كان هناك وقت يشعر فيه الإيطاليون بالإهانة عندما يقال إن الدوري الإيطالي الممتاز بات ثالث أقوى دوري في أوروبا، حيث كان الدوري الإيطالي دائما هو الدوري الأفضل والأجمل في العالم، والدليل على ذلك أن 12 فريقا إيطاليا كانوا حاضرين في الدور النهائي للبطولات الأوروبية خلال الفترة بين عامي 1983 و1998، كما أنه الدوري الذي تألق فيه نجوم عالميون، فكان يمكنك أن ترى الأسطورة الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا وهو يلعب أمام فرانكو باريزي، أو النجم الفرنسي زين الدين زيدان وهو ينافس الظاهرة البرازيلية رونالدو على لقب أفضل لاعب في عالم كرة القدم.لكن لا يمكن لأحد أن يتجاهل التحول الكبير الذي حدث في ميزان القوى، إن جاز التعبير، بعدما أصبحت أندية الدوري الإنجليزي الممتاز تدفع أجورا للاعبين لا تستطيع الأندية الإيطالية تحملها، وذلك بسبب العائدات القياسية للبث التلفزيوني وشراء مليارديرات بعض الأندية الإنجليزية. ونجح برشلونة وريال مدريد في مجاراة هذا التطور من خلال الفوز ببطولة دوري أبطال أوروبا وتدعيم مكانتهما بوصفهما من أعرق الأندية العالمية، في الوقت الذي كانت فيه الأندية الإيطالية مشغولة بالمشاحنات المتعلقة بفضيحة ترتيب نتائج مباريات كرة القدم في الدوري الإيطالي، التي تعرف باسم «فضحية الكالتشيوبولي».وحتى الدوري الألماني الممتاز، الذي يضم أندية غنية وتدار بشكل جيد، قد تفوق في التصنيف القاري على الدوري الإيطالي. وبحلول عام 2014، كتب الصحافي غياني مورا في صحيفة «لا ريبوبليكا» الإيطالية يقول إنه لم يسبق له أن رأى «الدوري الإيطالي الممتاز بهذا السوء الفني». لذلك عندما ارتقت إيطاليا مرة أخرى إلى المركز الثالث في تصنيف أقوى الدوريات الأوروبية الشهر الماضي، لم يكن الأمر يستدعي احتفالا كبيرا من جانب الإيطاليين، لأن الأمر لا يعني شيئا من الناحية العملية، حيث إن الدوريات الأربعة الكبرى سوف يشارك كل منها بأربعة فرق في دوري أبطال أوروبا بدءا من عام 2018 على أي حال. لكن تجاوز ألمانيا للمرة الأولى منذ 7 سنوات يعد شيئا إيجابيا للكبرياء الإيطالي الجريح.وثمة أمل في أن يكون ذلك تأكيد على أن الكرة الإيطالية بدأت تعود إلى مسارها الصحيح. وفي الوقت الذي كتب فيه مورا هذه الكلمات، كان يوفنتوس يحقق أرقاما قياسية في الدوري الإيطالي، لكنه فشل في الوصول إلى دور الستة عشر في دوري أبطال أوروبا. وحتى النادي الإيطالي الوحيد الذي وصل لدور الستة عشر في ذلك الموسم، وهو نادي ميلان، خسر بخمسة أهداف مقابل هدف وحيد في مباراتي الذهاب والعودة أمام أتلتيكو مدريد الإسباني.وعلى الصعيد المحلي، كان الاتجاه التكتيكي السائد هو الناحية الدفاعية البحتة. وقال مورا: «لقد عادت الكاتيناتشيو (الطريقة الدفاعية الإيطالية) في أبسط صوره». لكن منذ ذلك الحين، وصل يوفنتوس إلى المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا مرتين، وتحول الدوري الإيطالي الممتاز إلى بطولة قوية للغاية من الناحية الهجومية، وبات معدل إحراز الأهداف مرتفعا للغاية (2.88 في المباراة الواحدة) هذا الموسم، وهو ما يفوق معدل إحراز الأهداف في أي دوري من الدوريات الخمس الكبرى في أوروبا. وحدث الشيء نفسه الموسم الماضي أيضا، ويكفي أن نعرف أن مباراة واحدة فقط من بين 49 مباراة لعبت في الدوري الإيطالي الممتاز حتى سبتمبر (أيلول) الماضي قد انتهت بالتعادل السلبي.وبعد الحصول على 6 ألقاب متتالية للدوري الإيطالي الممتاز، باتت هيمنة يوفنتوس مهددة بقوة من جانب نادي نابولي، الذي لم يكتف بالفوز في أول 7 مباريات خاضها في الدوري الإيطالي الممتاز خلال الموسم الحالي، لكنه سجل 3 أهداف على الأقل في كل مباراة من هذه المباريات السبع. ومثلما ارتقى نادي ميلان بقوة في أواخر الثمانينات من القرن الماضي على يد بائع سابق للأحذية، وهو أريغو ساكي، فإن نادي نابولي يشهد طفرة الآن على يد رجل كان يعمل في أحد البنوك وهو في الثالثة والأربعين من عمره. وربما يكون من السهل تحمل المخاطر عند القيام بـ«الوظيفة الوحيدة التي سأفعلها مجانا»، على حد قول المدير الفني لنابولي موريزيو ساري.