المخطوطات كنوز ثمينة مهددة بالتلف والضياعإن المخطوطات القديمة تمثل المصدر الحي للتاريخ والتراث العلمي والإنساني، وعلى الرغم من هذه الأهمية الكبيرة للمخطوطات فلا تزال المخطوطات بمصر في حاجة إلى تدخل عاجل من جانب الجهات المسؤولة عن الثقافة لإنقاذها من التلف والضياع.العرب [نُشر في 2017/10/13، العدد: 10780، ص(14)]الحفاظ عليها حفاظ على أنفسنا القاهرة - تعاني المخطوطات القديمة في مصر من التشتت، حيث تتوزع مئات الآلاف منها بين أكثر من جهة، ومنها دار الكتب والوثائق القومية ومكتبة جامعة الأزهر ومكتبة الإسكندرية والمكتبة المركزية في جامعة القاهرة، بالإضافة إلى مكتبات أخرى. كما وجد باحثون مهتمون بالمخطوطات عددا هائلا من أندر المخطوطات في أماكن لم يكن من المتوقع العثور عليها فيه، مثل مكتبة مسجد السيدة زينب بالقاهرة، كما وُجد بعضها في مسجد السيد البدوي بمحافظة الغربية، وبمسجد المرسي أبي العباس والنبي دانيال بالإسكندرية. وقد تمّ تقدير عددها بحوالي 132 ألف مخطوطة. قواعد بيانات لاختلاف نوعية المخطوطات في ما بين ورق وجلد وغيرهما من المواد، وما يتطلبه كل نوع من نظام معين للحفظ والترميم والتهوئة حفاظا على حالته من التلف، استعان خبراء الترميم بأحدث الوسائل التكنولوجية في هذا الشأن، وتم التعاون بين دار الكتب والوثائق القومية، ومركز معلومات رئاسة الوزراء، ومؤسسة الأهرام ، لتنفيذ أول مشروع لحفظ وتوثيق الوثائق في العالم الإسلامي، ونسخ كل هذا التراث على “الميكروفيلم”، وبالتقنية الرقمية “الديجيتال”، وحفظت جميع هذه المخطوطات في “مبنى دار الكتب” بباب الخلق، والذي يترقب افتتاحه الكثير من المتخصصين والمهتمين بالمخطوطات القديمة بعد ان قامت الدولة بتحديثه وتزويده بالتكنولوجيا التي تضمن عرض هذه الوثائق وسهولة اطّلاع الباحثين عليها.المخطوطات القديمة كانت تفتقد لأسلوب الحفظ الجيد في العصور الماضية، مما كان يجعلها عرضة للتلف والضياع يؤكد يوسف العطفي، خبير في حفظ المخطوطات القديمة، أن المخطوطات كانت تفتقد لأسلوب الحفظ الجيد في العصور الماضية، مما كان يجعلها عرضة للتلف والضياع، وهذا ما حدث بالفعل لبعض المخطوطات، وذلك نتيجة سوء التخزين وسوء التهوئة. وقد قام مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري بإقامة مشروعات لتوثيق التراث من خلال بناء قواعد بيانات للمخطوطات داخل مصر، مثل موقع دار الكتب، ومكتبة الأزهر، وبعض مخطوطات وزارة الأوقاف كالموجودة في مسجد السيدة زينب، وقد تم تطوير وتحديث المخطوطات بأكثر من عشرين موقعا آخر على مستوى الجمهورية. ويضيف العطفي “بالتعاون مع خبراء المخطوطات في مصر وخبراء نظم المعلومات بمركز معلومات مجلس الوزراء، تم الاتفاق على بناء نظام المخطوطات المتطور وفقا لأحدث النظم والمقاييس العالمية، وزود بإمكانيات واسعة للبحث واسترجاع البيانات، بالإضافة إلى إمكانية إصدار مجموعة متنوعة من التقارير والإحصائيات، تتميز بإمكانيات كبيرة في عمليات الفهرسة والتصنيف والتوثيق، فضلا عن الانتهاء من نسخ جميع المخطوطات الموجودة بدار الكتب على الميكروفيلم”. وأوضح العطفي، أن مخزن المخطوطات له مواصفات معينة، بناء على الفترة الزمنية لكل مجموعة من