أخطار صدام روسي - أميركي في سورية

  • 10/18/2017
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

  خلص عدد من البعثات الإنسانية للأمم المتحدة، الى أنّ حدة القتال في سورية في أيلول (سبتمبر) المنصرم وتشرين الأول (أكتوبر) الجاري، بلغت مستويات خريف العام الماضي العالية، أثناء هجوم حلب. ففي الشهر المنصرم من العام الحالي، بلغ عدد الضحايا المدنيين رقماً قياسياً. وتدور في عدد من الجبهات، بخاصة في إدلب ودير الزور، أحداث قد تحدد نتيجة الحرب المديدة. وتصريحات كل من موسكو وواشنطن الحادة حول نشاط الطرف الآخر في سورية هي مؤشر ملموس الى تصعيد في العلاقات الروسية - الأميركية منذ بداية الخريف. ويتناول السؤال ما إذا كانت هذه التصريحات هي رد على تعاظم الاشتباكات المسلحة أو المسبب لها. لكن المؤكد أنّ الخسائر المتزايدة للقوات الروسية والأميركية هي أعراض مقلقة لعجز الطرفين عن مباشرة عملية حل سياسي متكامل تجمعهما. ولذا، برز الرهان على إقامة «تحالفات تلقائية» مع اللاعبين المحليين، أي الأكراد وتركيا وإيران، والبحث في خيار «التفاوض على أقل مستوى» مع «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) التي تستبعدها روسيا من الاتصالات.   النصر المستحيل وتقوم روسيا بتأجيج خطابها الاتهامي تجاه الولايات المتحدة، وتكرر الطعن في افتقار المرابطة العسكرية الأميركية في سورية الى المشروعية، وتتهم الجيش الأميركي بدعم جماعات متطرفة، وتسريب معلومات سرية الى الإرهابيين. ومع تحرك الجيش السوري نحو الشرق، صارت القاعدة العسكرية الأميركية التي أنشئت في نيسان (أبريل) الماضي على الحدود السورية - الأردنية في التنف لمحاربة «داعش»، مشكلة. وتطالب موسكو بإغلاقها، وتعتبر أنها «ثقب أسود» يمتد على مسافة 100 كيلومتر، ينطلق منها «داعش» لتنفيذ أعمال تخريبية وهجمات إرهابية. ويبدو أنّ موسكو مقتنعة بأن خطوات واشنطن ترمي، من جهة، الى عرقلة إنجاز الأسد «نصراً كاملاً». فتضطر روسيا إذّاك الى إقناع القيادة السورية بالتفاوض مع الجماعات المعارضة القوية على تقاسم مناطق النفوذ. وإثر مثل هذا التقاسم وبناء عليه، يمكن الانطلاق من هذه الاتفاقات في محادثات جنيف وتكريسها إطاراً قانونياً مشروعاً. لذا، ترى موسكو أن مشاركة الأميركيين «معلومات حساسة» في شأن «داعش» و «النصرة»، إجراء قد يؤدي الى استخدام هذه المعلومات، عاجلاً أم آجلاً، ضد القوات الروسية. ومن جهة أخرى، ترمي واشنطن الى الحؤول دون ترسيخ إيران نفوذها في سورية. ولا يخفى أن الموقف الأميركي هذا تؤيده إسرائيل ودول عربية تعارض تمدد نفوذ طهران. ولا يزال على روسيا أن تقرر حجم النفوذ الإيراني في سورية الذي يتناسب مع مصالحها. إلا أن الوضع الإيراني يتجاوز حدود سورية، فتعاظم ضغط إدارة ترامب على طهران يضطر موسكو الى الميل أو الانحياز أكثر مما تشاء الى إيران.   