ألمانيا لن تتورع عن عمل أي شيء لتحقيق مرادها مع جيرانها من جهة الشرق بعد أن رفضوا قبول أي لاجئين في سنة 2015 أمام غضب الكثير من أعضاء الاتحاد الديمقراطي المسيحي. العرب فرانسيس غيلس [نُشر في 2017/10/08، العدد: 10775، ص(6)] يؤشر صعود حزب البديل لألمانيا المعادي للأجانب إلى نهاية الاستثناء الألماني في أوروبا وإضعاف خطير للمستشارة أنجيلا ميركل بعد 12 سنة في السلطة. حكم ألمانيا في هذه السنوات اليمين الوسطي أو اليسار الوسطي أو ائتلاف للمحافظين والاشتراكيين وامتد من محيط الاتحاد الأوروبي إلى مركزه واقتصاده الأقوى على الإطلاق. بحصوله على 13.3 بالمئة من الأصوات بوسع حزب البديل من أجل ألمانيا الحصول على 94 نائبا في برلين. وإلى حد الآن كانت تمثيلية الحزب منحسرة في البرلمانات الجهوية، وكان يحقق نتائج جيدة في الغالب في ألمانيا الشرقية سابقا حيث كثيرا ما يحصل على ضعف نسب الأصوات مقارنة بالولايات الغربية. مع ذلك، حقيقة أن الحزب عانى من انقسام بعد يوم واحد من تحقيق مثل ذلك النجاح الانتخابي المذهل يوحي بأن الطريق أمامه لن يكون كله مفروشا بالورود. فقد فجرت زعيمة الحزب فراوكه بيتري قنبلة في الخامس والعشرين من سبتمبر الماضي بتصريحها بأنها بصدد مغادرة الحزب لأنها وجدته مغرقا في التطرف. وقالت بيتري إنها وجدت كلمات نائبها عضو الحزب الديمقراطي المسيحي السابق ألكسندر غاولند، بأنه “سيطارد ميركل أو أيّا كان” و”سيسترد البلد” غير مقبول. وكان غاولند أزعج الكثير من الألمان في وقت سابق بالقول إن لألمانيا الحق في أن تفتخر بما حققه جنودها في حربين عالميتين.كثير من القضايا لم يعد ممكنا إغفال العين عنها ربما يكون السواد الأعظم من الحزب خلفه لكن بوضعه البديل من أجل ألمانيا في موضع “حزب الفوضويين” حسب تعبير بيتري، جعل غاولند من إمكانية تأمين شريك في ائتلاف حزبي بعيدا عن التصور. يجب فهم الأيديولوجيا في صميم قيادة الحزب، إنها معادية للأجانب ومتخوفة من المهاجرين، خاصة إذا كانوا مسلمين. إنها كنيسة موسعة جمعت المحافظين الذين ذهلوا وغضبوا من قرار ميركل قبول مليون لاجئ غالبيتهم من الشرق الأوسط وأفريقيا، والمفكرون اليمينيون الذين مثلهم مثل زملائهم في حزب الجبهة الوطنية الفرنسي مسكونون بشعور بالتراجع الثقافي والخوف من الإسلام. وهذا الخوف من “الآخر” المسلم بالأساس يطارد الآن السياسة في فرنسا والمجر وبولندا والسويد. كانت ألمانيا تبدو مثل جزيرة من السكون في بحر عاصف. وكانت ميركل الناجي الأكبر بينما غرق كلّ من الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند ورئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون في أمواج من الشعبوية. تتميز ألمانيا بقيادة مستقرة ولكن هنا بالضبط أين يكمن المشكل. بقيام حملاتها على التفاؤل المبتهج كنست ألمانيا الكثير من القضايا تحت السجادة. فمثلما حدث في فرنسا أدّى فشل الحزب الديمقراطي الاشتراكي في الدفاع عن العمال المهمّشين الذين يزدادون فقرا إلى تحوّل في الأصوات لفائدة البديل من أجل ألمانيا وأدّى ذلك إلى انحدار الحزب الديمقراطي الاشتراكي إلى أقل نسبة تصويت منذ سنة 1948، بينما تحصل الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ على أقل عدد من الأصوات من أيّ وقت آخر منذ سنة 1948. ويزداد عدد الألمان، وخاصة أصحاب المعاشات، الذين يجدون صعوبة في تغطية نفقاتهم ممّا يجعل الكثير في حاجة إلى وظيفتين للبقاء. وهنا نجد المرونة عبارة مفتاحية. فقرابة 60 بالمئة من الثروة في البلاد على ملك 10 بالمئة من الألمان، وهذا يبين أن التفاوت يتصاعد والشعور بالإحباط قويّ بشكل خاص في الولايات الألمانية الواقعة في ألمانيا الشرقية سابقا. هناك أسس اجتماعية واقتصادية صلبة لصعود البديل من أجل ألمانيا ونبرته المعادية للمؤسسة. أولا كان مناهضا لمنطقة اليورو ثم تحول إلى معاداة المهاجرين. وبسبب تقصيرها في تفسير تغيير موقفها الحاد بخصوص اللاجئين في سنة 2015 زرعت ميركل بذور عدم الثقة. فإذا كانت الثروة موزعة بشكل غير عادل مع تفاقم الوضع تدريجيا مثلما هو الحال في بريطانيا، لا بد أن تأتي ردة الفعل ويكبر الإحباط نتيجة للتشغيل الكامل تقريبا في ألمانيا جراء ضعف الأجور. ومثلما قلب تصويت البريكست في بريطانيا النظام القائم بيّن النموذج الألماني القائم على التوافق ضعفه إن لم نقل حدوده، فهذا النموذج متصدّع بشكل كبير. وزادت الأمور تعقيدا بسبب نقص الإنفاق الحكومي على المدارس والمستشفيات والطرقات في الفترة بين 2011 و2017 عندما دخل البلاد الملايين من الأجانب (أغلبهم أوروبيون إلى حدود 2015). إن الانضباط الصارم في الميزانية فضيلة إلى أن يخفق في اختباره السياسي عبر تشجيع التطرف. من المنتظر أن يعقّد وجود حزب معاد للأجانب في البوندستاغ الطريقة التي تتفاعل بها ألمانيا مع أوروبا. لكن الشيء الذي لا يرقى إليه الشك هو أنه من المرجّح أن ألمانيا لن تتورّع عن عمل أيّ شيء لتحقيق مرادها مع جيرانها من جهة الشرق بعد أن رفضوا قبول أيّ لاجئين في سنة 2015 أمام غضب الكثير من أعضاء الاتحاد الديمقراطي المسيحي. وقد لا تتورع ألمانيا عن فعل أيّ شيء كلما تعلق الأمر باللاجئين عموما. إن أوروبا على أبواب عهد جديد. باحث مساعد في مركز برشلونة للشؤون الدوليةفرانسيس غيلس
مشاركة :