لم يعد اسمه صادماً وباعثاً للكآبة كما كان؛ لأن فلسفته في شرطة دبي، وتفاصيله المدهشة جعلت ورشة لتأهيل وإعادة صياغة من زلت به القدم، ليكتشف نفسه قادراً على الوصول إلى مكامن الخير المتوارية خلف الشر، لاستئناف الحياة وبدء مسيرة مختلفة تنطلق من خلف القضبان، وتمضي بالإنسان نحو دروب خضراء. في سجن مختلف تظله لافتة الإدارة العامة للمؤسسات العقابية في شرطة دبي، سنبحث عبر هذه السطور عن واقع مختلف لأصحاب الهمم، نزلاء، وزوار، وأيضاً موظفون يسجلون حضوراً في هذا المكان. مساواة العميد علي الشمالي، مدير الإدارة العامة للمؤسسات العقابية يؤكَّد أن ما توليه الإدارة من اهتمام بأصحاب الهمم من النزلاء يندرج تحت حرصها الشديد على ضمان تمتعهم بكافة الحقوق والواجبات على قدم المساواة مع الآخرين، ومنحهم أولوية تستدعيها خصوصيتهم حتى لا تضاف إليهم معاناة فوق معاناة فقدان الحرية، وهي القاسم المشترك بين كل النزلاء. وأضاف: هذه الأولوية التي يتمتع بها أصحاب الهمم من النزلاء، تتمثل في الخدمات المقدمة إليهم على قاعدة التمييز الإيجابي والسرعة العالية التي تحرص عليها الإدارة في إنهاء إجراءات خروجهم، وخصوصاً المحكوم عليهم بالإبعاد، حيث نتحمل تكلفة تذاكر السفر، كما نعمل على تسوية ما عليهم من مترتبات مالية، الأمر الذي أدى إلى خفض عدد النزلاء من أصحاب الهمم. طموح بدوره يوضح المقدم محمد الفلاسي، رئيس فريق أصحاب الهمم في المؤسسات العقابية، أن النزلاء من هذه الفئة محل عناية فائقة داخل المؤسسة في مختلف الأوضاع والخدمات وتوفير الاحتياجات، حيث خصصنا لهم على سبيل المثال، الأدوار الأرضية في العنابر تفادياً لصعوبات الصعود والنزول، كما حددنا دورات مياه مناسبة لهم وهيأنا دورات مياه أخرى لاستقبال الكراسي المتحركة التي نعمل على زيادة عددها باستمرار في الأماكن المختلفة، كما جهزنا كبائن اتصال هاتفية مناسبة، وراعينا خصوصيتهم في المطعم وغرف الزيارة ومنصة خدمة العملاء المخصصة لهم في الاستقبال، كما نعمل على التأكد من توافر المنحدرات (اللازمة للكراسي المتحركة) في كل الطرق التي يسلكها النزيل، والزائر، والموظف من أصحاب الهمم. أمومة خلف قضبان سجن النساء تبدو العناية بالنزيلات من صاحبات الهمم ذات خصوصية، حيث تؤكد المقدم جميلة الزعابي مديرة السجن، أنها وفريق العمل يحطن النزيلة من صاحبات الهمم باهتمام عالٍ تشارك فيه النزيلات الأخريات، بحيث تحظى النزيلة بتسهيلات خاصة، تعفى أحياناً من إلزامها بجدول زيارة السوبر ماركت أو تناول الطعام في المطعم، إذ يسمح لها في حالات محددة تقدرها الإدارة بأن يحمل لها طعامها إلى مكانها في العنبر، إضافة إلى الحرص على تسوية المترتبات المالية عليها، وتوفير تذكرة سفر لتعجيل مغادرتها البلاد إن كانت وافدة ومحكوماً عليها بالإبعاد. وحيدة (ف. أ. س) نزيلة من صاحبات الهمم، هي الوحيدة الآن من هذه الفئة خلف قضبان سجن النساء، ذات إعاقة سمعية جعلت من سجنها سجنين؛ لأنها تعيش في شبه عزلة عمن حولها إلا من حوار بسيط عبر لغة الإشارة مع مديرة السجن، لكنها رغم ذلك ممتنة للتعامل الراقي الإنساني الذي أحيطت به، والخدمات المتميزة التي تقدم لها، ومن أبرزها تجهيز تذكرة سفر لتكون بعد أيام من الآن بين أهلها في بلدها بعد تنفيذ العقوبة، لتحمل معها ذكريات طيبة عن علاقة احترمت إنسانيتها وأعطت إعاقتها حقها من المراعاة والتفهم. وفي القسم الذي لا يطول مكوث النزلاء فيه تبعاً لطبيعته (قسم الجنح) ثمة نزيلان من أصحاب الهمم كانا يستعدان للمغادرة، وقد دينا في جريمة التسول (ع. م. ن) و(ن. ن. م) ذوا إعاقة حركية، وجدا كما يؤكدان كل احترام في السجن، وتسهيلات مثل توافر دورات مياه تناسب إعاقتهما، وتعجيل إجراءات سفرهما مدفوع القيمة، بل تزويدهما بكراس متحركة من دون مقابل، ليأخذوها معهما إلى بلادهما مختتمين تجربة في سجن صديق لأصحاب الهمم.
مشاركة :