صحيفة المرصد: روت زوجة أول سفير للاتحاد السوفيتي بالمملكة العربية السعودية، السيدة خديجة خانم، اللحظات الأخيرة من حياة زوجها (الباشا الأحمر كريم حكيموف)، وكيف كان شعرة معاوية التي قصمت ظهر العلاقات بين السعودية وروسيا. وأكدت السيدة خديجة أن “حكيموف” (هذا الدبلوماسي المسلم) كان مقربًا من الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية، مشيرة إلى النهاية المأساوية له على يد “ستالين”، في شتاء عام 1937م. وقالت “خديجة”: في ذلك الشتاء القارس حلت بنا المأساة، لقد داهموه في منتصف الليل، وانتزعوه من بيننا، وحملوه في سيارة سوداء كنت أراقبها عن بعد ومعي فلورا الصغيرة ابنتي إلى أن غابت بعيداً في شوارع موسكو التي كانت تكسوها الثلوج البيضاء، أخذوه وذهب إلى الأبد. وتروي السيدة خديجة جانبًا مشرقًا من حياتها في السعودية مع حكيموف في لقاء لها بصحيفة “المجلة”، وكيف كان الملك عبد العزيز عطوفًا رحيم القلب عندما علم بخبر وفاة ابنها شامل، أثناء زيارته لهم في منزلهم في جدة. وأكدت “خديجة”: كنا نشعر أنه يخصنا بمعاملة خاصة، وذلك ربما كان يشعر بمدى ما يعانيه المسلمون السوفييت على أيدي رجال ستالين، متابعة: أتذكر آخر زيارة له وما دار خلالها، لقد جاء مشياً تحيط به ثلة من المرافقين، وعندما شاهد حكيموف جلالته وهو مقبل هرع على الفور مُرحباً كعادته، فدخل جلالته ومرافقوه إلى ديوان الضيوف في الطابق الأرضي من منزلها الذي كان هو نفسه مقر القنصلية. جلس زوجي مقابل الملك عبدالعزيز، فانهمكا في حديث ودي تخللته أسئلة سمعت جلالته يطرحها، وأغلبها يتعلق بأوضاع المسلمين في الاتحاد السوفييتي وأحوال البلاد والمشاريع الاقتصادية الجديدة التي تنفذ هناك. وواصلت “خديجة” حديثها: كنت في الغرفة المجاورة، أحاول متابعة الحديث بين جلالته وحكيموف، لقد كنت أحاول التغلب على حزني ودموعي، وأحاول كبت ما في نفسي، لكنني وفي لحظة تغلبت فيها العاطفة على العقل لم أتمكن من السيطرة على ما كنت أقاومه فانفجرت باكية وبصوت مرتفع. وأردفت: عندها تنبه الملك عبدالعزيز لبكاء خديجة، فسأل حكيموف بصوت مرتفع وبتأثر واضح: يا حاج عبدالكريم إنني أسمع نحيباً فما سبب هذا النحيب. لعله خير إن شاء الله؟ هنا رد حكيموف مرتبكاً وهو يحاول إخفاء انفعاله: إنها زوجتي يا طويل العمر، لقد وافت المنية ولدي الصغير شامل ليلة أمس. بعد إصابته بمرض الزحار (داء يصيب الأمعاء) الذي أودى بحياته. تتابع “خديجة “: هنا هب الملك عبدالعزيز واقفاً واستأذن الدخول إلى جثمان شامل مقترباً منه وردد مرات عدة، يرحمه الله، يرحمه الله، وألهمكم شأنه الصبر والسلوان. ووصفت “خديجة” هذه اللحظة بالتي لا يمكن وصفها، لقد كان الملك حينها غاية التواضع، وأمر بإقامة عزاء رسمي، وأمر بأن يدفن ابننا شامل في مكة المكرمة. الجدير بالإشارة أنه في 6 سبتمبر استدعي حكيموف إلى موسكو حيث اعتقل، ثم أعدم رمياً بالرصاص في 10 يناير عام 1938. وقبل ذهابه إلى موسكو، اقترح الملك عبد العزيز آل سعود، على حكيموف اللجوء السياسي في السعودية بعد تلقيه برقية من موسكو تطالب بعودته الفورية إلى الاتحاد السوفييتي، لكن حكيموف رفض هذا الاقتراح. وفي عام 1938 اتخذ الملك عبدالعزيز قراراً بعدم استقبال سفير سوفييتي جديد، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفييتي احتجاجاً على إعدام صديقيه كريم حكيموف.
مشاركة :