الكاتبة الكندية مارجريت أتوود التي تحصلت الأحد على جائزة السلام في معرض فرنكفورت الدولي، وقد حذرت العالم من إقباله على نظام سلطوي شبيه بالأيام السوداء في فترة الثلاثينات، فيما بدا التقارب الفرنسي الألماني واضحا ومتحدا بمعرض الكتاب بحضور زعمائه، لاستغلال المناسبة الفكرية للتذكير بدور الثقافة في النهوض بأوروبا وخلاصها من حالة الوهن والتشرذم التي تعيشها.العرب [نُشر في 2017/10/16، العدد: 10783، ص(7)]أتوود: العالم سيكون قاتما إذا لم نف بالتزاماتنا من أجل تعايش سلمي فرانكفورت (ألمانيا) – حصلت الكاتبة والناشطة الكندية مارجريت أتوود، صاحبة الرواية الأكثر مبيعا “حكاية الخادمة”، الأحد على جائزة السلام التي تمنحها الرابطة الألمانية لتجارة الكتب في معرض فرانكفورت للكتاب، وذلك عن مجمل أعمالها. وحضرت أتوود حفل توزيع الجوائز، الذي أقيم في كنيسة القديس بول في فرانكفورت في اليوم الأخير من معرض الكتاب. وهي عاشر سيدة تحصل على الجائزة التي يتم منحها منذ عام 1950 وتشمل جائزة نقدية قيمتها 25 ألف يورو (30 ألف دولار). وحصلت الروائية والشاعرة البالغة من العمر 77 عاما على الجائزة تقديرا لـ”الإنسانية، والسعي لتحقيق العدالة، والتسامح” التي تضمنتها أعمالها الخيالية وغير الخيالية. وعادت الرواية البائسة التي كتبتها أتوود في 1985 تحت عنوان “ذا هاندميدز تيل” (حكاية الخادمة) لتتصدر قائمة الكتب الأفضل مبيعا بعدما تم تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني يتصور مستقبلا استبداديا للولايات المتحدة حيث تجبر النساء على العبودية الجنسية. وقالت في كلمة قبول الجائزة “القصص قوية… يمكنها أن تغير طريقة تفكير ومشاعر البشر إلى الأفضل أو إلى الأسوأ”. ووصف هينريش ريثمولر رئيس جمعية الناشرين وبائعي الكتب الألمان أتوود بأنها “بطلة السلام والحرية” التي فتحت أعيننا “على كيف يمكن أن يصبح العالم قاتما إذا لم نف بالتزاماتنا من أجل تعايش سلمي”. ومن بين الفائزين السابقين بالجائزة الروائي التركي أورهان باموك والكاتبة الأميركية المخرجة الراحلة سوزان سونتاج. أيام سوداء في انتظار العالم أثنت جائزة معرض فرنكفورت للكتاب في حيثياتها على “الوعي السياسي والتأهب للتطورات الكامنة أسفل السطح” لأتوود. وكانت الكاتبة الكندية حذرت السبت من أن العالم أقرب إلى الأيام السوداء التي عاشها في عقد الثلاثينات من أي وقت مضى. وأدى انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، بالنسبة لبعض النقاد، إلى جعل هذه الرؤية أقرب إلى الواقع حيث يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لترهيب خصومه والمشرعين في عدد من الولايات التي تسعى لتقييد حق المرأة في الإنجاب. وقالت الكاتبة البالغة من العمر 77 عاما في مؤتمر صحافي ضاهت خلاله بين الأنظمة الفاشية والشيوعية التي حكمت في ما بعد دولا بأوروبا “ينتاب المرء شعور بأننا أكثر قربا من عقد الثلاثينات من أي وقت مضى منذ ذلك الزمن”. وأردفت “الناس في أوروبا ينظرون إلى الولايات المتحدة على أنها منارة الديمقراطية والحرية والانفتاح ولا يرغبون في تصديق أن أي شيء مثل هذا قد يحدث هناك”. وأضافت “لكن الآن فقد تبدلت الأزمان وللأسف أصبح من الممكن جدا التفكير في هذه المصطلحات”. واعتبرت أتوود في تصريحات صحافية سابقة أن “المخاوف واسعة النطاق بشأن قضايا المرأة في أعقاب الانتخابات الأميركية دفعت روايتها؛ قصة الخادمة إلى رأس قوائم أفضل المبيعات”.