وعلاوة على ذلك، لم يكن الدوري الإيطالي الممتاز مكانا مناسبا للمواهب الشابة، لكن الوضع تغير تماما هذه الأيام، ويكفي أن نعرف أن لاعب جنوا بيترو بيلغري، الذي ولد عام 2001 أصبح أصغر لاعب يشارك في مباراة بالدوري الإيطالي الممتاز عبر تاريخ المسابقة، وأصبح أصغر لاعب يحرز هدفين؛ عندما أحرز هدفين في مرمى لاتسيو الشهر الماضي. وأعاد المدافع فيديريكو تشيزا، البالغ من العمر 19 عاما، للذكريات اسم والده، إنريكو، في نادي فيورينتينا، في الوقت الذي أنفق فيه ميلان أكثر من مائتي مليون يورو على التعاقدات الجديدة، وبدأ يشرك لاعبين صغارا في السن مثل جيانلويغي دوناروما في حراسة المرمى وباتريك كوتروني في خط الهجوم.وكانت البداية صعبة لنادي ميلان في الدوري الإيطالي هذا الموسم، حيث خسر 3 مباريات، لكن الطموح الذي أبداه ملاكه الجدد، فضلا عن التطور الذي يشهده إنتر ميلان، يعيد الحماس والمنافسة الشديدة على لقب الدوري الإيطالي الممتاز. وقد حقق ميلان أعلى نسبة حضور جماهيري في التصفيات المؤهلة للدوري الأوروبي، عندما جاء 65.673 مشجعا لرؤية ناديهم المفضل وهو يسحق نادي كرايوفا الروماني. وبعد أسابيع قليلة، حضر 51.752 مشجعا لمشاهدة إنتر ميلان وهو يفوز على فيورينتينا في الدوري الإيطالي الممتاز، ليكون بذلك أكبر حضور جماهيري لإنترميلان في مباراة بشهر أغسطس (آب) الماضي منذ حصول النادي على الثلاثية في موسم 2009 -2010. وزاد متوسط الحضور الجماهيري في الدوري الإيطالي الممتاز بأكثر من 1500 مشجع في المباراة الواحدة بالمقارنة مع الموسم الماضي. وقد لعبت أندية ميلان وإنتر ميلان دورا في ذلك، والأمر نفسه ينطبق أيضا على نابولي وأتالانتا، لا سيما أتالانتا الذي يتحدى كل الظروف ويقدم أداء رائعا بمجموعة من اللاعبين الشباب الصاعدين من قطاع الناشئين بالنادي.صحيح أننا لم نعد إلى ذلك العهد الذي كنا نرى فيه منافسة شرسة على لقب الدوري الإيطالي الممتاز من جانب 7 أندية: يوفنتوس وميلان وإنتر ميلان وفيورينتينا ولاتسيو وروما وبارما، لكن هناك الآن تقارب في المستوى ربما بشكل أكبر من الماضي، وهو ما يسمح لثمانية أو تسعة فرق على الأقل بالمنافسة على إنهاء المسابقة ضمن المراكز الأربعة الأولى. ويعد مهاجم نابولي دريس ميرتينز أبرز لاعب في الدوري الإيطالي الآن، بعدما أحرز 24 هدفا وصنع 11 أخرى في الدوري الإيطالي منذ بداية 2017. كما يضم نادي لاتسيو اللاعب تشيرو إيموبيلي، الذي سجل 13 هدفا هذا الموسم ولم يتفوق عليه في الدوريات الخمسة الكبرى في أوروبا سوى ليونيل ميسي، كما يملك نادي تورينو آندريا بيلوتي، وهناك أيضا بابو غوميز في أتالانتا.ورغم ذلك، فإن الأمور لا تبدو وردية بالكامل في الدوري الإيطالي الممتاز، فرغم أن عددا من الأندية قد سار على نهج يوفنتوس عن طريق بناء ملاعب جديدة أو امتلاك بعض الملاعب الموجودة بالفعل، فإن الأمور لا تزال تسير ببطء شديد. وتشير الأرقام التي نشرتها مؤسسة «كي بي إم جي» إلى أن نمو إيرادات الدوري الإيطالي الممتاز بين عامي 2011 - 2012 و2015 - 2016 كان أبطأ من أي دوري آخر في الدوريات الكبرى في أوروبا. كما زادت الفجوة بين أندية القمة وأندية المؤخرة على نطاق أوسع. وأشار استطلاع للرأي أجرته «غازيتا ديلو سبورت» إلى أن 58 في المائة من القراء يؤيدون تقليل عدد الفرق المشاركة في الدوري الإيطالي الممتاز إلى 18 فريقا أو أقل من ذلك.وبصفة عامة، فإن الإيجابيات أكثر من السلبيات بكثير. كما أن الاعتماد على تقنية الفيديو لمساعدة الحكام كان له أثر إيجابي للغاية، على الرغم من بعض النقاشات الساخنة في هذا الصدد. في النهاية، لا يزال أمام الدوري الإيطالي الممتاز طريق طويلة قبل أن يعود مرة أخرى الدوري الأفضل والأجمل في عالم كرة القدم، لكن زيادة إحراز الأهداف، وقلة عدد الأخطاء المرتكبة في المباريات، وزيادة عدد اللاعبين الشباب، كلها مؤشرات على أن الدوري الإيطالي الممتاز يسير في الطريق الصحيحة.
مشاركة :