يوماً بعد يوم تكبر فاتورة سياسة قطر في دعم الإرهاب، وأصبح الثمن نزيف الاقتصاد القطري حتى وصل إلى حافة الانهيار. هي ليست تمنيات، بل الأرقام تتحدث عن نفسها؛ فسياسة هروب قطر إلى الأمام لن تُجدِيَ نفعاً، بل على العكس، إنها سياسة الهاوية! فمنذ اندلاع أزمة المقاطعة العربية للاقتصاد القطري بسبب دعمها الإرهاب وتدخلها في الشؤون الداخلية العربية؛ والاقتصادُ القطري يئن تحت وطأة هذه المقاطعة. الثمن الباهظ الذي يدفعه الاقتصاد القطري والشعب هو نتيجة سياسة متناقضة دأبت قطر على تنفيذها طوال عشرين عاماً مضت حتى الآن؛ بحثاً عن تأثير وهمي لا يمكن تحقيقه بالمال. ويرى مراقبون أنه كان من الأجدر أن تبادر قطر إلى معالجة شواغل ومطالب جيرانها، وأن تعتذر عن سلوكها وتلتزم بتعهداتها بدلاً من المكابرة ورفع الشعارات الصوتية المملة. عوضاً عن ذلك، واصلت قطر شعاراتها المضللة بحجة المحافظة على السيادة، ومن هنا فقد بحث أميرها عن مصالحة اللوبي اليهودي وإسرائيل، والدفع للمنظمات الصهيونية من أجل تحسين سمعتها، وعَمِل على استدعاء مئات من الجنود الأتراك والحرس الثوري لحراسة الدوحة، كل هذه الأفعال بحسب هذا النظام تأتي في سياق المحافظة على السيادة، بينما تم رفض الحل الأسهل والمنطقي والأنسب، وهو التحاور مع أشقائها وجيرانها العرب لحل الخلاف. هذه السياسة وجدت رفضاً شعبياً غير مسبوق، وبحسب استفتاء أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، عبّر أكثر من 54% من القطريين عن رفضهم دعم حكومتهم لجماعة الإخوان، كما عبّر أكثر من 90% عن رفضهم علاقة نظام قطر بإيران ووكلائها في المنطقة (حزب الله، وجماعة الحوثي)، ودعا أغلبية الشعب حكومتهم إلى تقديم تنازلات لحل الإشكال الذي بدأت تداعياته تظهر على الشعب القطري. على المستوى السياسي التأخر في الاستجابة لمطالب الأشقاء العرب تزداد كلفته الباهظة يوماً بعد يوم؛ فعلى المستوى السياسي بدأت تتشكل معارضة قوية وشرعية من الأسرة الحاكمة تحظى بقبول كبير لدى أطياف المجتمع الخليجي، وعلى المستوى العربي سواء الشعبي والرسمي، ولا يمكن تجاهلها مستقبلاً، فهم، كما يراهم مراقبون، عقلاء الأسرة الحاكمة، ويمكن المراهنة عليهم، كما أن النظام القطري الحالي بشكله الحالي بات منبوذاً مكروهاً لم يَعُد يحتمله أحد، وبالتالي فاستمرار أزمة التعنت القطري تستنفد رصيد هذا النظام على المستوى الداخلي والخارجي. في الرياضة وعلى المستوى الرياضي، ظهرت بوادر حقيقية عن إمكانية سحب تنظيم كأس بلدان العالم من قطر؛ نظراً إلى العزلة التي يعشيها هذا النظام وسط محيطه العربي، وتكشّفت تحقيقات سرية وعلنية تُجريها مؤسسات مختلفة عن قضية الفساد التي شابت التصويت لدولة قطر، كما كشفت المنظمات الحقوقية التي فتحت ملف العمالة المستخدمة في منشآت كأس العالم مدى الاضطهاد الذي تعانيه، وهي عوامل ترجّح سحب تنظيم البطولة من هذا النظام، بل طُرحت أسماء دول -بحسب «الديلي ميل»- مثل بريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية كدول بديلة. الصعيد الاقتصادي أما من الناحية الاقتصادية، فقد تكبدت بورصة قطر خسائر قاسية منذ اتخاذ دول التحالف العربي قراراً بمقاطعتها بسبب دعمها للإرهاب في الخامس من يوليو المنصرم؛ لتدخل البورصة في أزمة حادة جعلت مليارات الريالات تتبخر منها، لتقترب خسارتها من ربع قيمتها السوقية، وربما أكثر إذا استمر الوضع على حاله حتى نهاية العام. وبلغة الأرقام والمليارات، فإن 124 مليار ريال قطري (33.3 مليار دولار) تبخرت من بورصة قطر أثناء العام الحالي، أي في تسعة أشهر فقط، كما أدت العقوبات إلى سحب دول الخليج الودائع من البنوك القطرية، ما أدى إلى تفاقم هبوط أسعار العقارات وتراجع سوق الأوراق المالية 18%. وتستمر التداعيات السلبية للأزمة القطرية التي طالت جميع قطاعات الاقتصاد المحلي، وألقت بظلالها السلبية على المناخ الاستثماري والبيئة التشغيلية. فالتراجعات القوية في أرباح الشركات العاملة في قطر دفعت الحكومة إلى تقديم مزيد من التسهيلات لمحاولة استقطاب الشركات التي بدأت تبحث عن فرص خارج حدود قطر، من تقديم خصومات وإعفاءات على أسعار الإيجارات وإعادة جدولة ديون الشركات. وأثارت تقارير مختلفة تتداولها