هل يتفكك العراق إلى ثلاث دول؟ بقلم: أسعد البصري

  • 10/8/2017
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

حكومة بغداد تبدو في وضع حرج حقا، فهي متعطشة للمال وغير مستعدة لخسارة كركوك وفي نفس الوقت عاجزة تماما عن تقديم نموذج سياسي مقبول يمنع تفكك البلاد.العرب أسعد البصري [نُشر في 2017/10/08، العدد: 10775، ص(6)] بعد وضع اليد على كركوك أصبح إقليم كردستان يسيطر على احتياطي نفطي يقدر بـ45 مليار برميل وهو ثلث احتياطي العراق تقريبا ويصدّر الإقليم حاليا 600 ألف برميل يوميا عبر ميناء جيهان التركي. ورغم الموقف السياسي التركي المعادي بعد الاستفتاء فإن أردوغان معروف بانتهازيته ولن تغلق تركيا أنبوب النفط الذي يربط كردستان بالميناء المتوسطي، وهي المستفيد الأكبر منه فهو يعزز موقع تركيا كممر للطاقة من روسيا والشرق الأوسط نحو أوروبا. لا أحد يتوقع السماح للحشد الشعبي بتنفيذ تهديداته في منطقة تنتشر فيها مصالح شركات نفطية كبرى كشيفرون وإكسون موبيل وغازبروم وتوتال وغيرها. إضافة إلى مشروع شركة روسية وافقت عليه تركيا لتوسعة الأنبوب ليكون قادرا على نقل مليون برميل يوميا. إضافة إلى مشروع أنبوب غاز جديد إلى تركيا لنقل الطاقة إلى أوروبا. تبدو حكومة بغداد في وضع حرج حقا، فهي متعطشة للمال وغير مستعدة لخسارة كركوك وفي نفس الوقت عاجزة تماما عن تقديم نموذج سياسي مقبول يمنع تفكك البلاد. ناقش الكونغرس في مايو 2015 علنا في جلسة تنصيب الجنرال جوزيف دانفورد رئيسا لأركان الجيش الأميركي مسألة العراق وإمكانية تقسيمه إلى عدة دول. قال الجنرال دانفورد للكونغرس إنه يرى إمكانية لتقسيم العراق إلى دولتين كردية وشيعية. وفي سؤال عن إمكانية قيام دولة سنية ثالثة قال الجنرال إن ذلك غير ممكن لسببين: الأول لا توجد موارد كافية في المناطق السنية تكفي لقيام كيان من هذا النوع، والثاني فإن قيام ثلاث دول سيشكل إشكالية أمام الولايات المتحدة لإدارة البلاد فالواقع يتطلب وجود دولة مركزية قوية ببغداد. أعاد الرئيس دونالد ترامب تنصيب الجنرال دانفورد رئيسا لأركان الجيش عام 2017 ووافق عليه الكونغرس من جديد. وإذا كان رئيس أركان الجيش الحالي يرى بأن الأكراد عندهم إمكانيات قيام دولة بسبب وجود موارد اقتصادية فهذا ربما يعني أنه يقصد كركوك. تحدث دانفورد عن أن الأكراد هم القوة الفعّالة والحليف المؤثر في المنطقة بالنسبة إلى الولايات المتحدة وأنه سيشرف شخصيا على تسليحهم وتدريبهم والتأكد من فعاليتهم. والمهم أن الجنرال ذكر بأن وجود كفاءة إدارية وقيادة كردية هي العامل المهم في إمكانية قيام دولة كردية. يذكّرنا هذا الكلام بمشروع نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن الذي دعا إلى ثلاثة أقاليم في العراق منذ عام 2004، وجدد دعوته هذه بقوة عام 2013. يرى بايدن أن المشاكل التي تعصف بالعراق لا يمكن حلها وتجاوزها من دون عزل طائفي يكون فيه لكل من السنة والشيعة والأكراد وضع سياسي وجغرافي ومعنوي في ثلاثة أقاليم مستقلة تجعل هذه الطوائف أكثر انسجاما مع عراق فدرالي يوسّع دائرة الخيارات لكل طائفة. السؤال هو هل تتغير الإستراتيجية الأميركية بهذه السهولة؟ عمليا هم منحوا الأكراد وضعا خاصا منذ عام 1992 وهناك قواعد عسكرية أميركية في كردستان العراق وفي المناطق الكردية في سوريا ولا نعتقد بأنهم قد تخلّوا عن الأكراد ولا عن فكرتهم بمنحهم وضعا مستقلا. من جهته قال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي في استقباله للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن “أميركا والقوى الخارجية تخطط لإقامة إسرائيل جديدة في المنطقة من خلال تصويت كردستان العراق”، مشيرا إلى أن “إسرائيل والأميركيين يستفيدون من تصويت استقلال كردستان العراق”. وأن الاستفتاء الكردي بمثابة “عمل من أعمال الخيانة تجاه المنطقة بأسرها”. من الغريب حقا أن تكون إيران حريصة على وحدة العراق. لو هناك دولة مسؤولة عن تفكك العراق فهي إيران. وبلهجة تهديد واضحة خاطب أردوغان أكراد العراق قائلا “ماذا ستفعلون الآن بعد الإصرار على استفتاء الانفصال؟ فمن الشمال تركيا ومن الجنوب حكومة بغداد ومن الغرب سوريا ومن الشرق إيران، إلى أين ستذهبون؟ وكيف ستدخلون وتخرجون من الإقليم؟”. المشكلة الأكبر اليوم أن الخطوة الكردية أنعشت طموحات سنّة العراق. فقد ذكر عضو مجلس محافظة نينوى غزوان الداودي أن هناك حراكا داخل المكوّن العربي في مجلس المحافظة لإجراء استفتاء حول تحويلها إلى مركز للإقليم السني. يجري هذا وسط أنباء عن فرار أهالي الحويجة باتجاه البيشمركة بدلا من ميليشيات الحشد والجيش العراقي خوفا من انتقام الميليشيات من المدنيين أثناء عمليات تحرير المدينة كما حصل في الموصل. والحويجة تابعة لكركوك.خوض المعركة لتحويل العراق حامية إيرانية ورغم قلة الموارد يفضّل السنّة الفقر على الموت فهناك مليون ونصف إنسان في المخيمات في حالة تنفطر لها القلوب. مدينة كالرمادي في الليل تخاف من داعش وفي النهار تخاف من الميليشيات، مدينة أشباح مهدومة. والشرطي الأنباري لا يعرف متى يدخل عليه الإرهابيون ويطلبون منه أن يحفر قبرا له ولولده كما رأينا في أحد التسجيلات، والميليشيات يغنّون أغان عن “الجنطة والبطة” وهي كناية عن اختطاف الناس ووضعهم في صندوق السيارة لتصفيتهم. في الموصل عادت الميليشيات تفرض على التجار نظام الإتاوات تحت تهديد السلاح ولا يوجد قانون يحاسبهم. وقبل يومين ظهر شاعر شعبي يقول فليقتل قيس الخزعلي (زعيم ميليشيا) الأكراد كما يحلو له فلا توجد “دية” لقتلاهم اليوم ويصف نفسه بـ”ابن المرجعية” والآلاف تصفق له علنا ولا تسجنه الدولة بتهمة الإرهاب والتحريض. هذا في وقت يدعو السيستاني البارزاني بالرجوع إلى الدستور. أيّ دستور وأيّ قانون في دولة جنكيزخانية كهذه متعطشة لدماء مواطنيها؟ لم تعد هناك روح وطنية عراقية كالسابق فقد تمكنت الطائفية من العراقيين وأطفأت الوطن في عيون الأطفال. لقد كان فريق كرة القدم بمثابة فرحة الشباب الوحيدة ولكن يد السياسيين وصلت إلى اللاعبين وحرضتهم على “اللطم” في الملاعب لحرمان السنّة من الشعور بتلك الفرحة العظيمة بفريق ينتمون إليه. لقد كان الفقراء عبر التاريخ أبطالا وطنيين وقدموا تضحيات عظيمة في سبيل بلادهم ودافعوا عنها ببسالة رغم أن الحاكم كان مجرّد ملك مستبدّ لكنه ترك لهم ضوء القمر والشعور بالانتماء، ترك لهم الشعور بالشرف والكرامة وهذا ما يدافعون عنه. لا يذكر التاريخ دفاع العبيد عن أوطانهم، فالعبد يجرده سيده من الشرف ويأخذ أطفاله من حضن أمهم ويبيعهم. إن انعدام الشعور الوطني عند سنّة العراق اليوم ورغبتهم بالانفصال واللحاق بالأكراد أمر يستحق التفكير. فهؤلاء وطنيون جيلا وراء جيل وهم بناة الدولة العراقية منذ قيامها كيف أصبحوا بلا مشاعر وطنية حقيقية؟ ذلك لأن الدولة العراقية حاليا لا تُمارس الاستبداد الطبيعي فهي ليست دولة دكتاتورية وطنية عادية بل هي نظام استعباد عنصري يجرّد السنة من الكرامة والشرف ولهذا يريدون الخروج من سجن الأقنان إلى حريتهم من جديد. كيف يحبون وطنهم وهم بحاجة إلى “كفيل” لدخول عاصمتهم بغداد كالغرباء؟ سيطرة الصقور كانت بيد حزب الله تتحكم بدخول وخروج أهل الأنبار واحتاج الأمر إلى سقوط مواطن قتيلا وتدخل القوات الأميركية لتخليص الناس من ظلمهم. تحرّش بالنساء في الموصل وإذا اعترض عليهم أحد يقولون له أنتم كُنتُم تقدمونهن للدواعش. الوضع في العراق لا يُطاق. ولا نرى مثقفا شيعيا شعر بهذه المشكلة وقال فلنجد حلاّ حتى لو كان التقسيم إلى أقاليم فالحكومة عنصرية متوحشة وتعامل السنّة معاملة البهائم. الجميع مرتاح في مدن آمنة ويتشدق بالوطنية ووحدة الوطن متجاهلا عذابات الآخرين تحت هذا الظلم الرهيب. الدول العربية من جهتها حائرة فموقفها مع وحدة العراق وسلامة أراضيه، لكنها أيضا تنظر إلى الوضع الإنساني الصعب والدم المراق في البلاد. ورغم نداءات السعودية المتكررة إلى العراقيين بنبذ المشروع الإيراني والعناية بشؤونهم إلا أن شيئا لم يتغير. فما زالت المرجعيات الدينية لها السلطة العليا والميليشيات فوق القانون والبرلمان عبارة عن مافيا طائفية والبلاد من سيّئ إلى أسوأ. يكفي أن الائتلاف الشيعي يخطط لعودة زعيم طائفي مثل نوري المالكي إلى الواجهة وترشيحه في العام القادم لرئاسة الوزراء. تبدو إيران أكثر حرصا من تركيا على تخريب الطموح الكردي والسنّي بالانفصال فهي تريد العراق كله تحت سيطرتها وكذلك سوريا. نفط كركوك يعتبر حيويا بالنسبة إلى طهران المقبلة على عقوبات جديدة بعد تصريحات الرئيس الأميركي القوية حول إلغاء الاتفاق النووي ولا يوجد مصدر آخر للعملة الصعبة سوى الثروات العراقية. أردوغان من جهته مخادع فهو يبحث عن صفقة في كل مشكلة تحدث. هو يعلم بأن كردستان متعاونة أمنيا مع تركيا ضد حزب العمال الكردي ومصالح تركيا الاقتصادية مع الأكراد أكبر من تحطيمها بموقف عسكري أو متطرّف. ثم إن الاستفتاء شيء وإعلان دولة مستقلة شيء آخر. السؤال هو عن مستقبل العراق الآن! إذا لم تستمع القيادة العراقية إلى اقتراحات المملكة العربية السعودية والتي كررتها أمام حيدر العبادي ومقتدى الصدر بأهمية الابتعاد عن المشروع الإيراني والطائفية وضرورة حل الميليشيات الوقحة فإن “تفكك العراق” إلى ثلاث دول سيكون أمرا واقعا. لا تستطيع الدول العربية إجبار الأكراد والسنّة على الارتباط بدولة طائفية تسير في مشروع إيراني دموي. كاتب عراقيأسعد البصري

مشاركة :