المخطوطات، والتي تحفظ كلا منها بشكل مستقل وبوسائل مختلفة وفي درجات حرارة معينة تتوافق مع تركيبة الورق ونوعه والفترة التاريخية التي كتبت فيها والزمن الذي كتبت فيه، والتي كان من الصعب عملية تحديدها، لا سيما وأن فهرسة المخطوطات في العصور السابقة لم تكن بالدقة الكافية للاستدلال على موضوعاتها وتواريخ كتابتها. ويضيف “ونظرا إلى ارتفاع تكلفة إنشاء مخزن مطابق للمواصفات، فقد تم تجميع المخطوطات في دار حفظ واحدة، كما في دار المخطوطات في باب الخلق، ويتم عرض تلك المخطوطات في جميع أنحاء مصر من خلال النسخة الرقمية الديجيتال والميكروفيلم، وهما من أهم وسائل الحفظ والعرض”.تجميع مخطوطات من عشرين مكاناً مختلفاً لكن مع ذلك لا تزال الحاجة قائمة إلى وجود جهة واحدة أو جهاز قومي متخصص للحفاظ عليها من جانبه يؤكد محمد حسان، خبير المخطوطات التركية في دار الكتب والوثائق القومية في مصر، أنه نظرا إلى التاريخ الطويل لمصر وللمنطقة العربية فقد تراكم لديهما كم ضخم من المورث الحضاري الزاخر والمليء بالعلوم والآداب والتاريخ والحكمة، والذي خلفته الأجيال والحضارات المتعاقبة. موروث مهدد يقول محمد حسان “ما كنا نستطيع الوصول إلى هذا الموروث لولا المخطوطات التي كان الأوائل يقومون من خلالها بعملية التوثيق عبر الأزمنة المختلفة. وفي الآونة الأخيرة اكتشف الباحثون المعاصرون أهمية تجميع هذا الكم الهائل من المخطوطات التي لدينا في مكان واحد يتم فيه حفظها وفهرستها بأحدث الوسائل العلمية، ما يضمن الحفاظ عليها من التلف والضياع اللذين يسببهما سوء التخزين والعوامل الجوية. وبالفعل فقد تم تجميع هذه المخطوطات من عشرين مكاناً مختلفاً كدار الكتب المصرية، لكن مع ذلك لا تزال الحاجة قائمة إلى وجود جهة واحدة أو جهاز قومي متخصص للحفاظ على هذه المخطوطات من الضياع أو من التلف أو حتى لحمايتها من السرقة”. وعلى الرغم من أن جانبا كبيرا من الأزمة التي يحذر منها خبراء المخطوطات في مصر تتعلق بالمتطلبات المالية التي من الضروري توفيرها لتجميع هذه المخطوطات في مكان مناسب لها، وترميم ما تحتاج إليه من ترميم، إلا أن بكري سلطان الخبير في المخطوطات بوزارة الثقافة يلفت إلى جانب خطير من الأزمة التي تتعلق بهذه المخطوطات، وهو تعرّض أندر هذه المخطوطات للسرقة، مثل ما حدث فعلا مع واحدة من أندر المخطوطات في التاريخ الإسلامي، وهي المخطوطات المعروفة تاريخيا باسم “رسالة الإمام الشافعي”، والتي تعد من أكبر مصادر الفقه الإسلامي في تاريخ المسلمين على الإطلاق، وحيث اختفت هذه المخطوطة النادرة التي كتبها أحد أهم تلاميذ الإمام الشافعي، وهو الربيع بن سليمان، وقد كتبها وراجعها نحو ثلاثين مرة، واستغرق زمن كتابتها نحو خمس سنوات. ويضيف بكري سلطان، أنه بعد اكتشاف سرقة هذه المخطوطة النادرة التي تعد واحدة من أبرز المخطوطات الأساسية في تاريخ المسلمين، لم يعد لدينا أي مصدر آخر بنفس هذه القيمة لفقه الإمام الشافعي، لكن الصادم في هذه الواقعة، هو أنه بعد اكتشاف سرقة مخطوطة “رسالة الإمام الشافعي”، تم إجراء جرد على المخطوطات التي يحتمل أن تكون قد اختفت هي الأخرى، فتبين أن هناك 300 مخطوطة أخرى من أندر المخطوطات قد اختفت بالفعل.
مشاركة :