مراكز التحليل الاقتصادي وخبراء الأسواق المالية، مخاوفَ متزايدة من الثمن الاقتصادي للأزمة؛ فبلغة الأرقام نما الاقتصاد القطري بنسبة 0.06% فقط عن العام السابق أثناء الفترة الممتدة من أبريل إلى يوليو المنصرميْن، كما أن سحب البلدان الخليجية الداعية لمكافحة الإرهاب ودائعَها من البنوك القطرية أدى إلى تفاقم هبوط أسعار العقارات وتراجع سوق الأوراق المالية بنسبة 18%. تقرير موديز وبحسب آخر تقرير لوكالة موديز للتصنيف الائتماني، فإن قطر استنفدت ما يقارب 40 مليار دولار، أي ما يعادل 23% من ناتجها المحلي، لدعم اقتصادها في أول شهرين من بداية الأزمة. وأضافت الوكالة أن قطر تواجه تكاليف اقتصادية ومالية واجتماعية كبيرة، ستؤثر بشكل كبير في قطاعات عدة، مثل التجارة والسياحة والمصارف. وتؤكد الأرقام عدمَ قدرة الدوحة على تحمّل تَبِعات المقاطعة التي وضعت نفسها فيها بسياساتها المضرة بمحيطها الخليجي والعربي، مهما ادعت العكس، إذ تشير توقعات Bank of America إلى أن هناك احتمالية تخارج 35 مليار دولار من النظام المصرفي القطري أثناء سنة، حال سحب بعض البلدان العربية الأخرى الودائعَ والقروض من السوق القطري، وفي هذه الحالة فإن ضخ الحكومة القطرية مزيداً من السيولة في القطاع المالي والمصرفي، أو توفير الموارد المالية لاستيراد المنتجات ذات التكلفة الأعلى، سوف يُسفر -بشكل كبير- عن المزيد من الاستنزاف لأصول صندوق الثروة السيادية القطرية واحتياطات النقد الأجنبي. لذلك، يصبح الاتجاه إلى تسييل أصول سيادية موجودة في الخارج منطقياً ولا بديل عنه ما دامت الأزمة مستمرة. وقد بدأت بوادر هذا التسييل أو خطواته الأولى بالفعل، وفق ما يمكن استنتاجه من البيانات الخاصة بحصة قطر في بنك كريدي سويس المعروف، إذ تفيد هذه البيانات بأن حصة قطر انخفضت أخيراً من نحو 18% إلى 15.91%، وتملك شركة قطر القابضة التابعة لجهاز الاستثمار القطري هذه الحصة التي تنقسم إلى شقين: أحدهما في صورة أسهم، أي حصة مباشرة بنسبة 4.94%، والثاني في صورة حقوق شراء بنسبة 10.97%. كما أظهرت بيانات بنك لوكسمبورغ الدولي أن مجموعة «بريزيشن كابيتال» تُعَد الهيئة الاستثمارية الأساسية المفضلة لعدد يُعتد به من أفراد الأسرة الحاكمة القطرية، من هنا فقد باعت 90% من أسهم هذا البنك لشركة «ليجند هولينغر» الصينية التي تملك مجموعة «لينوفو» المنتجة لأجهزة الكومبيوتر المعروفة بهذا الاسم، وذلك في صفقة قيمتها 1.48 مليار يورو، وربما لا تكون هذه هي كل الأصول السيادية التي بدأ تسييلها في الأسابيع الأخيرة، بالتوازي مع تبنّي عدد متزايد من الخبراء الاقتصاديين والماليين في بلدان العالم نظرةً سلبيةً ليس بشأن الأسهم القطرية فقط، ولكن بخصوص أداء النظام الاقتصادي القطري عموماً. فقد تزامَنَ البدء بتسييل أصول سيادية مع ضربة جديدة تلقّاها النظام المصرفي، عندما أقرتْ بدورها وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني خفضَ تصنيف قطر ضِمن تقييم سلبي أوسع نطاقاً يتضمن توقع تباطؤ النمو الاقتصادي. وانضمت «فيتش» إلى وكالة «ستاندرد أند بورد» التي سبقت إلى خفض التصنيف الائتماني للديون القطرية الطويلة الأجل، وكذلك وكالة «موديز» التي تبنّت تقييماً أكثر سلبية، ونبّهت إلى تداعيات ارتفاع تكلفة التمويل بالنسبة إلى البنوك القطرية في أسواق الدين العالمية. وجاء تقييم «فيتش» المشار إليه، بعد أيام على توقع وكالة «بلومبيرغ» لجوء البنوك القطرية إلى رفع تكلفة الاقتراض، وتقديم عائد أكبر أو أكثر جاذبية إذا أرادت تقليل آثار المقاطعة التي أدت إلى ارتفاع معدلات المخاطرة السياسية بالنسبة إلى المستثمرين، وانخفاض الودائع الأجنبية إلى أدنى مستوياتها أثناء أكثر من عامين، واستمرار تدفقات الأموال إلى الخارج. قبل فوات الأوان وفي النهاية، يبدو أن نظام الحمدين يقود دولة قطر إلى الهاوية، فسياسية الهروب إلى الأمام لن تجديَ نفعاً؛ فقد جرّبتها إيران من قبلُ في ملفها النووي بعد تكبدها خسائر وعقوبات بمليارات الدولارات، ثم عادت وقبلت بتجميد ملفها النووي بالكامل ودون شروط سوى رفع العقوبات! وبالطبع، ستجد قطر نفسها أمام خيار واحد فقط، هو القبول بالشروط الـ13، لكن الموافقة هذه قد تأتي بعد فوات الأوان.
مشاركة :