... وفي اليوم الأخير، حسم البرتغالي كريستيانو رونالدو والأرجنتيني ليونيل ميسي أمرهمها وبلغا ببلديهما كأس العالم 2018 في كرة القدم. اللاعبان اللذان شغلا الدنيا وتسببا، في مكان ما، في نشوب عداوات تفتقد الى «الروح الرياضية» بين اخوة واصدقاء وزملاء في مهنة المتاعب و«مستجدين منفوخين» في مواقع التواصل الاجتماعي، سيجلسان في «المقعد الأخير» في القطار المؤدي الى موسكو. المشكلة لا تكمن هنا بالتأكيد، اذ انه من الأهمية بمكان تواجد رونالدو الفائز بـ«الكرة الذهبية» أربع مرات، بينهما مرة بفضل تمديد التصويت من قبل «الفاسد» السويسري الرئيس السابق للاتحاد الدولي جوزيف بلاتر، وميسي الغانم بها خمس مرات، بينهما مرة بعد أشهر على سحقه ومنتخب بلاده أمام ألمانيا برباعية في ربع نهائي كأس العالم. يجب على «الحفلة» ان تستكمل اركانها بأي ثمن ويتحول المونديال الى موعد يلتئم فيه الشمل، ولكن من ذا الذي حدد كأس العالم وحصرها بهذا التفسير «الغبي»؟ مند مونديال 1982، بدأت كرة القدم بارتداء ثوب لا يليق بها. لا اعلم ان كانت «مؤامرة» أم لا. فقد تحولت من مناسبة حيث يجتمع من يستحق للمنافسة على اللقب الأغلى، الى موعد عاطفي - غرامي يجب ان يلبيه كل من يُعتبر عن حق أو عن غير حق، منتخب مهم. أما تفسير «المنتخب المهم» فيخضع لآلاف القواميس المكدسة في مخيلة كل متابع غير واقعي على الرغم من انه قد يكون او يعتقد انه حامل راية الدفاع عن جمال اللعبة ومتعتها. ما كنت لأحزن او يرفّ لي جفن في ما لو قدر للبرتغال خوض الملحق الاوروبي ومن ثم الفشل في الوصول الى «روسيا 2018». لقد كان الملحق قدرها لولا هدف السويسري يوهان دجورو في مرمى منتخب بلاده خلال المباراة التي استضافها استاد «لا لوش» في لشبونة ومهد الطريق امام رونالدو وزملائه لانتزاع الصدارة في اليوم الاخير ودخول المونديال مباشرة. لم تقنع البرتغال بتاتا في التصفيات وحققت نتائج مخجلة امام منتخبات «مجهولة» مثل اندورا. ونسأل هنا: هل كان لـ «سي آر 7» أن يشتم رائحة كأس أمم اوروبا 2016 لولا تلك القرعة التي جنبته منتخبات عريقة في طريقه الى «سان دوني»؟ ما كنت لأنفجر غضباً لو ان الارجنتين غابت عن كأس العالم، فهي سيئة وما زالت وستبقى، ولا يجدر ان يرقّع التأهل عوراتها الفاضحة. لقد استعانت «بلاد الفضة» بأكثر من 45 لاعبا في التصفيات لتستكمل «رقصة التانغو» التي شابتها ألف شائبة والتي لا تليق بأن تُقدم على مسرح المونديال. من قال بأنه من الضروري ان يتواجد ميسي في «روسيا»؟ من يدّعي بأن كأس العالم ليست مهمة كي يؤكد «فخامة ليو»، هو نفسه من يحتفل اليوم بتأهله طمعاً في اثبات ما اعتقده ويعتقده فيه. ثم كيف للمنتخب الارجنتيني الحالي ان ينظر بعيون واثقة الى تاريخه الغابر وهو يقتلع ورقة التأهل في المباراة الاخيرة وامام منتخب اكوادوري بمدرب جديد قرر الاعتماد على تشكيلة جلها من الصاعدين الناشطين في الدوري المحلي؟ «حصل خير» كنت لأقول في ما لو لم يكن لرونالدو وميسي موطئ قدم في روسيا، وذلك انطلاقا من مبدأ «عدم العنصرية الرياضية»، ووجوب مكافأة من يستحق وليس من يجب ان يستحق. في نهاية المطاف تقام التصفيات لاختيار الأفضل والأجدر والا لما غابت هولندا وتشيلي عن كأس العالم المقبلة. اخشى على كرة القدم. لا، لا اخشى على اللعبة بل قل انني اخاف شيوع «الفكر السطحي» لدى متابعيها الحاليين والمقبلين لتصبح مجرد مناسبة للترفية في وقت تعتبر في ذهني رقعة صراع تكتيكي رجولي ممتع. كرة القدم ليست مباراة تنتهي مساء لأتوجه بعدها مباشرة الى الفراش واغوص في نوم عميق متناسياً تلك الاحاسيس التي تركَتْها في وجداني، ليست صفحة تطوى بانتظار صفحة اخرى. هي طريقة حياة وعلاقة عشق تشبه الى حد بعيد وأبعد جنون المدرجات بعد هدف محمد صلاح الذي وصل بـ«الفراعنة» إلى كأس العالم، وحسرة السوري عمر السومة على الكرة التي ارتطمت بالقائم الاسترالي الايسر. هي علاقة تتطابق مع احتفالية ماركو تارديللي بهدفه في مرمى المانيا الغربية (سابقا) في نهائي مونديال 1982، ودموع البرازيلي بيليه ابن الـ17 سنة اثر تتويج البرازيل بكأس العام 1958. علاقة تتماشى مع حزن الايطالي روبرتو باجيو بعيد اضاعته ركلة الترجيح امام البرازيلي في نهائي 1994 والاحتفال المؤثر للحارس كلاوديو تافاريل. مسيرة «الكاميرون - ميلا» في مونديال 1990 تشبهني، واحتفال النيجيري الراحل رشيد ييكيني بهدفه تمثلني. لذلك لا ابحث في كأس العالم عن ذكريات ستفرض نفسها بل اترك للواقع مهمة صناعة التاريخ واللحظات المؤثرة. متى نجح رونالدو في ترك ذاك الاثر في مضمار كأس العالم الذي دأب على خوض غماره منذ 2006؟ وأين ميسي في مونديالات 2006 و2010 و2014؟ كأس العالم «كبيرة» لانها اكبر من الجميع ولا تستقبل الا من يستحق خوض الحرب في سبيلها. ليتأهل من يتأهل، وليصل من يستحق من دون العودة الى تصنيف «واهٍ» لمن يجدر به التأهل ومن لا يستحق. أعلم بأن ما قيل لا يعجب من يبغي مجرد «تجمُّع نجوم» في كأس العالم. لا يبقى سوى القول: لكم عالمكم... ولي «كأس عالمي». SOUSPORTS@
مشاركة :