كانت منشغلة في بعض الليالي بالبحث عن وصفات لإعداد الخبز، وفي ليال أخرى، انصبَّ اهتمامها على تحميل أجزاء من فيلم سينمائي، وكثيراً ما كانت تبحث عن النتائج التي حققها فريق أياكس الهولندي لكرة القدم، ولكن كانت أحياناً تبحث عن أفلام إباحية. قد تكون بصمة رقمية كهذه أمراً عادياً بالنسبة الى أي شابة بلجيكية، ولكن مع اختلاف جوهري وحيد: فصاحبة هذا السجل الرقمي كانت تعيش في مدينة الرقة السورية حتى وقت قريب، وكانت جزءاً من تنظيم داعش. وفي تقرير لموقع «الديلي بيست الأميركي»، تَظهر أسرار صادمة، كشفها حاسوبها المحمول، الذي صودر قبل أيام من إلقاء القبض عليها، والذي يكشف عن العقلية المتطورة لإحدى «الجهاديات» الأوروبيات، وأيامها الأخيرة في «الخلافة» المنهارة. كيف تمَّ اكتشافه؟ كانت «أحرار الفرات»، وهي جماعة مقاومة سرّية نشطة داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة «داعش»، هي التي حصلت على القرص الصلب في البداية، ثم وصل إلى «الديلي بيست» عن طريق وسيط. وتعود ملكية هذا الحاسوب المحمول إلى امرأة بلجيكية من أصل مغربي تتحدث الفلمنكية. وتأتي هذه المرأة ضمن أكثر من 500 مواطن بلجيكي سافروا إلى سوريا والعراق، سعياً للانضمام إلى التنظيم. وتأكَّد مقتل أكثر من 100 من أولئك المواطنين، ولكنَّها ليست من بين هؤلاء القتلى. إذ اعتُقِلَت في الرقة، ويحتجزها حالياً تحالف «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) في مدينة كوباني الشمالية في انتظار مصيرٍ مجهول. وعلى عكس المقابلات التي تُجرى مع أعضاء «داعش» المعتقلين أو المنشقّين عنه، تُعطي البيانات المستخرجة من الحاسوب المحمول صورةً صريحةً أكثر عن عقلية هذه المرأة، وتشمل تناقضات وأسئلة كانت تظن على الأرجح أنَّها لا تشترك فيها مع أي شخصٍ آخر. وتميل المقابلات الأخرى، وكذلك تصريحات المعتقلين، نحو نوع من التحيُّز، إذ يحرص المعتقلون حالياً على النأي بأنفسهم عن العنف غير المُبرر الذي أصبح مرتبطاً باسم «الخلافة» في الفترة الحالية، وتصوير أنفسهم كضحايا. لا يبدو أن هذه المرأة البلجيكية تشعر بخيبة الأمل بأي شكل من الأشكال إزاء مشروع التنظيم المترنح حالياً. بل الأدهى من ذلك أنها في الأسابيع التي سبقت اعتقالها في نهاية الصيف كانت كثيرا ما تزور صفحة الحرب على أفغانستان باللغة الفلمنكية على موقع ويكيبديا، وكانت كثيراً ما تشاهد مقاطع فيديو على موقع يوتيوب تُظهر طائرات أميركية من طراز ايه سي ــــ 130 وهي تقصف مواقع يُشتبه في تبعيتها لحركة طالبان في أفغانستان. وكان ذلك كمحاولة ـــ على ما يبدو ـــ لإعادة ترسيخ تطرُّفها وإعادة تبرير معتقداتها. ورغم الفوضى التي تحدث حولها، واصلت المرأة البلجيكية استخدام الإنترنت لمشاهدة كمياتٍ غير متناهية من لقطات الحروب الأميركية. أفلام إباحية ووُجِدَ على القرص الصلب أكثر من «تيرابايت» من الصور والأفلام الإباحية، تحت عناوين تشمل كل شيءٍ. فضلاً عن وجود زيارات منتظمة لأحد المواقع الإباحية. ولكن مع كل هذه الأفلام