في كل مرة ينجح فيها منتخب عربي ويحجز تذكرة الذهاب لكأس العالم تتحول الجغرافيا العربية إلى ساحات فرح وزغاريد وتهانٍ ومباركات، ويدخل كبار رموز السياسة ليحيوا ويهنوا أولئك الشباب الذين حققوا إنجازاً حقيقياً لبلدهم لكنه يحتسب لصالح كل مواطن عربي في الحقيقة، ولذلك فإن مشاعر الفخر والابتهاج التي عمت الشارع العربي بصعود منتخب مصر عبرت عن أخوة عربية حقيقية، وعن رغبة في التميز والتواجد كعرب في واحد من أكبر محافل التجمعات الإنسانية ذات القوة النافذة على مستوى العالم : تصفيات كأس العالم والتي ستقام العام المقبل 2018 في روسيا . ينتظر العرب جميعهم نتائج مباريات كل من منتخبي المغرب وتونس تداعبهم أمنيات صادقة بأن يتأهل البلدين معاً إلى روسيا وبذلك يكون للعرب أربعة منتخبات إضافة للسعودية ومصر إن تحقق فوز المغرب وتونس، وهنا فإننا نتوقف قليلاً أمام مباريات كرة القدم اليوم باعتبارها تجاوزت المفهوم التقليدي المتعارف عليه للعبة الرياضية، لنجده يدخل إلى نطاقات ومفاهيم أكثر اتساعاً وبراجماتية ليصل إلى مفهوم القوة الناعمة والتمثيل السياسي للبلد والقوة المؤثرة في الاقتصاد والسياحة والأمن القومي ومزاج الشعبي العام، وبدون مبالغة وبأقل قدر من الحساسية علينا الاعتراف بأن الجماهير في مصر والوطن العربي احتفت وابتهجت واحتفلت بفوز منتخب مصر أكثر من ابتهاجها بأي حدث آخر! لقد خرجت الجماهير سعيدة جداً للشوارع لأجل مصر، تهتف باسم مصر في حين تختلط ابتساماتهم بصراخهم ودموعهم لا فرق بين شاب وفتاة ورجل وطفل، وكما لا مكان لتمايز ديني أو عرقي أو طبقي، وفي مثل هذه الحالة وأمام سيل المشاعر الوطنية الجارفة هذه والتي يمكن اعتبارها رأس الجبل الظاهر مقارنة بما هو أكبر وأكثر في المنازل والمقاهي ومواقع التواصل الاجتماعي وبرامج التلفزيون، وعليه فلا يصح التقليل من كل ذلك ولا السخرية واعتبارها ظاهرة تافهة تدل على فراغ روحي واستلاب ثقافي وغوغائية جماهيرية، هذه قراءة نمطية خاطئة علينا أن نعيد النظر فيها من أولها لآخرها. لقد أثبتت كرة القدم وصعود منتخباتنا العربية لتصفيات كأس العالم، أننا كشعوب عربية متعطشون للفرح وللبهجة، وأننا إخوة من المحيط إلى الخليج تجمعنا مشتركات كثيرة: التاريخ واللغة والأحلام ومشاعر الفرح والفخر بإنجازاتنا، وبأننا لسنا أقل من غيرنا، وأن شبابنا يستطيعون وقادرون على تحقيق أحلامنا الجميلة والكبيرة والمشروعة في كرة القدم وفي كل المجالات.
مشاركة :