أوضح بنك الكويت الوطني، أن الاقتصاد السعودي مازال يواجه ركوداً في الطلب المحلي، وتراجعاً في ثقة المستهلك، بالإضافة إلى تأثير خفض الإنفاق الحكومي، بعد مرور أكثر من 3 سنوات على تراجع أسعار النفط. وأشار البنك في تقريره الاقتصادي، إلى قيام السلطات بخفض الدعوم على الطاقة والخدمات وفرض الضرائب وتجميد مكافآت القطاع الحكومي (رغم إعادتها الآن)، بالإضافة إلى خفض التكاليف ورفع مستوى الكفاءة في الوزارات. وبين التقرير أن هذه التدابير وغيرها، كالخصخصة والسعودة، تعد جزءاً من المبادرات الحكومية الثلاثية للتخطيط التنموي وهي، برنامج التحول الوطني للعام 2020، وبرنامج تحقيق التوازن المالي ورؤية السعودية 2030، منوهاً بأنه ونظراً لأهمية دور تلك المبادرات في تحقيق الاستدامة المالية والتنويع الاقتصادي، فقد رحّبت الأوساط الاقتصادية بها بعد انتظار مطوّل. وذكر أنه فيما شهدت الأوضاع المالية في السعودية استقراراً نسبياً مع توقعات بتراجع العجز في 2017 للمرة الأولى منذ 3 سنوات، جاء نشاط المستهلك سلبياً، متوقعاً أن يتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي للمرة الأولى منذ العام 2009 في أعقاب خفض المملكة إنتاجها النفطي بنسبة 4.6 في المئة، وفقاً لاتفاقية الدول من «أوبك» وخارجها الموقّعة في نوفمبر الماضي. وتابع التقرير أن السلطات رأت الأثر الاجتماعي والاقتصادي الذي قد يترتب على المضي في تطبيق الإصلاحات بوتيرة سريعة جداً، بحيث أشارت أخيراً إلى توجهها لإعادة دراسة برنامج التحول الوطني، ووضع خطط أكثر واقعية قبل إصدار النسخة 2.0 التي تم تأجيلها إلى شهر أكتوبر الجاري. وتوقع أن يتراجع النمو بشكل كبير من 1.7 في المئة عام 2016، إلى 0.6 في المئة هذا العام، تماشياً مع تشديد السلطات جهودها لخفض الإنتاج وفق الاتفاقية، إلى ما يقارب 5 في المئة من سقف إنتاجها البالغ 9.95 مليون برميل يومياً في أغسطس. ورجح أن يستعيد نمو الناتج المحلي الإجمالي قوته العام المقبل بواقع 0.9 في المئة، تماشياً مع تعافي النمو النفطي نتيجة ارتفاع طفيف في إنتاج النفط والغاز والنمو غير النفطي، نتيجة قوة إنفاق المستهلك واتخاذ السلطات سياسة مالية توسعية. وأفاد التقرير أن عودة مكافآت القطاع الحكومي، ستساهم في إنعاش طلب المستهلك، ولكن سيتحتم على السلطات التحكم بها عندما يحين وقت الخفض التالي للدعم على الطاقة المزعم تنفيذه في شهر أكتوبر الجاري والذي سيؤثر حتماً على الدخل المتاح. وتابع أن بيانات الاقتصاد غير النفطي جاءت متفاوتة، إذ تراجع الناتج المحلي الإجمالي في النصف الأول من هذا العام بواقع 0.8 في المئة على أساس سنوي نتيجة تراجع إنتاج النفط والغاز، بينما سجل القطاع الخاص نمواً ضعيفاً بواقع 0.7 في المئة على أساس سنوي، بينما بدأت المؤشرات الرئيسية لإنفاق المستهلك بالارتفاع ولكن ببطئ، كمعاملات نقاط البيع وأجهزة السحب الآلي ومؤشر مديري المشتريات ونمو ائتمان القطاع الخاص. وأشار التقرير إلى أنه مع بلوغ مستويات الائتمان الممنوح للقطاع الخاص ونمو القروض الاستهلاكية (- 1.5 في المئة) على أساس سنوي في يوليو و(-0.8 في المئة) على أساس سنوي في يونيو، سيكون من الصعب تحقيق تصوّر رؤية السعودية للعام 2030 لنشاط القطاع الخاص. ورأى التقرير أن المؤشرات الاجتماعية مازالت مصدر قلق، وأهمها البطالة السعودية ومشاركة الإناث في قوى العمل، إذ تسير كل من البطالة السعودية ومشاركة الإناث في العمل باتجاهات معاكسة، في ظل محاولة السلطات خفض نسبة البطالة إلى 9 في المئة بحلول العام 2020، ورفع مشاركة الإناث إلى 28 في المئة. وكشف التقرير