"مالك سيارة أجرة".. ليست مهنة فحسب بل هويّة

  • 10/14/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عندما يستعير جوزيف سيارة أجرة والده، لا يعني ذلك أنه باحث عن ركّاب، بل هو فقط يحاول قضاء حاجة التنقل "السريع"، بدل انتظار الباص -إن أتى- لنصف ساعة على الطريق العام، أو الصلاة "عشرين مرة لأبانا أو السلام، لتقطع سيارة أجرة" والوصول "على الوقت"، لا بعد الدوام بساعة ونصف، خصوصاً أن المسافة الفعلية بالباص بين منزله في الكاسليك، وعمله في الحمراء، هي ساعة ونصف. هكذا أصبحت النمرة الحمراء فخراً لعائلة أنطونيوس، وخلاص جوزيف من فعل الانتظار "تحت الشمس أو ميّ الشتيّ"، فسيارة التاكسي تلك كلّفتهم خمسة عشر ألف دولار أكثر من "حق سيارة جديدة من الشركة". هكذا اكتفى أنطونيوس بسيارة العائلة، "فالنمرة" الحمراء تفي حاجته في التنقل، ومع ذلك، يعيش الأخير غرائب الأمور "لأنه كل الناس بيفكروني تاكسي، مع إني ما بزمر للركاب"، ربما لأن اللبناني دائماً يربط بين فكرة: أن سائق سيارة الأجرة هذه، هو بالتأكيد اتخذ من الشوفرة مهنة! "ولكني لست شوفير تاكسي" على حد قوله. من أغرب القصص، وأطرفها، تلك المرة، حين صمم على طلب موعد غرامي من جارته الجميلة، المتأنقة. أخذ يفكر لثلاثة أيام للإجابة عن أسئلة: "أين آخذها؟ ماذا أقترح عليها؟ هل هي الطريقة المناسبة لإعلامها بإعجابي؟". دون تردد، قرر ذاك الأحد من نهاية أحد الأسابيع، التودد إليها، فطلب منها، على أساس أن الإعجاب متبادل، الخروج إلى مطعم فرنسي فاخر، مع علمه المسبق بأنه "مش رح يظمط من الفاتورة يلي رح تطلع طولو"، في ذاك المطعم في الكاسليك، والمفضل لجارته، رفيقته لهذه الليلة. تأخرت عن موعدها، فانتظرها، عملاً بإحدى القصائد التي أثّرت فيه: "انتظرها"، على الرغم من أنه ليس من نوع الرجال الصبورين، "بس أول موعد، حبيت أعطي فكرة عني إني رقيق"، على حد تعبيره. أكمل فعل الانتظار تحت شرفة المنزل، 30 دقيقة، وجوزيف ينتظر، على صوت "الاشبمان" الذي لم يجد والده مَن يصلحه بعد.. وعلى أنغام صوت درويش، "انتظرَها". حاول إضاعة الوقت بالتخّيل: تخيلها ترتدي فستاناً أحمر مثيراً، ربما أسود وقصير، ها هي تطل. ومع الخطوة الأولى سقط أول التوقعات: إنها ترتدي "جينز أميركي طويل"، أبعد أفكاره السوداء عن باله، فكأنها اختارت طريقة اللبس هذه؛ لأنه أتى بسيارة "تاكسي"، زمزم شفاهه؛ ليخفي تجهم الوجه، ولكنه لم يستطع كبح عواطفه لوقت طويل، فهو يعرف بينه وبين نفسه أن سبب عدم ارتداء الجارة فستانها الأحمر الذي ارتدته الأسبوع الماضي لأحد رجال السيارات الفخمة، هو سيارة التاكسي! لم ينطلق إلا بعد سؤالها: "فستانك الأحمر بالغسيل؟" مرفقاً عبارته هذه بنبرة "هجومية"، حاولت تلك الفتاة بنظرتها البريئة فك شيفراتها، لم تستطِع إيجاد أي جواب في مقلتيه، أشاحت بناظريها عنه، إشارة منها إلى أنه حان موعد الانطلاق، فياقوتي إحدى النساء "يلي ما عندن شغلة ولا عملة بالحي" والملقبة بمذياع الأخبار السارة وغير السارة، تنتظرهما أيضاً، على البالكون الجار لمنزل رفيقة هذا المساء، وصلا إلى المطعم. طبعاً جوزيف فكّر مسبقاً باحتمال أن "فالي الباركينغ" سيقف لسيارة التاكسي بالمرصاد، ككل سيارات زبائن المحل، ودرس كل احتمالات الهروب منه دون تسليمه مقود السيارة "هيدي السيارة تعبان عليها لرجعها لحالتها الطبيعية!" والتي ليست فعلياً بطبيعية، فالطلاء مال لونه على قدر ما مرّ الزمن عليه من أحمر إلى الزهريّ، والإسفنج كاد أن يغطي جزءاً متبقياً من الفرش. ومع ذلك قرر تسليم سيارته إلى "سيد المواقف، آخذاً بذلك أكثر القرارات جرأة، كإشارة منه إلى أن "كل شي بيرخص مشان عيون الحلوة، حتى السيارة"، علماً أن جميع زوّار هذا المطعم بالذات يعرفون تمام المعرفة، بأن "سيد المواقف" هذا لديه لذة ما بخلع مقاعد الأمامية للسيارة. في عقله اتخذ جوزيف خيار المخاطرة بسيارة العائلة وإعارتها لرجل آخر، غير أن الرجل الآخر على ما يبدو ما رضي بذلك؛ إذ إنه ما لبث أن رأى الفتاة حتى فتح لها الباب، مجنداً قدراته لمرافقة الفتاة إلى باب المطعم. دخلت الجارة وجلست، وجوزيف لم يأتِ بعد، دقيقتان، بل 3 وجوزيف لم يظهر، تعود الفتاة إلى موقف السيارات؛ لتجد "سيد المواقف" ما زال ينتظر ذهاب جوزيف، حتى يئس الأخير وسأله: أستاذ وصّلت البنت شو بعدك ناطر؟". جوزيف هذا اليوم بروفيسور في فرنسا، كتب وصحح نصف مغامراته.. بعد أن آمنت به هذه الفتاة، التي أعادها إلى منزلها، بأكثر المغامرات مرحاً! ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :