سيتمنى كل محب وعاشق للكلاسيكو أن يحصل الوفاق وتعود المياه إلى مجاريها، وأن تقدم كاتالونيا تلك الفتاة التي بلغت من العمر ثماني عشرة سنة على حد وصف بيكيه بعض التنازلات.العرب مراد البرهومي [نُشر في 2017/10/08، العدد: 10775، ص(23)] قريبا قد ينتهي ذلك الترقب والهوس بـ"كلاسيكو الأرض" الذي يشغل العالم بأسره في منافسات كل موسم، قريبا قد ينتهي ذلك التنافس المحتدم بين صاحبي الريادة واليد الطولى في إسبانيا وأوروبا والعالم ريال مدريد وبرشلونة، ربما يصبح "الكلاسيكو" الأقوى والأشهر في الكون خبرا من الماضي وجزءا من التاريخ الكروي، قريبا قد ينتهي كل شيء.. حديثنا عن "كلاسيكو" النجوم العالمية المتلألئة وقرب انتهائه مرده أساسا تلك التطورات السياسية التي تعيشها إسبانيا وتحديدا في مقاطعة كاتالونيا التي تضم أحد قطبي “الكلاسيكو” ونعني بذلك برشلونة، فهذه المقاطعة الغنية والكبيرة تريد الاستقلال وتأمل أن تصبح دولة قائمة الذات بعيدا عن الوصاية الإسبانية. وفي هذا السياق أجري استفتاء يوم الأحد الماضي هلّل له أغلب الكاتالونيين وأيدوا فكرة الاستقلال، فيما بدأت السلطات الإسبانية تستعمل “عصاها الغليظة” لإعادة “الابن الضال” إلى الجادة والبقاء في بيت الطاعة. كثر اللغط وبات الجميع في إسبانيا يعيش على وقع هذه الرغبة القوية والعارمة القديمة والمتجددة من الكاتالونيين في الاستفراد بكيان قائم الذات يكون خاصا بهم لوحدهم دون أن تكون لمدريد أي سلطة عليها، فاليوم تعيش إسبانيا على إيقاع أقوى اختبار سياسي لها منذ عقود طويلة للغاية. هو اختبار الولاء من ناحية والديمقراطية من ناحية أخرى، فإن وافقت السلطة في مدريد على منح كاتالونيا الحرية لاختيار مصيرها فإنها ستفقد السيطرة وتفتح بذلك الباب أمام أقاليم أخرى مثل الباسك للمطالبة مستقبلا بالاستقلال، أما إذا مارست سلطتها القوية وعطلت المطامح الكاتالونية، فإنها ستكون بذلك تخالف روح إسبانيا الحديثة التي قطعت نهائيا مع الدكتاتورية التي ولت دون رجعة منذ نهاية سبعينات القرن الماضي. لكن بين هذا الطرف وذاك، فإن الأهواء السياسية والمطالب الانفصالية أطلت بكل قوتها وتأثيرها على المشهد الرياضي في إسبانيا، وتحديدا في برشلونة، معقل أحد قطبي الكرة هناك، فقبل موعد الاستفتاء أدلت إدارة الفريق الكاتالوني بدلوها ضمن هذا الزخم السياسي لتعلنها صراحة أنها تساند الاستفتاء بشدة، وفي اليوم الكبير الموعود في كاتالونيا الأحد أجريت مباراة برشلونة ضد نادي لاس بالماس ضمن الدوري المحلي أمام مدارج خالية من الجماهير، في يوم طغت خلاله كل أخبار وتطورات الاستفتاء على المباراة الصامتة في ظاهرها والضاجة برغبة الانفصال في باطنها. بعد ذلك بيوم واحد أعلنت إدارة برشلونة التي باتت شريكا فاعلا في حملة الانفصال أنها ستعلق كل أنشطة النادي الرياضية منها والاقتصادية احتجاجا على قمع السلطات الإسبانية للمشاركين في الاستفتاء، حصل ذلك الأمر فعلا، لكن الأقصى والأهم من ذلك تلك الدموع التي انهمرت من عيني جيرار بيكيه لاعب برشلونة. فبعد مباراة الفريق ضد لاس بالماس أطل بيكيه على وسائل الإعلام بعين دامعة وهو يتحدث عن استفتاء تقرير المصير، تحدث بكل انفعال قائلا إنه يشعر أنه كاتالوني الهوى والأصل والهوية. بيد أن بيكيه لم يكن يدرك حينها أن تلك الدموع حولته إلى بطل قوي لدى الكاتالونيين وإلى خائن ناكر للجميل لدى شق كبير من جماهير المنتخب الإسباني، وهذا لعمري أقصى وأقسى ما يمكن أن يتعرض له المرء. بيكيه التحق بمعسكر المنتخب الإسباني الذي يتأهب، حينها، لخوض مباراة حاسمة لضمان التأهل الرسمي لمونديال 2018، ليتعرض لوابل من السب والشتم، وذهب البعض إلى حد المطالبة بطرده من المنتخب الذي لا يشعر بالانتماء إليه. حصل هذا الأمر في حيز زمني قصير لا يتجاوز الأسبوع، وبلا شك فإن القادم قد يكون أقوى وأكثر تأثيرا في المشهد السياسي والرياضي على حد السواء، بيد أن بيكيه أراد تلطيف الأجواء وتهدئة الأمور. لقد تحدث إلى وسائل الإعلام بعاطفة جياشة من جديد، لكنه هذه المرة تحدث عن ولائه للمنتخب الإسباني، مؤكدا أن التزامه باللعب معه طيلة 15 سنة يؤكد تعلقه بإسبانيا ومنتخب بلاده، بيكيه ذهب أبعد من ذلك عندما تحدث عن علاقة كاتالونيا بإسبانيا بقوله إنها بمثابة علاقة ابن كبر وبات شابا في سن الثامنة عشرة ويريد الاستقلال قليلا عن العائلة الموسعة. سيتواصل هذا الجدل الكبير في إسبانيا، ستواصل كاتالونيا مسيرها الدؤوب نحو استقلال نهائي، وستواصل معها السلطة الإسبانية رفض المطالب الانفصالية، ومعها سيتواصل أيضا انتظار الجماهير العالمية لكل ما يحدث في هذه الأرض، فالأمر لم يكن يوما مرتبطا بالحرص على متابعة الأخبار السياسية في إسبانيا بقدر ما هو مرتبط بأمور رياضية بحتة. وقد لا يتخيل أي شغوف بالكرة العالمية المرموقة أن “كلاسيكو الأرض” لن يكون له أي وجود في المستقبل، خاصة وأن الاتحاد الإسباني ومن ورائه السلطة الإسبانية يرفضان بشدة أن يكون لبرشلونة أي حضور مستقبلي في “الليغا” في صورة حصول الاستقلال والانفصال النهائي. في كل هذا الخضم، سيتمنى كل محب وعاشق للكلاسيكو أن يحصل الوفاق وتعود المياه إلى مجاريها، وأن تقدم كاتالونيا تلك الفتاة التي بلغت من العمر ثماني عشرة سنة على حد وصف بيكيه بعض التنازلات، وتتنازل أيضا السلطة في مدريد وتمنح هذا الإقليم هامشا أكبر من الحرية والاستقلالية في اتخاذ القرارات، فكل الرجاء هو ألاّ ينتهي سحر الكلاسيكو الكبير إلى الأبد. كاتب صحافي تونسيمراد البرهومي
مشاركة :