الازدياد المتواصل في عدد سكان العالم، والتغير المناخي وآثاره على الزراعة وإنتاج الغذاء، وهجرة الأيدي العاملة ورحيلها عن المناطق الريفية، كلها تحديات حقيقية تواجه جهود الأسرة الدولية وخططها وبرامجها الرامية لتوفير الغذاء والقضاء على الجوع والفقر في جميع أنحاء العالم، وتحتفل الأسرة الدولية مع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة " الفاو" غدا بيوم الأغذية العالمي الموافق 16 أكتوبر من كل عام، وهو اليوم الذي يوافق التاريخ الذي أنشئت فيه المنظمة عام 1945.. ففي ذلك التاريخ أنشأ 42 بلداً في كيبيك في كندا منظمة الأغذية والزراعة " الفاو" في خطوة هامة على طريق كفاح الإنسان المستمر ضد الجوع وسوء التغذية، وقد وضعت تلك البلدان لنفسها وللدول الأخرى التي انضمت لاحقاً إلى المنظمة، آلية يمكن من خلالها التصدي لمجموعة من المشاكل الغذائية والزراعية التي تشكل مصدر قلق للبلدان والشعوب كافة. ويوم الأغذية العالمي هو يوم عمل سنوي مكرس لمعالجة الجوع في العالم، تجتمع فيه الجهات المعنية في كل بلد لتأكيد التزامها بالقضاء على الجوع في جميع أنحاء العالم، وتنظم بهذه المناسبة الفعاليات في أكثر من 150 بلدا، ما يجعل المناسبة واحدة من الأيام الأكثر شهرة في أجندة الأمم المتحدة، وعلى الرغم من أن الفعاليات تركز على أن الغذاء حق أساسي من حقوق الإنسان، نجد في عالم اليوم أكثر من 800 مليون شخص يعانون من الجوع المزمن، كما أن 60 في المائة من النساء وحوالي خمسة ملايين طفل دون سن الخامسة يموتون سنويا لأسباب تتعلق بسوء التغذية. ويهدف الاحتفال بهذا اليوم بين أمور أخرى إلى تشجيع كل الجهات والأطراف على توجيه قدر أكبر من الاهتمام إلى الإنتاج الزراعي في جميع البلدان، وبذل جهود أكبر لتحقيق هذا الغرض، وتشجيع نقل التكنولوجيا إلى بلدان العالم الثالث، وتعزيز التضامن الدولي في الكفاح ضد الجوع وسوء التغذية والفقر، وتشجيع مساهمة سكان الأرياف ولاسيما النساء في اتخاذ القرارات والأنشطة التي تمس ظروف حياتهم، وتشجيع التعاون الاقتصادي والتقني فيما بين البلدان النامية. ويأتي الاحتفال بهذا اليوم هذا العام تحت شعار " فلنغير مستقبل الهجرة : نستثمر في الأمن الغذائي والتنمية الريفي"، نظرا للدور الحاسم الذي تلعبه الهجرة في عملية التنمية والقضاء على الفقر والجوع في مختلف دول العالم، فالهجرة داخل الوطن أو خارجه، سواء كانت هجرة دائمة أو مؤقتة، تبقى المعول الرئيسي الذي يهدم الخطط والجهود التي تقوم بها الجهات المحلية والإقليمية والدولية، علما بأن المناطق الريفية تبقى ميدان النجاح أو الفشل لهذه الجهود خاصة وأن معظم الجوعى البالغ عددهم 800 مليون نسمة يعيشون في المناطق الريفية، واذا ما نجحت جهود الأسرة الدولية في القضاء على الجوع، فسوف يكون بالإمكان تغيير أشياء كثيرة في حياة ومعيشة سكان العالم في المدن والقرى على حد سواء، وعلى سبيل المثال سيكون بإمكان المجتمعات تحقيق الاكتفاء الذاتي وجذب الاستثمارات الطويلة الأجل التي تؤتي ثمارها من أجل الأجيال القادمة، وستكون الأسرة الدولية قد وضعت يدها على الحلقة المفقودة في المساعي الرامية لتحقيق مستقبل أكثر إشراقاً للبشرية في جميع أنحاء العالم. يعتمد ثلاثة أرباع الفقراء في سبل عيشهم على الزراعة أو الأنشطة الريفية الأخرى، ولاشك أن تهيئة الظروف التي تسمح لسكان الريف، ولا سيما الشباب، بالبقاء في ديارهم، عنصر حاسم في أي خطة لمواجهة تحدي الهجرة، ويمكن للتنمية الريفية أن تعالج العوامل التي تجبر الناس على التحرك من خلال خلق فرص أعمال تجارية وفرص عمل للشباب لا تستند إلى المحاصيل فقط ، مثل