الإباحية، لم يكن هناك نقصٌ في التقوى. إذ كانت كثيراً ما تستمع إلى محاضرات من إلقاء رجال دين «جهاديين» على صلةٍ بتنظيمي داعش والقاعدة، وأشخاص آخرين مثل الأميركي أنور العولقي، وحسام عبدالرؤوف. ويحتوي القرص الصلب ـــ كذلك ــــ على كنز من الملفات بصيغة «بي دي إف»، تحوي كتابات دينية مرتبطة بجماعات إرهابية، بدءاً من «داعش» إلى جماعات أقل تطرّفاً، مثل الإخوان المسلمين. ورغم وجودها في قلب «الخلافة»، فقد كانت زائرةً منتظمة، بل شبه مهووسة، لمواقع إخبارية غربية للحصول على معلوماتٍ عن أنشطة التنظيم في أوروبا. ويبدو أنَّها كانت لا تزال على اتصالٍ مع إسلاميين عادوا إلى بلادهم في بلجيكا، من دون أن تتأثر بجهود موقع فيسبوك لإغلاق الحسابات التي يستخدمها أعضاء التنظيم. وكانت تتبادل الرسائل مع أصدقاءٍ في بلجيكا حتى وقتٍ قريب، وتحديداً حتى 17 أغسطس، وكانت كثيراً ما تزور صفحات «فيسبوك» الخاصة بالجاليات التونسية والمغربية في بلجيكا. وكانت هذه الصفحات تنشر منشورات عن كل شيءٍ يخص المسلمين، بدءاً من رهاب الإسلام وحتى الاحتفالات بعطلة العيد. جدير بالذكر أن حسابها على «فيسبوك» مُعلَّق، ولكنَّ حسابات الأصدقاء الذين تبادلت معهم الرسائل، والذين تُثبِت صفحاتهم الشخصية تعاطفهم مع «داعش»، لا تزال نشطة. ومع اقتراب «قسد» الخاضع لسيطرة الأكراد، وحليف الولايات المتحدة على الأرض في شرق سوريا، من معقل «داعش» السابق في الرقة ومحاصرته، طرأ تغييرٌ مذهل على سلوك المرأة البلجيكية في استخدام الإنترنت. كان كل شيء يبدو طبيعياً في 8 أغسطس، في ظل تحميلها ألعاب وبرامج لتغيير صوت المرء ليُشبه أصوات مغنيي الراب. وشاهدت كذلك فيلم قراصنة الكاريبي مرةً أخرى، وبحثت عن «أفضل الأفلام الكوميدية في عام 2016». ومع عدم إمكانية فعل الكثير عدا ذلك، يبدو أنَّها كانت تحاول قضاء أيام الصيف الطويلة في سوريا بالانهماك في مشاهدة الأفلام بإفراط. هذا ما فعلته مع اقتراب النهاية ومع اقتراب أغسطس من نهايته، وتضييق «قسد» الخناق على الرقة، يبدو أنَّ اليأس بدأ يتسرّب إليها. وفي ظل يأسها من معرفة مصيرها الوشيك، بدأت في البحث عن «آخر أخبار وحدات حماية الشعب» و«ما تفعله وحدات حماية الشعب بإرهابيي داعش». افترض كثيرون أنَّ «داعش» سيقاتل حتى الموت في الرقة، ولكن يبدو أن هذه المرأة لم تكن تمتلك نوايا كهذه، ولكن لا يبدو كذلك أنَّها تريد التخلِّي عن قضية «الخلافة». وفي الأيام الأخيرة، قبل القبض عليها، صار سجل الصفحات التي زارتها على الإنترنت مزيجاً من عمليات البحث عن أولئك العائدين إلى أوروبا من سوريا، والدعاية «الجهادية»، وكل شيء من الأناشيد إلى محاضرات أنور العولقي. ومع غروب شمس يوم 24 أغسطس، كانت تبحث عن نتائج تحت عنوان «أريد ترك تنظيم داعش» و«إعادة الجهاديين» باللغة الفلمنكية. وأجرت آخر عملية بحث في وقت متأخّر من مساء ذلك اليوم، كتبت فيها على موقع غوغل: «ما تفعله وحدات حماية الشعب بإرهابيي داعش»، ويبدو أنَّها كانت تُدرِك أنَّ القبض عليها أصبح وشيكاً.
مشاركة :