رسالة أمل وجّهها مهرجان لندن السينمائي إلى أصحاب الهمم من خلال اختياره فيلم «تنفس» ليكون فيلم افتتاح هذه الدورة الجديدة من المهرجان الذي انطلقت فعالياته، أمس، في العاصمة البريطانية. هذه الرسالة التي حملت مضموناً إنسانياً عاماً اعتمدت على سيرة شخصية حقيقية من منتصف القرن الماضي جاءت وسط أجواء بريطانية خالصة. حاول الفيلم اختيار مدخل يركز على تقديم حكاية ممتعة ممتلئة بالأمل واستخلاص رسالة محبة من حدث مأساوي قدري، فهل نجح الممثل البريطاني أندي سركيس (والده طبيب نسائية من مواليد العراق ومن أصول أرمنية)، في تحقيق ذلك في محاولته الإخراجية الأولى التي قدمت فيلم سيرة بعيداً عن أفلام المغامرات الفنتازية التي خبر العمل فيها؟ بعد نجاح تجربة الكرسي المتحرك ينشط الزوجان معاً في تعميم التجربة على محتاجيها. بلمسة رومانتيكية واضحة، يفتتح سركيس فيلمه وسط مناظر طبيعية من الريف الإنجليزي، وقصة حب تنشأ بين أبناء طبقة مرفهة، يمر الفيلم سريعاً على قصة الحب تلك لينقلنا إلى مناظر طبيعية ساحرة أخرى في إفريقيا، حيث نرى الزوجين روبن وديانا وسط مجموعة من أصدقائهما، بعد انتقالهما إلى هناك، حيث يعمل روبن في تجارة الشاي. بيد أن هذه الأجواء السعيدة تستحيل إلى واقع مأساوي مع إصابة روبن بشلل أطفال متأخر، وهو في سن 28 عاماً، بينما تنتظر ديانا مولودهما الأول. هنا تستحيل القدرية تلك إلى قصة تحدٍ مع إصرار ديانا على الوقوف بوجه القدر إلى جانب زوجها الذي شُلّ كلياً وبات يعتمد في حياته على جهاز تنفس خارجي وتوقع الأطباء أنه لن يعيش سوى بضعة أشهر، لتعيده إلى بريطانيا وتواصل كفاحها لابقائه على قيد الحياة وبث الأمل في داخله. وتبدأ في تحويل يأسه ورغبته بإنهاء حياته إلى أمل عبر سلسلة من التحديات لواقع شلله الكامل، فتنجح في إخراجه من المستشفى الذي وضع فيه ونقله إلى منزل ريفي تشتريه خصيصاً للعناية به، ويقدم سركيس عملية تهريبه من المستشفى بمساعدة طبيب هندي وممرضة، بعد رفض مدير المستشفى إخراجه بمشهد بدا أقرب إلى المشاهد التي نشاهدها في أفلام المغامرات الفنتازية. تتغير حياة روبن بمساعدة صديق العائلة البروفيسور في جامعة أُكسفورد، تيدي هول، الذي يخترع له كرسياً متحركاً مزوداً ببطارية لتشغيل جهاز التنفس الملحق به. وتسعى ديانا إلى أن تجعل حياته أقرب إلى الطبيعية، على الرغم من شلله وعوقه الشديد، فتأخذه في جولات وتجمع أصدقاءه في حفلات حوله، بل وتجازف بنقله بالطائرة في سفرة إلى إسبانيا. وبعد نجاح تجربة الكرسي المتحرك ينشط الزوجان معاً في تعميم التجربة والعمل على اقناع الجهات المسؤولة لتقديم كراسي متحركة لأمثاله، بل يذهبان إلى مؤتمر عن المعاقين في ألمانيا، التي تفتخر بوجود مستشفى متقدم فيها لكنه يضع مرضى الشلل في صناديق معقمة لا تظهر منها سوى رؤوسهم، وفيها أجهزة إدامة حياتهم، حيث يلقي كلمة أمام المؤتمر يسميهم فيها بالسجناء، ويطالب بتحريرهم وإعادة النظر بطريقة معاملة مرضى الشلل. عبر روح التضامن والمحبة تمتد حياة روبن من الأشهر الثلاثة التي تنبأ بها الأطباء إلى أكثر من عقدين، حيث توفي في عام 1981، بعد اصابته بنزف في الرئة، وحاول الفيلم أيضاً الايحاء بأن وفاته جاءت بقرار منه بعد تدهور حالته. رسم سركيس كثيراً من المشاهد بمحاكاة خيال طفولي كذاك الذي نراه في الأفلام الفنتازية والحكايات الخرافية، وانسحب ذلك على رسم الشخصيات نفسها، كما هي الحال مع شخصيتي أخويّ الزوجة التوأم، اللذين ظهرا وكأنهما خارجان من فيلم «أليس في بلاد العجائب» (أداهما ممثل واحد هو توم هولاندر). يقول مخرج الفيلم إنه جاء إلى فكرة العمل أثناء عمله مع كافينديش على إخراج الفيلم الفنتازي «كتاب الأدغال» المأخوذ عن قصة رديارد كيبلينغ الشهيرة بالاسم نفسه، فأعلن حماسه لإخراج فيلم عن قصة والده الذي أصيب بشلل الأطفال بعمر متأخر، وإنهما أكملا الإعدادات للفيلم والتمويل المطلوب بسرعة شديدة وهما يعملان على الفيلم الآخر، وصوّرا الفيلم في سبعة أسابيع بعد اختيار الممثل اندرو غارفيلد لأداء الدور الرئيس فيه، ثلاثة منها في جنوب إفريقيا لتصوير المشاهد التي تخص كينيا.
مشاركة :