إذا أراد القارئ معرفة شيء عن تاريخ لبنان الحديث أو تاريخ العراق فعندي له كتابان تجمع بينهما دقة عالية وموضوعية في التفاصيل، الأول هو «لبنان، دفاتر الرؤساء» للزميل غسان شربل، رئيس تحرير «الحياة»، والثاني «صورة عراقي، مراجعة توثيقية لمواقف الزعيم السياسي العراقي اياد علاوي» من تحرير علي عبدالأمير. كتاب «لبنان دفاتر الرؤساء» يضم مجموعة مقابلات من نوع رأيناه في كتب سابقة للزميل شربل منها «في خيمة القذافي» و»أسرار الصندوق الأسود» و»أين كنت في الحرب؟». والمقابلات هذه المرة جرت بين مطلع التسعينات وحتى 2001 والمؤلف يحاور فؤاد بطرس ومنح الصلح وكريم بقرادوني وحسين الحسيني وصائب سلام وشفيق الوزان وريمون إده وكامل الأسعد. المؤلف يبدي في مقدمة الكتاب خوفاً على لبنان ومستقبله من شظايا الحرب في سورية وتدخل حزب الله فيها، ولعل المقابلات تشرح كيف وصل لبنان إلى الوضع الحالي. وهي تتحدث عن الشهابية والحلف الثلاثي، ورؤساء ومسؤولين صفتهم الوطنية والنزاهة مثل فؤاد شهاب ورشيد كرامي وفؤاد بطرس وصائب سلام وشارل حلو والياس سركيس وسليم الحص وغيرهم. كنت أحاول وسط بحر المعلومات أن أتذكر ما كنت شاهداً عليه، فصائب بك كان صديقاً عزيزاً من بيروت إلى أيام إقامته في جنيف، والعميد ريمون إده مثله من بيروت إلى منفاه الفرنسي. كنت شاهداً على انتخاب سليمان فرنجية رئيساً بغالبية صوت واحد في البرلمان، ولا أنسى افتتاحية غسّان تويني «الصوت الواحد صوت الشعب». ما أستطيع أن أزيد من عندي عن فترة كنت فيها أعمل مع غسّان تويني يومياً وأرى النواب في مكتبه و»التطبيقات» أن رئيس تحرير «النهار» ندم بسرعة على دعم سليمان فرنجية وقال لي: غلطنا. واعتقدتُ أنه يتحدث عن نشرة كنا نعدّها. وهو قال لي إن فرنجية لا يصلح أكثر من مختار قرية. وحاربه «الزغرتاوية» بضراوة ودفعت «النهار» الثمن. في الصفحة 258 من الكتاب يسأل المؤلف ريمون إده: الإقامة مكلفة (في باريس)، ألم تتلقَ عرضاً من أي جهة؟ يرد العميد: إذا كان هناك دعاية من هذا النوع، أو قال أحدهم لك ذلك، قلْ لي اسمه لأرفع دعوى ضده. العميد في كتابي الشخصي من خيرة الناس ولا أتهمه بأكثر من النسيان، فقد عرضتُ عليه مرتين مرتباً «تقاعدياً» من دولة عربية تقديراً له، ومن دون أي طلب إطلاقاً في المقابل ورفض وقال لي: مش عايز. وعندما عرضتُ عليه بيع أرض له قرب كفرمشكي في البقاع لبناء استديوات عليها بضعفَيْ السعر المتداول قال لي: ما ببيع (لا أبيع). ولم يبِعْ. أنتقل إلى الكتاب «صورة عراقي»، واياد علاوي جزء من تاريخ العراق الحديث وهو نموذج نادر عن السياسي في كل بلد، فقد جمع بين الوطنية والمعرفة والنزاهة في بلد قرب قعر قائمة الفساد بين دول العالم. كان الطبيب اياد علاوي شاباً عضواً في حزب البعث وخاب أمله فيه فكان من مؤسسي حركة «الوفاق الوطني العراقي» سنة 1975، وهو تنظيم سري لتغيير النظام تحوَّل إلى العلنية سنة 1990. الكتاب يحكي عن اجتماعات أركان المعارضة العراقية في واشنطن مع أمثال ديك تشيني ودونالد رمسفيلد اللذين قالا كلاماً جميلاً... وكاذباً لم ينفذ منه شيء بل نفذ عكسه، وهو ينتقل إلى اجتماع المعارضة العراقية في لندن بعد ذلك فقد ضمّ حوالى 400 شخصية معارِضة قرب نهاية 2002. وفي تفصيل مهم يقدّم الكتاب معلومات موثقة عن طلب الولايات المتحدة من المعارضين الذهاب إلى إيران والتفاهم معها، واعتذر اياد علاوي ولم يذهب كما فعل غيره. توقفت طويلاً عند رواية الكتاب مبادرة الشيخ زايد، رحمه الله، فقد اقترح على القمة العربية أن تتخلى القيادة العراقية عن السلطة، وتغادر العراق مع ضمانات محلية ودولية بعدم الملاحقة. قال اياد علاوي عن موقف الشيخ زايد إنه «جاء في وقت عزّ فيه الموقف الشجاع.» والإمارات كانت أول دولة عربية دعت إلى نفي صدام حسين وأيّدها الملك حمد بن عيسى. اياد علاوي رأس حيناً مجلس الحكم وكان رئيس وزراء العراق بين 6/2004 و2/2005، أو 240 يوماً كانت الأفضل خلال الاحتلال وحتى اليوم. أدعو القراء جميعاً إلى طلب كتابين يستحقان القراءة.
مشاركة :