إيمانويل ماكرون: ما نحتاج إليه هو الخيال الأوروبي الإيجابي لمواجهة الوهن الذي أصاب القارة وأشارت إلى أن “البعض اعتبر روايتي ضربا من الخيال المبالغ فيه حين صدرت لأول مرة، لكن عندما كتبتها كنت متأكدة أنني لا أتحدث عن شيء لم يفعله البشر بالفعل في مكان ما وفي وقت ما”، مضيفة “ترون مؤشرات على ما تحتويه الآن”. ولفتت أتوود إلى أن “البعض لجأ إلى كندا منذ انتخاب ترامب، تماما مثل بطلة الرواية التي تحاول الفرار إلى كندا”. وتسلط أتورد في كتابتها على الإشكاليات التي يعانيها العالم اليوم، وتحاول أن تقدم قراءة على التحولات السياسية والمتغيرات الاستراتيجية بلغة الأدب الذي ينقل الهاجس الإنساني. كما يحمل معرض فرنكفورت دلالة سياسية في وقت تعيش فيه أوروبا حالة تشرذم بعد الانفصال البريطاني وعودة قوية لليمين المحافظ والأفكار الراديكالية. ولاقى المعرض اهتمام زعماء أوروبا المراهنين على أوروبا حرة منفتحة على الآخر والرافضة للأفكار الانعزالية، لذلك قدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المدافع عن الوحدة الأوروبية إلى معرض فرنكفورت، ليشدد على الدور الأساسي الذي تقوم به الثقافة لإعادة تأسيس المبادئ الأوروبية. التذكير بمبادئ أوروبا الأساسية بالنسبة لماكرون الذي قام بأول رحلة إلى الخارج ذات طابع ثقافي منذ انتخابه، فإن معرض فرانكفورت يأتي في وقت مفصلي من الحملة التي يقوم بها للحض على “إعادة تأسيس أوروبا”، كما أوضح قصر الإليزيه. وأشار ماكرون إلى أنه “لا توجد أوروبا من دون ثقافة”، مضيفا أن “ما نحتاج إليه هو الخيال الأوروبي الإيجابي لمواجهة الوهن الذي أصاب القارة الأوروبية”. وأتاحت هذه الرحلة في عالم الأدب والأدباء لماكرون وميركل الابتعاد لفترة من الوقت عن جدولي أعمالهما الحافلين، ما بين تشكيل ائتلاف حكومي عسير بالنسبة للمستشارة والملفات الاجتماعية الكبرى بالنسبة للرئيس الفرنسي. وكانت فرنسا ضيفة شرف في معرض فرانكفورت الملتقى العالمي الأكبر للكتب والإصدارات والذي شارك فيه أكثر من 7150 دار نشر من 106 بلدان. وقبل لقائه المستشارة الألمانية، عاد ماكرون إلى موضوعه المفضل خلال نقاش في جامعة في فرانكفورت وهو عملية إنهاض أوروبا. ودعا مرة جديدة إلى اعتماد موازنة لمنطقة اليورو، المشروع الذي يقلق ألمانيا لأنها تخشى أن تتحمل عبء ديون أوروبية جديدة. وقال ماكرون “إذا كنا مستعدين لوضع أمننا وطاقتنا وسياستنا للهجرة ومكافحتنا للإرهاب والأنظمة الرقمية في شكل مشترك فيجب حينئذ تحديد من هو مستعد للقيام بذلك وبماذا”. وأوضح أنه “يجب على القادة الأوروبيين أن ينخرطوا فعليا في عملية إنهاض الاتحاد الأوروبي وعرض خطة ملموسة في هذا الصدد للانتخابات الأوروبية المرتقبة في 2019”. وقال “أعتقد أنه يجب الدخول مجددا في النقاش، لدينا سنة لتوضيح ذلك ووضع خارطة طريق مشتركة” وهذا “ما أريد القيام به حين أزور ألمانيا وهذا ما أدعو المستشارة إلى القيام به في فرنسا وكذلك كل القادة الراغبين في