أن معدل البطالة بلغ 12.7 في المئة خلال الربع الأول من العام 2017، مقارنة مع 12.3 في المئة عام 2016. وذكر أن بعض المؤشرات تفسّر هذا الارتفاع بتراجع التوظيف بشكل عام، وليس بقياس الزيادة في سوق العمل السعودي، إذ يتبين أن العمالة السعودية قد تقلصت في الفترة بين الربع الرابع من العام 2016 إلى الربع الأول من 2017 بنحو 160 ألف شخص، شكلت الإناث 120 ألفا من هذا العدد (بنسبة 80 في المئة)، ما يعني أن نسبة مشاركة الإناث قد تراجعت من 19.3 في المئة بالربع الرابع من العام 2016، لتصل إلى 17.4 في المئة بالربع الأول من العام 2017. واعتبر التقرير أن الأمور قد بدأت بالتغير تدريجياً، بحيث ستشهد الممكلة تطوّراً كبيراً جداً على المستويين الاجتماعي والاقتصادي بعد إصدار مرسوم ملكي يسمح للمرة الأولى بقيادة المرأة في السعودية، اعتباراً من يونيو 2018. ورأى أنه بجانب الزيادات التي سيشهدها نشاط سوق السيارات والتأمين والصناعات الاستهلاكية، من المفترض أيضاً أن تنتعش الإنتاجية في المملكة بشكل كبير على خلفية الارتفاع المتوقع لمشاركة الإناث في سوق العمل بعد هذا القرار. وأوضح التقرير أنه بالنظر إلى الضغوط التي يواجهها طلب المستهلك، فمن غير المفاجئ أن يسجّل الاقتصاد غير النفطي انكماشاً خلال العام 2017، إذ استمرت أسعار المستهلك بالتراجع بواقع 0.1 في المئة على أساس سنوي في أغسطس، بالإضافة إلى تراجع أسعار خدمات المسكن والمواد الغذائية والنقل والمواصلات، وهي أهم 3 قطاعات مساهمة في وزن المؤشر، في وقت كان من المفترض أن تنكمش الأسعار بصورة أكبر بكثير لولا فرض الضريبة الانتقائية على المشروبات الغازية والتبغ في يونيو، والتي ساهمت في زيادة أسعار المواد الغذائية والمشروبات، كما رفعت أسعار التبغ بنحو 100 في المئة على أساس سنوي. وأكد أنه مع ركود الطلب، لا يتوقع أن يتجاوز التضخم نسبة 0.2 في المئة بالمتوسط خلال هذا العام، مرجحاً أن تتغير الأمور في العام 2018، نظراً للتوقعات بارتفاع الأسعار بواقع 2.5 في المئة بالمتوسط، نتيجة تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 في المئة خلال يناير، ونتيجة تعافي إنفاق المستهلك بصفة عامة، كما سيلعب ضعف الدولار دوراً مهماً، إذ سيساهم في ارتفاع السلع المستوردة من خارج أميركا. ولفت التقرير إلى أن الأوضاع المالية للمملكة بدأت بالتحسن في العام 2017، إذ تراجع عجز الموازنة من 149 مليار ريال (40 مليار دولار) في النصف الأول من العام 2016، إلى 73 مليار ريال (19 مليار دولار) بحلول النصف الثاني من العام 2017، أي أقل من توقعات الحكومة التي قدرت العجز بنحو 99 مليار ريال (26 مليار دولار)، ما يعكس تحسناً كبيراً في مستوى الإيرادات النفطية التي ارتفعت بواقع 63 في المئة على أساس سنوي نتيجة ارتفاع أسعار النفط (حيث ارتفع إجمالي الإيرادات بواقع 6 في المئة على أساس سنوي). ونوه التقرير بأن هذا التحسن يعكس أيضاً التشديد المالي، إذ تراجعت المصروفات بواقع 1.9 في المئة على أساس سنوي، بعدما حدّت السلطات من تكاليف بعض المشاريع وجمّدت رواتب القطاع الحكومي وخفضت العلاوات. وكشف التقرير أن المصروفات الحكومية سترتفع مستقبلاً نتيجة عودة العلاوات في يوليو، بالإضافة إلى ارتفاع وتيرة مشاريع البنية التحتية التي تتسارع عادة في النصف الثاني من العام ومدفوعات الفائدة، بسبب قوة برنامج الصكوك والسندات العالمية. وشدد على أنه إذا طبقت الحكومة خفض الدعم على الطاقة في أكتوبر الجاري كما هو مخطط له، وبالأخص على الغازولين ونفط الوقود، ستتمكن حينها من الاعتماد على المزيد من المدخرات.
مشاركة :