مسارات متوازية ويدور داخل الولايات المتحدة ذاتها نقاش على ما إذا كانت روسيا تقود الموقف وتوجه دفته أم هي رهينة له، وهو ما يترتب عليه احتمالان للحل والتعامل مع روسيا، على أقل تقدير. الأول يقضي باستغلال الطبيعة الهجومية للسياسة الروسية في سورية «لتوريث» موسكو مجموعة من المشاكل. والاحتمال الآخر يقضي بعدم السماح لموسكو بمواصلة قضم «الحصة الأميركية» في سورية والسطو عليها، والسعي الى تقويض التقدم الذي أحرزته، سواء على المستوى السياسي أو الميداني. ولا يستبعد هذا النهج الدخول في عملية تفاوض، ولكن بعد إضعاف موقف موسكو. وتحاول إدارة ترامب تحويل هذه الأفكار إلى سياسة محددة تأخذ ثلاث وجهات: عرقلة تقدّم الجيش السوري في بعض المسارات، ورفض المقترحات الروسية للتعاون، وتقديم مبادرة خاصة. ومع التدهور العام للعلاقات الروسية - الأميركية، يبرز التعاون بين البلدين في سورية نموذجاً إيجابياً لصورة من التعاون. فالواقع أن ما يحدث بين روسيا والولايات المتحدة في سورية، يعتبر تجربة قيمة. فالجيشان الروسي والأميركي أمام واقع جديد. وفي وقت تُستبعد «تجربة التعايش» بينهما المتحدرة من زمن الحرب الباردة، تحل محلها استراتيجية جديدة، هي «تجربة العمل المشترك». ومع ذلك، فإن أعمال الطرفين، وفي أمثل الأحوال، لا تلتقي وتسلك منحيين متوازيين. وفي الإمكان، طبعاً، وصف ما يجرى بـ «التعاون»، ولكنه تعاون «بشق النفس». والحق يقال هذا التعاون هو أقرب الى التنسيق. ومنذ عامين، شنّت روسيا حملة عسكرية في سورية، وتتصرف القوات الروسية وقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة كل على طريقته الخاصة، أمّا المشترك بينهما (القوتين) فهو السعي الى تفادي وقوع مواجهة مباشرة رئيسية بينهما. وفي هذا المجال أنجز الكثير. وتربط بين روسيا وأميركا في سورية خطوط واتصالات (لتفادي أو معالجة) أزمة، منها غرفة عمليات في عمان حيث يعمل منذ آب (أغسطس) مركز مشترك لرصد أحوال «منطقة خفض التصعيد الجنوبية» في سورية. ويربط خط ساخن بين مراكز تحكم طيران عسكري أميركية وروسية: أي بين القاعدة الجوية الروسية في حميميم ومركز العمليات الجوية الأميركية المشتركة في قاعدة العديد في قطر. ويسمح الخط هذا لممثلي القيادة العسكرية الأميركية والروسية بتبادل نحو 10 إلى 12 رسالة في اليوم. ففي قاعدة العديد، مترجمون ناطقون بالروسية يؤمّنون عملية التواصل بين القادة الأميركيين ونظرائهم الروس. وإلى ذلك، رسم خبراء عسكريون روس وأميركيون «خطوط تماس» بين الحكومة والقوات المعارضة. ولا تلغي قنوات الاتصال المباشر احتمالات الحوادث. فعلى سبيل المثل، ساهمت حوادث متكررة، وهي أنزلت خسائر مؤلمة في صفوف كل من القوات الروسية والقوات التي تدعمها أميركا، في الطعن في فاعلية قنوات الاتصال. لكن آراء كبار المسؤولين الروس والأميركيين المطلعين من كثب على سير الأمور، تشير الى أن المشكلة ليست في قنوات الاتصال. فالقنوات هذه تدور عجلتها كما كانت من قبل. والثقة قائمة بين الأطراف، على أقل تقدير، على مستوى العسكريين والديبلوماسيين. لكن المشكلة هي أن هذه الأداة (قنوات الاتصال) لا تغني عن موجبات العمل السياسي ولا عن ضبط التنافس المحموم بين القوى العظمى، حيث يعتبر نجاح المنافس انتكاسة للطرف الآخر. ولا شك في أن الحد الأدنى من التفاعل، الى اليوم، بين الروس والأميركيين يساهم في ضبط الصراع في إطاره غير المباشر. وخطر التصادم غير مستبعد ما دامت القوات الروسية والأميركية تقوم بمهامها القتالية المنفصلة في سورية. ويبدو أن البلدين يدركان ذلك، ولكن الإدراك هذا غير كاف. ففي غياب اتفاقات سياسية جادة جديدة بين موسكو وواشنطن، يتجه الجانبان إلى اشتباكات غير ضرورية وخطيرة.     * محلل سياسي، عن موقع «أر به كا» الروسي، 10/10/2017، إعداد علي شرف الدين

مشاركة :