوفق لخاتمة حسنة وميتة مرضية سوية، ولعمر الحق إنها لمن أعجب صور سلب النعم بعد العطاء كحال فرعون الذي طغى وبغى وكفر بالله وبنعمه ثم لما أدركه الغرق وعاين الموت ذهب ليؤمن فقيل له (الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين)، إنها عبرة وأي عبرة ولكن أكثر الناس لا يشعرون . وأضاف: من العطايا الربانية والمنن التي تستوجب الشكر والحمد نعمة الأمن والأمان التي امتن الله بها على عباده (الذي أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف)، ولفت إليها الأنظار والعقول بقوله (أو لم يروا أنا جعلنا حرمًا آمناً ويتخطف الناس من حولهم). وأردف: شيوع الأمن في مجتمعات المسلمين عامة ضرورة شرعية وحياتية لتستقيم حياة الناس ويقوموا بعبادة ربهم، وهو أشد ضرورة وإلحاحًا في بلاد الحرمين المملكة العربية السعودية، لأنها معقل التوحيد ورمز الإسلام وحامية مقدسات المسلمين، فالحفاظ على عقيدتها وأمنها وأخلاقها وسلامتها واجب شرعي على كل مسلم مواطن أو مقيم في هذه البلاد. وتابع: ستبقى بلاد الحرمين مأرز الإيمان والأمن ومنارة الإسلام والسلام لكل العالم بما شرفها الله من عقيدة وأخلاق وسلوك وبما حوته من مقدسات طاهرة وآثار النبي صلى الله عليه وسلم ومنازل الصحابة الكرام ومآثر التاريخ. وقال "الغامدي": عبودية الضراء بالصبر والمصابرة تثمر للعبد أفانين الرضا والحبور والسكينة في صحراء البلاء وشدة الضراء، وتستمطر رحمات السماء وغيث اليقين والروح لتروي جفاف البأساء، وقحط المحن والابتلاء فإن المسلم إذا صدق مع الله في تحقيق عبوديته، فإن المحن تكون في حقه منحاً، وتنقلب الآلام أملاً، والأحزان أفراحاً ويجعل الله من كل ضيق مخرجاً ومن كل هم فرجا. وأضاف: أنبياء الله ورسله سطروا أفخم الروائع في إظهار العبودية الحقة لله في حال البلاء والضراء، كما قص الله علينا من نبأ نوح وإبراهيم وموسى وهود وصالح ويونس عليهم السلام . وأردف: من أعجب الحوادث التي وقعت بالنبي صلى الله عليه وسلم وأشدها ألماً وابتلاءً حادثة الإفك الشهيرة التي اتهمت فيها عائشة حبيبة رسول الله، وبقدر شدتها وألمها الا أنها كانت تحمل في طياتها الخير والبشائر، كما قال تعالى (لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم). وتابع: قد يقدر الله ويجري على عباده بعض المقادير التي في ظاهرها الشر والضر ولكن في ثناياها الخير وتكون عاقبتها إلى خير، فلا يأس مع رحمة الله وحسن تدبيره، ولا قنوط مع لطف الله وحكيم تقديره.
مشاركة :