المشاريع الصغيرة لإنتاج الألبان أو تربية الدواجن، أو تجهيز الأغذية، أو مشاريع البستنة. ويمكن للتنمية الريفية أن تؤدي أيضا إلى زيادة الأمن الغذائي، وجعل سبل العيش أكثر قدرة على الصمود، وتحسين فرص الحصول على الحماية الاجتماعية ، والحد من الصراع على الموارد الطبيعية، وإيجاد حلول للتدهور البيئي، وتغير المناخ. ولا يتجه المهاجرون إلى البلدان الغنية فقط ، بل يصل العديد منهم إلى الدول النامية بحثا عن ظروف أفضل ، مما يخلق توترات حيث الموارد شحيحة بالفعل ، ولكن الأغلبية من المهاجرين والتي تقدر بحوالي 763 مليون نسمة، تتحرك داخل بلدانها بدلا من الخارج. وتعمل منظمة "الفاو" مع الحكومات، ووكالات الأمم المتحدة، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، والمجتمعات المحلية على بناء قدرات البلدان على التصدي للهجرة من خلال سياسات التنمية الريفية، ودعم الحكومات، والشركاء في استكشاف الإمكانات الإنمائية للهجرة، خاصة في مجال تحقيق الأمن الغذائي، والحد من الفقر. وكما هو معروف فإن العالم ينتج ما يكفي من الأغذية لإطعام الجميع، ومع ذلك يعاني حوالي 800 مليون نسمة من الجوع، أي واحد من كل تسعة أشخاص، 60 في المائة منهم من النساء، ويعيش حوالي 80 في المائة من الناس الأشد فقرا في العالم في المناطق الريفية، ويعتمد معظمهم على الزراعة، وتقتل المجاعات كل عام عددا من الأشخاص أكبر مما تقتل أمراض الملاريا، والسل، والإيدز مجتمعة، وترتبط حوالي 45 في المائة من وفيات الرُّضع بسوء التغذية، الذي يكلف بدوره الاقتصاد العالمي ما يعادل 3.5 تريليون دولار في السنة. إن القضاء على الجوع يمكن أن ينقذ حياة أكثر من ثلاثة ملايين طفل في العام الواحد ، وستحصل الأمهات في هذه الحالة على تغذية جيدة تتيح لهن تربية وتنشئة أطفال أكثر صحة وأكثر مناعة ، وفضلا عن هذا فإن القضاء على نقص التغذية لدى الأطفال يمكن أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي في البلدان النامية بنسبة 16.5% ، كما أن كل دولار يستثمر في الوقاية من الجوع يمكن أن يعود بفوائد تتراوح بين 15 و139 دولاراً، وقد تعني التغذية السليمة في وقت مبكر من الحياة أكثر بنسبة 46 % زيادة في الأعمار، وزيادة الإنتاجية في مكان العمل بنسبة 20 %، وزيادة القوى العاملة بنسبة 9.4 % ، وسيساعد كل ما سبق ذكره في بناء عالم أكثر أمنا وازدهارا للجميع. ووفق التقارير الدولية فإن القضاء على الجوع أمر ممكن، فمن أصل 129 بلدا ترصدها منظمة /الفاو/، حققت 72 منها بالفعل هدف خفض نسبة السكان الذين يعانون من الجوع إلى النصف بحلول عام 2015 وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، انخفض احتمال وفاة طفل قبل سن الخامسة إلى النصف تقريبا، مع إنقاذ حوالي 17000 طفل كل يوم كما انخفضت معدلات الفقر المدقع إلى النصف منذ عام 1990. ومنذ تسعينيات القرن الماضي، ساعدت التحولات الريفية الملايين من البشر على الخروج من دائرة الفقر على الرغم من أنهم ظلوا في المناطق الريفية، وهذه الحقيقة تبشر بوعود كبيرة لتنشيط الفرص الريفية، سواء داخل المزارع أو خارجها، وترى الدراسات ذات الصلة أن بإمكان الناس الذين ما زالوا في المناطق الريفية أن يخرجوا من دائرة الفقر من خلال التحولات الشاملة، خاصة وأن المناطق الريفية والمدن والبلدات الصغيرة تمتلك مفتاح هذه التحولات. ولا شك أن تحقيق عالم خال من الجوع والفقر سيتوقف على كيفية تطور المناطق الريفية في السنوات القادمة، علما بأن العالم سيحتاج إلى زيادة إنتاجه من الأغذية بنسبة 60 في المائة بحلول عام 2050 من أجل إطعام العدد المتنامي لسكان كوكب الأرض.;
مشاركة :