أثار ألبوم السيدة فيروز الأخير «ببالي»، جدلاً كبيراً وانقساماً غير مسبوق حيال ما تقدّمه «سفيرة لبنان إلى النجوم». وبدا واضحاً أن هناك تحفظاً كبيراً من الفنانين والشعراء والملحنين بإزاء الألبوم الجديد، وهم فضّلوا عدم التحدث عنه حفــاظاً على «هالة» فـــيروز ورمـــزيتها وتاريخها الفني الكبير، بينما حاول البعض أن يتلمّس العذر بقوله إنه لم يسمع الألبوم بسبب كثرة انشغالاته، وربما لأنه غير راض عنه أو ربما لأنه لم يسمعه فعلاً، في حين أن ثمة مَن امتنع بشكل واضح ومباشـــــر عن التعليق، لأسباب تتّصل بعلاقته بـ «الأيقونة». «الــراي» تحدّثت إلى عدد من الفنانين اللبنانيين وسألتْهم عن رأيهم بألبوم «ببالي». ومع أن غالبية الآراء حول أغنياته العشر (مقتبَسة وترجمتْها ابنتها ريما الرحباني عن أغنيات أوروبية ذاع صيتها في ستينات القرن الماضي) لم تكن إيجابية، ولكن في المقابل، هناك مَن يقول إن فيروز تبقى فيروز مهما فعلت أو مهما قدّمت وتبقى فنانة فوق النقد، وإن كان يرى أنها لم تكن بحاجة إلى ألبوم جديد تطلّ من خلاله على الناس. الملحّن نور الملاح قال عن الألبوم: «مش هيدي فيروز... ما سمعتُه لم يعن لي شيئاً على الإطلاق. كان من الأفضل لو انها لم تطرح هذا العمل»، وأضاف: «مثل الذي صام وفطر على بصلة». كما اعتبر الملاح أن ألبوم «ببالي» أساء إلى فيروز، متداركاً: «لكن الألبوم سيمرّ بالنسبة إلى الأشخاص الذين يحبون فيروز. ولا شك أنني أحب فيروز كثيراً، ولكن لا يمكنني أن أتقبله». وأوضح أنه «لم يكن يفترض بفيروز أن تقتبس وتترجم، بل كان يفترض بها أن تنوّع. هناك أمور لم يكن يفترض أن تحصل، وكان يفترض بها أن تتروى قليلاً قبل طرحه». ولأنه يعرف عن فيروز أنها تعاملت طوال مسيرتها الفنية مع أشخاص محدودين، قال: «أم كلثوم، كانت (تعتل همّ) في كل عمل جديد مع مَن تتعامل مِن شعراء وملحنين وأي أغنية تقدّم كي تكون بمستوى الأغنية التي قبلها أو أفضل منها. وعمل فيروز الأخير لم يصبّ في مصلحتها على الإطلاق». الموزع الموسيقي ميشال فاضل، أبدى رأيه بألبوم «ببالي»، قائلاً: «هو عبارة عن عدد من الأغنيات المعروفة، وأنا أفضّل عليه (إيه في أمل)، وأقول ما يقوله الجميع، كنتُ أفضّل أن تقدّم ألبوماً آخر بكلمات وألحان جديدة خاصة بها». من جهته، اعترض الموزّع الموسيقي هادي شرارة على الانتقادات التي تطال ألبوم فيروز، وقال: «يكفي أن تتنفس وأن تقول آه... هيْدي فيروز، ولا يحق لأيّ أحد أن يعطي رأيه بالألبوم، سواء كان قريباً أو بعيداً. أنا كبرتُ على صوت فيروز وكبرتُ مع هذه العائلة ولا يمكنني أن أعلّق على الألبوم. اتــركوا لنا فيروز. هي أجمل شيء في لبنان. لن أعطي رأيي وهو لا يهمّ أحداً ولن أتدخل، مع احترامي لريما وستّنا الكبيرة. يجب أن نتعلم من المصريين والخليجيين، كيف نحترم فنانينا الكبار وعدم المسّ بهم لأنهـــم من المحرّمات». وأضاف: «في الخليج، لديهم محمد عبده الذي يعتبرونه مطرب العرب. هل يجب أن نهاجم فيروز لأنها طرحتْ أغنيات لم تعجب... كم قلعوط؟ فيروز مقدّسة بالنسبة إليــــنا ويجب أن نعرف هذا الأمر جيداً، وممنوع أن يعطي أحد رأيه بها. فيروز هي تاريخنا ونحن تربينا عليها ولدينا حنين تجاهها وتجاه أعمالها، وهي الشيء الوحيد الجميل في لبنان». ناقد فني وإعلامي مقرب من الراحليْن عاصي ومنصور الرحباني، طلب عدم ذكر اسمه، قال تعليقاً على ألبوم «ببالي»: «لا أريد أن أقول شيئاً، حرام، تعمل اللي بدها ياه، ونحن أحرار في أن نحبّ أو لا نحب الألـــــبوم. لا يمكـــن أن نقول لفيـــروز اليوم بعد هذا العمر (شو عم تعملي). في مجتمعاتنا الشرقية عموماً، عندما يتقدّم الرجل أو المرأة في السنّ، الشخص الوحيد الذي (يمون) عليهما هو الولد الذي يكون إلى جانبهما. بالنسبة إلى فيروز، لديها ابنتها ريما التي (بتطلّعها وبتنزّلها وبتاخدها وبتجيبها) فصارت تمون عليها، ولذلك قالت لها إنها ستنتج لها عملاً، وهي غير قادرة على التلحين والكتابة، ولذلك استعانت بأعمال غربية، وكتبتْ هي الكلام. هذا كل ما في الموضوع وليس أكثر. هل يعقل أن نقــول لفيروز الآن (عيب عليك)؟ بل عيب علينا أن نقول كلاماً مماثلاً ولندعها وشأنها». وتابع: «حرام أن يُطرح مثل هذا الألبوم... هذه فيروز الموجودة في تاريخنا وذاكرتنا. إذا كانت (هي مش قابضة حالها أنها فيروز نحنا قابضينها). وإذا ريما (مش عارفة كيف بدها تلزّق حالها بصوت إمها) هل يعقل أن تفعل ذلك بالقوة؟ حرام أن تقدّم فيروز هذا العمل وحرام علينا أن نأتي على سيرتها نحن أيضاً». بدوره، قال الملحّن إحسان المنذر عن الألبوم: «سمعتُ أول ثلاث أغنيات منه. لكن فيروز تظل فيروز مهما قالت أو فعلت. ولكنني كنتُ أفضّل أن تعدّ ألبوماً خاصاً بها، وأن يُكتب لها شعر خاص بها. هذا الألبوم ليس لفيروز، بل لأحد آخر. سبق لجان ماري رياشي أن أعدّ لفيروز عملاً مأخوذاً عن عمل أجنبي، ولكن فيروز ليست فيروز. هذه الأغنيات لا تخدمها». وأضاف: «العمل لم يُعْجِبني على الإطلاق ولم أحبّه أبداً، كأنها ليست فيروز. هذه الأغنيات ليست لها، وليست فيروز مَن تغني أعمالاً مترجَمة. فيروز غنّت أعمالاً مترجَمة في بداياتها، وهل هي في بدايتها اليوم كي تفعل الشيء نفسه؟ إلى ذلك، هناك ملحّنون مهمّون في لبنان، فلماذا لا تتعامل معهم. هناك إيلي شويري وإحسان المنذر ونور الملاح. أنا متمسّك بفيروز التي أعرفها من خلال أغنيات عاصي ومنصور الرحباني وبعض أغنيات زياد الرحباني. فيروز ارتدت من خلال هذا العمل رداء لا يليق بها على الإطلاق». ورأى المنذر أن إدارة أعمال فيروز، والمتمثّلة بابنتها ريما، هي التي تتحمل المسؤولية. وأضاف: «حتى الكلام الموضوع على الألحان هو ليس شعراً، بل مجرد كلام متطابق مع اللحن، وهو لا يتناول موضوعاً شعرياً». واعتبر أن الخلاف بين ريما وزياد أثّر على فيروز، وقال: «هي تحب ابنها تماماً كما تحب ابنتها، ولكن لأن ريما معها وتعيش معها فهي الأقرب إليها، وعندما اختلفت ريما مع زياد أعطت الحق للأقرب إليها». ولفت إلى «أن فيروز قلعة منيعة والألبوم لا يمكن أن يسيء إليها، ولكن لم يكن يفترض أن يُسمح بتسجيل نقاط صغيرة في سجلّها تشوّش عليها. وكان من الأفضل لو أنها لم تطرحه. لو فتحنا الإذاعات نحن نسمع أغنيات فيروز وهي موجودة في كل مكان ولم تكن بحاجة لأن تطلّ مجدداً إلا بما يليق باسمها وتاريخها». أما الملحّن سمير صفير، فعلّق على الألبوم بجملة وحيدة قال فيها: «ازددتُ قناعة أكثر من أي وقت بأن العبقري عاصي الرحباني تَرَكَ فراغاً كبيراً كــــبيراً كبــــيراً». وعما إذا كان هذا يعني أنه غير مقتنع حتى بأعمال زياد التي تَعاون فيها مع والدته، أجاب: «زياد قدّم أمجاداً لوالدته من بينها (سألوني الناس عنك يا حبيبي). ولكنني أتحدث عن الألبوم الأخير». وفي ما إذا كان يفضّل لو أنها لم تطــــــرح الألبــــوم، علّق: «فيــــــروز وصلـــت إلى مرحلة لم تعد بحاجـــــة إلــــــى أن تــطــــرح ألبوماً كي تقول أنا هنا».
مشاركة :