عاشوراء.. الحسين وكربلاء (الاستبداد، الثورة، الخيانة، الثبات، الرمزية)

  • 10/8/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يوم عاشوراء هو يوم العاشر من شهر الله المحرم، يوم أن نجى الله موسى ومَن تبعه من فرعون وجنده، فصامه موسى عليه السلام وصامه بنو إسرائيل من بعده، فلما قدِم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة أمر بصيامه وقال: "أنا أولى بموسى منكم". روى البخاري ومسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: "ما هذا؟"، قالوا: هذا يومٌ صالحٌ، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه". وفي فضل صيامه، جاء في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: "يكفر السَّنة الماضية". وقال الإمام النووي في "المجموع" عن صوم عاشوراء: وأجمع المسلمون على أنه ليس بواجب وأنه سُنة. فأول ما في عاشوراء من الذكرى قصة موسى عليه السلام، وثورته العقائدية على فرعون وتأليهه، والمواجهة بين الفريقين، موسى ومن تبعه، وفرعون وجنده، ثم نصرة الله لموسى وإغراق فرعون. قال تعالى في سورة الشعراء: "وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين". وتأتي ثانية في هذا اليوم ذكرى الحسين وكربلاء، ذكرى ثورة الحسين على استبداد بني أمية، وجعل الخلافة ملكاً وراثياً، وخروج الحسين إلى العراق ثائراً، ثم خيانة العراقيين له، وقتله ومن معه في أرض كربلاء. وقصة الحسين هذه هي قصة ثورة أخرى، ثورة على الاستبداد والجبرية والوراثية في الحكم، ولنا معها بعضُ التفصيل هنا. - الاستبداد والجبرية في بني أمية: كان معاوية -رضي الله عنه- صحابياً جليلاً، لا يشكك أحد في حسن إسلامه ولا في حسن صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم؛ بل إنه كان من كُتاب الوحي، وفي ذلك دلالة على رضا النبي عنه وانتفاء أي شبهة عليه، وإلا لما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستأمنه على كتابة الوحي، وهو دستور الأمة وهاديها إلى يوم القيامة. لكنه -رضي الله عنه- أخطأ خطأً كبيراً في حربه لعلي، وقد كان الحق مع علي كما أجمعت الأمة من بعد، وجيشه هو الذي قتل عمار بن ياسر، والذي جاء فيه الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "تقتلك الفئة الباغية". ولقد اجتمعت الأمة بعد موت عليّ على معاوية، وبايعه فريق عليّ، وعلى رأسه الحسن والحسين، فلما حانت نهاية معاوية أخذ البيعة لابنه، وحوّل الخلافة الإسلامية إلى ملك جبري وراثي، وهذه سقطة تاريخية، ولا تصح كل محاولات الدفاع عن معاوية فيها، تحت ادّعاء أنه أراد جمع الأمة وحمايتها من الفتن والتشرذم. - الثورة: رفض الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير بن العوام البيعة ليزيد، ثم أذعن الثلاثة الآخرون، وأبى الحسين ذلك، وراسل أهل العراق، وأخذ منهم البيعة، ثم خرج إليهم في ثورة على النظام، ولم يلتفت الحسين في ذلك إلى نصح الكثيرين، الذين حذروه من غدر أهل العراق، وحذروه من المصير المحتوم له، وهو القتل على يد جيوش يزيد، وكان من أكثر هؤلاء الناصحين عبد الله بن عمر. لكن الحسين صمم على ثورته وخروجه، وقد عزم الأمر على مناهضة الجبرية والوراثية، وإعادة الأمر شورى في اختيار الحكام. - الخيانة: كان على العراق حينها عبيد الله بن زياد، وهو من المجرمين الذين استعملهم يزيد بن معاوية لقمع تمرد الحسين، وجمع له يزيد ولاية البصرة مع الكوفة، فحدّ للناس سيفه وأسمعهم بسوطه، فخنع الناس جميعاً، وجبنوا عن اللحاق بالحسين وإنفاذ وعودهم له. وقتل عبيد الله بن زياد مسلمَ بن عقيل رسولَ الحسين إلى الكوفة، قتله ومن آواه وناصره. ثم أمر ابن زياد جيوشه لتتحرك لملاقاة الحسين قبل دخوله الكوفة. - الثبات: كان الحسين قد خرج في أهله وأبنائه وبعض مناصريه، فالتقى جيش عبيد الله بن زياد على أرض كربلاء في العراق، وحاصر الجيشُ الحسين ومن معه، وخيّروه بين الاستسلام أو الموت حرباً على أرض كربلاء. ولما تيقّن الحسين من خيانة العراقيين له، طلب من جيش ابن زياد أن يتركه لواحدة من ثلاث، إما أن يعود من حيث أتى، وإما أن يذهب للجهاد على الثغور حتى يتوفاه الله، وإما أن يخلّوا بينه وبين يزيد بن معاوية فيذهب إليه في الشام. فأبى عبيد الله بن زياد كل ذلك، ولم يرضَ إلا بالاستسلام المهين للحسين ومن معه، فما كان من الحسين إلا أن يختار العزة والكرامة، فمات محارباً مظلوماً مغدوراً. - الرمزية: سيبقى الحسين في التاريخ الإسلامي رمزاً للثورة على ظلم الحكام وجورهم، ورمزاً للجهاد من أجل عودة الشورى والحرية في اختيار الحاكمين، وسيبقى رمزاً للعزة والكرامة، حين تأبى أن تعطي الدنية من دينها وحريتها، فلا تقبل الضيم، ولا تنزل على رأي الفسدة. ولئن كان الحسين قد مات، فقد مات كذلك يزيد بن معاوية بعده بثلاث سنوات، ومات عبيد الله بن زياد بعده بثلاث سنوات كذلك. وبقي اسم الحسين في سجلات الخالدين إماماً ثائراً شهيداً، وبقيت أسماء الآخرين في سجلات الظلم والفجور. لقد فهم الحسين -رضي الله عنه- دين جده محمد -صلى الله عليه وسلم- كما ينبغي أن يكون، فلا بيعة لظالم متجبّر، يلي الناس بالسيف والسوط، وإن الثورة على أمثال هؤلاء هي من أعظم الجهاد كما قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الترمذي "أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"، والشهادة فيها هي أعظم الشهادة كما قال في الحديث الذي رواه الحاكم: "سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله". ولم يكن الحسين من أئمة الخنوع في الدين، الذين يؤولون النصوص، ويفهمونها على ما يريدونه، من أجل أن يبرروا قعودهم عن رفض الظلم والطغيان، تحت ادعاء البيعة للسلطان وعدم الخروج عليه. لقد خرج الحسين وهو حفيد النبي صلى الله عليه وسلم، وأولى الناس بدينه وميراثه، خرج لما رأى الجور والطغيان والحيد عن دين الله وعن سُنة نبيه صلى الله عليه وسلم. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :