إخفاقات السلطة تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية في الجزائرلا تخلو يوميات الجزائريين في الأسابيع الأخيرة، من أنباء الهجرة السرية عبر البحر، إلى بلدان الضفة الشمالية من حوض المتوسط، وأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي، الفضاء الملائم لنشر صور وتسجيلات المغامرات المأساوية.العرب صابر بليدي [نُشر في 2017/10/17، العدد: 10784، ص(4)]ضاقت بهم الجزائر الجزائر - حذّر المحامي والناشط الحقوقي طارق مراح في اتصال لـ”العرب”، من مغبّة تغافل السلطة على توسع رقعة الهجرة السرية، في ظل التداول الواسع للظاهرة خلال الأسابيع الأخيرة، ومن الاكتفاء بالمقاربة الأمنية في معالجة الظاهرة، بدل التعمق في تفاصيلها وأسبابها الحقيقية. وقال “الجزائر تحوّلت إلى نقطة عبور في السنوات الأخيرة، ففضلا عن العشرات من المهاجرين الجزائريين تحولت السواحل الجزائرية، إلى قبلة العشرات من الشباب الأفريقي، للعبور نحو أوروبا وأن إعادة النظر في التشريعات لم يحقق الغرض المنشود، لأنها بحثت عن الردع بدل العلاج الحقيقي”. وأثار تداول صور وتسجيلات على شبكات التواصل الاجتماعي، تظهر عائلات ونساء وأطفال بصدد امتطاء قوارب الهجرة في عدد من شواطئ البلاد، استفهامات كبيرة، حول تنامي الرغبة في الهجرة والخيبة الاجتماعية والمعنوية في حكومات متعاقبة، عجزت عن بناء جسور الثقة والتلاحم بينها وبين الشعب. ويرى مختصون، أن ظهور نساء وأطفال على قوارب الهجرة السرية، يعتبر تحولا اجتماعيا كبيرا، يستوجب دق أجراس الإنذار، والتوقف عند تنامي الظاهرة، لأن أهوال البحر وخطر الموت، وظروف العيش الضنك في المراكز الأوروبية، صار أهون من البقاء في الوطن. وتحدثت أرقام رسمية صادرة عن دوائر الأمن والدفاع المدني الجزائرية، عن إجهاض عدة محاولات في عدة سواحل، كان فيها العشرات من الشباب، وحتى من أعمار مختلفة، ونساء وأطفال، الأمر الذي يترجم حالة الإحباط واليأس وانسداد الأفق، الذي يهدد البلاد بإفراغها من ساكنتها. وقال طارق مراح “إن الفشل الشامل في تسيير شؤون البلاد، والفساد المستشري في أوصال الدولة، وخطاب الخوف والتيئيس الذي تروج له الحكومة، فضلا عن الاختلالات الاجتماعية الكبيرة، كلها عوامل ساهمت في تضييق أفق المهاجرين في وطنهم، واللجوء للهجرة السرية، والمقامرة بحياتهم”.ظهور نساء وأطفال على قوارب الهجرة السرية، يعتبر تحولا اجتماعيا كبيرا، يستوجب دق أجراس الإنذار وأضاف “الحكومة تتحدث عن انهيار اقتصادي وشيك، وعن خيارات غير شعبية في الأفق، وهو خطاب عمق من حجم الخيبة والإحباط المتراكم، بسبب اختلال معايير التكفل الاجتماعي، والتوزيع غير العادل للثروة على أبناء الشعب الواحد، وهو ما يساهم في تعزيز أفكار الهروب من الوطن ولو بطرق غير شرعية”. ويبقى اهتمام الحكومة بظاهرة الهجرة غير الشرعية غائبا في برامجها لحد الآن، حيث ركز رئيس الوزراء أحمد أويحيى، منذ تنصيبه في أغسطس الماضي، في مداخلاته وتصريحاته، على مختلف الملفات السياسية والاقتصادية، لكنه تغافل عن إثارة مسألة تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية خلال الأسابيع الأخيرة. وتحدثت البعض من الإحصائيات عن هجرة نحو ثلاثة آلاف جزائري إلى دول الضفة الأخرى في حوض المتوسط، كإسبانيا وإيطاليا، بينما تبقى أرقام الفارين عبر تركيا واليونان مجهولة، ولا يمكن تقفيها إلا عبر أخبار مقتضبة، عن شبكات مختصة في تهريب البشر، ونقل الأفراد عبر البحر، أو من تركيا نحو دول أوروبية. وكانت صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي، قد تحدثت عن هجرة نحو 300 شخص من مختلف الأعمار ومن الجنسين، خلال يومين فقط، من شواطئ عنابة والطارف بأقصى شرق البلاد. ونقلت صفحات أخرى وصول نحو تسعين مهاجرا إلى سواحل إسبانيا، فضلا عن تسجيلات وصور في عرض البحر، تظهر تكدّس أكوام بشرية في قوارب الموت أو الحلم، وتختصر مأساة وطن يهجره أبناؤه. وذكر طارق مراح أن الحكومة راجعت نصوص الهجرة السرية العام 2009، حيث شددت على الظاهرة، بعقوبة تتراوح بين شهرين وستة أشهر سجن نافذ، على أي شخص يضبط في حالة هجرة دون وثائق رسمية. وتابع “لكن التشدد الردعي لم يحقق مبتغاه، لأن الهجرة صارت مشروع الحياة، فهناك محاولات فاشلة لكن أصحابها يكررون المحاولة، ولا يهمهم السجن، لأن روح المغامرة والحلم أكبر بكثير، من هكذا إجراء”. وحذّر من توسع رقعة الهجرة السرية، وتحول البلاد إلى مركز عبور، وشدد على أن “التركيز على الهجرة، لا يجب أن يغفلنا عن الهجرة العادية والشرعية، فالجزائر تشهد عملية تفريغ من أبنائها خاصة خلال السنوات الأخيرة، ولم يسبق أن عرفت أمواجا من المهاجرين بهذا الشكل، حتى خلال الاستعمار الفرنسي، أو العشرية السوداء، كما تشهده في السنوات الأخيرة”. وألمح الناشط الحقوقي، إلى فشل الدولة في احتواء طموحات وأحلام أبنائها خلال سنوات الأريحية المالية، وأن ممارسات الإقصاء والتهميش الاجتماعي، والتفرد الانتقائي بالمؤسسات والامتيازات، هو الذي عمّق الهوة بين الشعب والسلطة، ويدفع بالآلاف من الإطارات والكوادر والأدمغة إلى الهجرة. وتحدثت تقارير نشرت مؤخرا، عن تسجيل هجرة أكثر من 40 ألف جزائري إلى كندا خلال العشرية الأخيرة، وهي هجرة نخبوية، تعكس حجم الاختلال الذي تعاني منه فئة الكوادر والأدمغة، رغم خطاب السلطة الاستعلائي المستقوي بالأريحية المالية، قبل أن تنهار أسعار النفط، وتعود البلاد إلى مربع الصفر.
مشاركة :