وجود القاعدة الأميركية على الأراضي القطرية لم يعد عنصر أمان استراتيجي للدوحة.العرب [نُشر في 2017/10/07، العدد: 10774، ص(1)]عالم متقلب لقطر واشنطن - وجدت السلطات القطرية نفسها أمام قرار الولايات المتحدة إلغاء تدريبات عسكرية دورية كانت تقام بانتظام انطلاقا من قاعدة العديد على الأراضي القطرية، وهو ما أثار قلقا كبيرا في الدوحة من احتمال إقدام واشنطن على خفض دور القاعدة كأحد أعمدة العلاقات بين البلدين. ويعني القرار الأميركي أن قاعدة العديد تتحول مع الوقت إلى عبء على الولايات المتحدة، إذ لم تعد هناك إمكانية لتوظيفها كقاعدة انطلاق لمناورات عسكرية مشتركة، في وقت لم تعد دول الخليج المجاورة لقطر مستعدة لإرسال جنودها للمشاركة في تدريبات انطلاقا من القاعدة. ويقوض ذلك كثيرا من إحدى أهم المهام التي أنشئت قاعدة العديد من أجلها. ويأتي تعليق المناورات في الخليج بعد أيام من انتهاء التدريبات المشتركة مع القوات المسلحة الإماراتية، وهو ما يبرز الدور المستقبلي للعلاقة مع أبوظبي بعد أشهر قليلة من توقيع اتفاقية دفاع مشترك جديدة بين الولايات المتحدة والإمارات. ويحمل إلغاء وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) التدريبات المشتركة رسالة سياسية للدوحة تفيد بعدم جدوى استمرار المراهنة على الوقت، وامتعاض الولايات المتحدة من إصرار الدوحة على عدم تقديم تنازلات للسعودية ومصر والإمارات والبحرين، انتظارا لتدخل خارجي يعوض الوساطة الكويتية التي انتهت عمليا. وأعلن المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية الكولونيل جون توماس إلغاء التدريبات المشتركة. وعندما سئل عما إذا كانت الولايات المتحدة قلصت أنشطتها العسكرية في منطقة الخليج بسبب الخلاف قال في بيان بالبريد الإلكتروني لـ”رويترز″، “قررنا عدم المشاركة في بعض التدريبات العسكرية من منطلق الاحترام لمفهوم المشاركة الجماعية والمصالح الإقليمية المشتركة”. وأضاف دون الخوض في التفاصيل “سنواصل تشجيع كل الشركاء على العمل سويا نحو التوصل إلى حلول مشتركة من أجل الأمن والاستقرار في المنطقة”.كريستيان كوتيس: صبر الأميركيين ليس مفتوحا على مصراعيه تجاه الأزمة القطرية وقالت مصادر إن من بين التدريبات التي ستتأثر بقرار القيادة المركزية الأميركية “النسر الحازم”، وهي تدريبات سنوية تقام بشكل دوري منذ عام 1999، وتضم قوات من دول مجلس التعاون الخليجي إلى جانب القوات الأميركية للتدريب على القيام بالمهام المشتركة كقوة متعددة الجنسيات. وأقيمت تدريبات “النسر الحازم” هذا العام في الكويت خلال شهر مارس الماضي، وشارك فيها ألف جندي أميركي. لكن العمل معا كقوات مشتركة لم يعد مطروحا بين قطر من جهة والدول المقاطعة من جهة أخرى، قبل توقف قطر عن دعم تنظيمات إرهابية وجماعات الإسلام السياسي، بالإضافة إلى اتخاذ خطوات بعيدا عن المحور الإيراني في المنطقة، وهو ما يحرج الولايات المتحدة أيضا. وقال كريستيان كوتيس أولريشسن، الباحث في معهد جيمس بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس الأميركية، إن “الولايات المتحدة تريد إيصال رسالة بأنها ترغب في حل الأزمة سواء الآن أو لاحقا”. وأضاف أن “الأميركيين يريدون أن يقولوا أيضا إن صبرهم ليس مفتوحا على مصراعيه، وأنه بدأ ينفد بالفعل”. ويقول محللون إن الولايات المتحدة تسعى إلى إنهاء تصور يحكم نظرة السلطات القطرية لعلاقاتها الخارجية، ويستند على وجود القاعدة الأميركية على الأراضي القطرية كعنصر أمان استراتيجي يمكن من خلاله وضع خطط مغامرة كمحاور لسياسة قطر الخارجية. ويقحم هذا التصور الولايات المتحدة كطرف أساسي في تهور قطر، خصوصا في علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي أو الشرق الأوسط بشكل عام. كما يقوض مصداقية الولايات المتحدة ورؤيتها لعلاج أزمات المنطقة، خصوصا بعد ترسيخ التحالف القطري المعلن مع إيران، الدولة التي تضيق واشنطن الخناق عليها مع مرور الوقت. ودفع الشعور الأميركي المتنامي بتبني قطر للتوظيف المتناقض للقدرات العسكرية للولايات المتحدة، بالتزامن مع التوظيف السياسي لدور إيران في المنطقة، بصعود مطالبات من قبل خبراء وجنرالات سابقين بضرورة تحذير القطريين من اتباع نهج يقوم على الازدواجية في التعاطي مع أمور تتصل بالتعاون العسكري مع الولايات المتحدة. ويخشى مسؤولون أميركيون من أن يقود هذا النهج القطري إلى تقويض مهام قاعدة العديد، التي تعول عليها القيادة الأميركية كثيرا في دعم عملياتها في أفغانستان، وتنفيذ مهام التحالف الدولي ضد داعش في كل من العراق وسوريا. وحاول مراسل وكالة “أسوشيتد برس″ الأميركية الحصول على تعليق من مسؤولين قطريين دون جدوى. لكن دول المقاطعة قالت من جانبها إن تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة لم يتأثر، منذ بدء الأزمة في 5 يونيو الماضي وحتى الآن. ومنبع القلق في قطر هو نفاد الخيارات المتاحة أمام النظام في حال ما إذا قررت الإدارة الأميركية تغيير مكانة القاعدة في العلاقات بين الجانبين، أو خفض عدد القوات المتمركزة هناك، والتي تصل إلى 10 آلاف جندي، أو إعادة النظر في الدور الاستراتيجي الموكل لها، خصوصا في المنطقة العربية.
مشاركة :