بلاغة الصورة

  • 8/24/2013
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في حمَى التصريحات والتصريحات المضادة ينسى السياسيون اليوم ما قالوه أمس، لكن التلفزيون لا ينسى بل يقف لهم بالمرصاد: كثر من المصريين يعودون اليوم للمحاججة بأرشيفهم من الأشرطة لإثبات ما قاله خصومهم بالأمس. يبدو ذلك وسيلة الأحزاب والقوى المدنية في معركتها مع جماعة «الأخوان المسلمين» والرئيس المعزول محمد مرسي، فأرشيف تصريحاته خلال الفترة التي سبقت انتخابه ووصوله للرئاسة المصرية يحتشد بوعود وعهود قطعها على نفسه للشعب كما لتلك الأحزاب والقوى السياسية ونسيها بعد ذلك. التلفزيون لا ينسى، هو شاهد يعيد سرد الواقعة بالصوت والصورة ما دفع ويدفع مزيداً من المصريين للاستنجاد به ليسعفهم في جدلهم العاصف الذي ارتفعت حدَته بل وسخونته أخيراً حتى وصل إلى حالة العنف التي نراها اليوم. تفعل الأحزاب والقوى المدنية هذا فيما يلوذ مناصرو الجماعة بالقول الشائع «احنا ولاد اليوم» إدراكاً منهم بأن العودة لأرشيف التلفزيون ليست في مصلحتهم، بل هي أكثر من ذلك يمكن أن تقدم «رواية» مغايرة وتفسيراً معاكساً لما يقدمونه اليوم من تفسيرات لما يحدث في شوارع المدن المصرية. هنا بالذات تبدو الأشرطة لتصريحات محمد مرسي وجماعته أكثر بلاغة من حججهم، وهي تعيد تركيب المشهد بكامله، وحتى أنها تعيد سرد الحكاية كما يقولون من «طقطق وحتى السلام عليكم»، أو من بدايات حملة ترشيح محمد مرسي وحتى عزله من منصبه بعد الثلاثين من أيار (مايو) الماضي، التاريخ الذي يعتبره المصريون تاريخ ثورتهم الثانية وتعتبره الجماعة تاريخ الإنقلاب العسكري. إنه عصر التلفزيون بامتياز، وهو بهذا المعنى يستعيض عن البلاغات اللغوية المكتوبة والشفوية ببلاغة الصورة التي تجمع عناصر يصعب دحضها أو التنصل منها خصوصاً حين يتعلَق الأمر بمشاهد الخطب السياسية الرسمية والمؤتمرات الصحافية التي يصعب العبث بها بوسائل الفوتوشوب لسبب بسيط أنها متوافرة لدى قنوات تلفزيونية كثيرة. هي الصورة إذن، ما يدفع من يفكرون في إنكارها للكف عن محاولاتهم والذهاب إلى وسائل أخرى نراها اليوم تتجه نحو التركيز على اللحظة الراهنة مرة، ونحو «تفسير» وثائق الأرشيف بصورة تعاكس معانيها الواضحة مرَة أخرى. هي حرب الصورة أو بالأدق حرب السياسة ولكن بالصوت والصورة.

مشاركة :