ذلك”. من جهتها أكدت ميركل مرة جديدة في مقابلة مع صحيفة محلية ألمانية أنها منفتحة على أفكار الرئيس الفرنسي، لكنها أشارت إلى وجود خطوط حمر. وأردفت “أريد في المستقبل أن يتم النظر في كيفية استخدام أموال أوروبية والرقابة والمسؤولية. بالنسبة لي من غير الوارد أن يحصل تقاسم للديون الوطنية”. وتبدو ميركل حذرة كثيرا في هذا الملف لأن عليها أن تؤمن أكثرية نيابية مع الليبراليين الذين يتحفظون كثيرا على الاقتراحات الفرنسية. وبعد هذه التصريحات التقى ماكرون وميركل لمدة نصف ساعة للإعداد للقمة الأوروبية المقررة في التاسع عشر والعشرين من أكتوبر الجاري المقرر انعقادها في بروكسل. وقال مدير المعرض يورغن بوس إن هذا الحضور “يرمز إلى التقارب بين ألمانيا وفرنسا والتزامهما من أجل أوروبا قوية وموحدة”. في وقت يهدد فيه تصاعد اليمين المتشدد المبادئ الأوروبية المنفتحة على الآخر، ورغم ما تلاقي الأحزاب المحافظة من رواج خاصة بعد تنصيب ترامب رئيسا للولايات المتحدة فإنه مازال يلاقي عداء من قسم كبير من الأوروبيين وحالة رفض انعكس أثرهما في معرض فرنكفورت للكتاب.المعرض تحول إلى ساحة احتجاج رفض ناشرين من تيار اليمين أدى ظهور إحدى الشخصيات البارزة بحزب البديل الألماني في ندوة بمعرض فرانكفورت الدولي للكتاب مساء السبت إلى أعمال شغب في مكان الندوة. وكان بيورن هوكه العضو بحزب البديل الألماني يقدم كتابا لدار نشر أنتايوس اليمينية يحمل عنوان “العيش مع اليساريين”، عندما احتج متظاهرون على هذه الندوة حاملين اللافتات المعادية للحزب ومرددين شعار “النازيون يخرجون”. وعلى الإثر رد عليهم أنصار هوكه قائلين “الكل يكره اتحاد الجمعيات اليسارية الشيوعية” في إشارة إلى الطرف الأول، ما دعا الشرطة إلى التدخل للفصل بينهما. وكان ظهور عدد من دور النشر اليمينية أمام المعرض وهو من أكبر مقار عرض الكتب في العالم، أدى إلى جدل كبير في ألمانيا. من جانبه برر اتحاد العاملين بتسويق الكتاب الألماني، وهو الهيئة المنظمة للمعرض، السماح بوجود مقار لليمينيين في المعرض بحرية الرأي داعيا إلى “الجدال الفاعل” بين الأطراف المختلفة. ووصل الأمر إلى استخدام العنف الجمعة عند أحد مواقع العرض الذي خصص لصحيفة “الحرية الشابة” اليمينية، حيث قام أحد المستمعين خلال قراءة آخيم بيرجمان الرئيس التنفيذي لشركة تريكونت للإنتاج الموسيقي اليسارية لمقاطع أدبية بتوجيه لكمة إليه أدت إلى جرح في شفته، كما أكدت متحدثة باسم المعرض. وأكدت المتحدثة باسم المعرض السبت أن أحد الحاضرين هاجم آخيم بيرجمان رئيس شركة التسجيلات الموسيقية تريكونت أثناء قراءة المقاطع. ويعتقد أن بيرجمان أدلى بتعليق عابر تسبب في الهجوم أثناء قراءة المقاطع الأدبية. وأضافت المتحدثة باسم المعرض أنه تم احتجاز الرجل الذي لكم بيرجمان لفترة قصيرة للتحقق من بياناته الشخصية. وأثار وجود ناشرين من تيار اليمين في المعرض هذا العام جدلا واسعا كما تسبب في تنظيم احتجاجات. واتهمت دار نشر أنتايوس وغيرها من مؤسسات اليمين الجديد أو المتضامنين معه، اتحاد العاملين بتسويق الكتاب الألماني المنظم للمعرض، بأنه لم يقدم الحماية اللازمة للمواقع التي خصصت لهم بصورة كافية ضد تعديات اليساريين.
مشاركة :