مساع تونسية لتفادي انفجار اجتماعي محتملتجنبت الحكومة التونسية خفض الدعم عن المواد الاستهلاكية الأساسية بالإضافة إلى سعيها لمواصلة الرفع في كتلة الأجور، الأمر الذي اعتبره مراقبون خطوة استباقية للتصدي لأي انفجار اجتماعي.العرب [نُشر في 2017/10/18، العدد: 10785، ص(4)]الاحتقان في كل مكان تونس - تزايدت حدة الاحتقان الاجتماعي في تونس خلال الأشهر القليلة الماضية، الأمر الذي بات يهدد بانفجار اجتماعي في أي لحظة. ويبدو أن الحكومة التونسية قد انتبهت للأصوات المحذرة من اندلاع احتجاجات محتملة، ما دفعها إلى اتخاذ إجراءات استباقية لتفادي أي توتر. وقال وزير المالية التونسي رضا شلغوم إن الحكومة ستتجنب خفض الدعم للمواد الغذائية والوقود والنقل وستواصل رفع كتلة الأجور، لكن ذلك قد يضعها في مواجهة مع المقرضين الدوليين. وتواجه تونس ضغوطا قوية من المقرضين الدوليين، خصوصا من صندوق النقد الدولي، لتدشين حزمة إصلاحات تأخرت كثيرا بهدف خفض العجز المتنامي في الموازنة والمتوقع أن يصل بنهاية هذا العام إلى 6.1 بالمئة. وتأمل تونس في أن تخفض العجز إلى 4.9 بالمئة العام المقبل، بدعم من بعض الإصلاحات الأخرى المزمعة. وذكر وزير المالية في مؤتمر صحافي أن المبالغ المرصودة لصندوق الدعم ستسجل ارتفاعا طفيفا لتبلغ العام المقبل 3.520 مليار دينار (1.4 مليار دولار) مقارنة مع 3.500 مليار دينار العام الحالي، بينما سترتفع كتلة الأجور أيضا بنحو 500 مليون دينار العام المقبل لتصل إلى 14.750 مليار دينار. ويتناقض ذلك مع مطالب صندوق النقد الدولي الذي حث السلطات التونسية على ترشيد الدعم وخفض كتلة الأجور التي يقول إنها أصبحت من أعلى المعدلات في العالم. وقد تهدد هذه الخطوات إفراج صندوق النقد الدولي عن أقساط جديدة من قرض ائتماني بقيمة 2.8 مليار دولار، لكن الحكومة التونسية تعهدت بحزمة إصلاحات بديلة وصفها وزير المالية بأنها “هامة وجريئة”. وقال شلغوم إن “الإصلاحات هي مسار مستمر وليست هناك إملاءات من أحد والقرارت لا تتخذ في غرف مغلقة.. نحن نجري مفاوضات مع صندوق النقد ولدينا حزمة إصلاحات هامة وجريئة تشمل الصناديق الاجتماعية والوظيفة العمومية والإصلاح الضريبي”. وأضاف شلغوم أن الحكومة “تحترم تعهداتها واتفاقياتها لزيادة الأجور في الوظيفة العمومية مثلما تم الاتفاق عليه سابقا وأن الحكومة ستبقي على نفس مستويات الدعم ومستعدة لرفعها إذا لزم ذلك”.الاجراءات الحكومية تهدد إفراج صندوق النقد الدولي عن أقساط جديدة من قرض ائتماني بقيمة 2.8 مليار دولار ويهدف هذا القرار إلى تفادي أي توتر اجتماعي مع النقابات وربما الاحتجاجات أيضا لأن مسألة خفض الدعم تظل مسألة شديدة الحساسية في تونس. واعتبر الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي في تصريحات سابقة أن مشروع قانون المالية لسنة 2018 موجّه بالأساس إلى الطبقة الضعيفة، وأن المنظمة النقابية ستكون سدا منيعا للدفاع عن العمال. وحذر الطبوبي من أن “مشروع موازنة 2018 سيسير بالبلاد إلى وضع لا تُحمد عقباه، وأن الطبقة العاملة هي أكثر من ضحّى من أجل تونس، والمطلوب اليوم هو تضحية الجميع، كل حسب قدراته وإمكاناته من دون الضغط على فئة معيّنة”. وكان رئيس الحكومة يوسف الشاهد انتقد معارضين للموازنة العامة للعام المقبل دون الاطلاع عليها، ونفى وجود بعض الرسوم على السيارات والسفر، مؤكدا أن الموازنة ستشجع المستثمرين في المناطق الداخلية، وداعيا منتقديه من المعارضة إلى التحلي بالمسؤولية. وفسر شلغوم قائلا “مسألة الدعم هي موضوع دراسة علمية بدأت الآن لنعرف من يتعين أن يستفيد من الدعم.. وقبل أي قرار في هذه المسألة يجب أن يكون هناك وفاق وطني بين كل الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية”. وبينما تجنبت تونس المساس بمنظومة الدعم الذي يشمل المواد الغذائية والوقود والنقل وستواصل رفع الأجور في القطاع العام وفقا لاتفاقات سابقة، تسعى البلاد للاستجابة لمطالب خفض عجز الموازنة من خلال إجراءات أخرى تشمل المزيد من الضرائب. وقال شلغوم إن الحكومة تسعى لتوسيع القاعدة الضريبية، مضيفا “تونس ستلغي نظام الضرائب التقديري لنحو 420 ألف شركة صغيرة لضعف الإيرادات وسوف نستبدلها بنظام حقيقي لضرائب الأرباح”. وأضاف أن هناك عدة إجراءات ضريبية أخرى مهمة من بينها زيادة ضريبة القيمة المضافة بنسبة واحد بالمئة. ويرفض المحامون والأطباء هذه الإجراءات وهددوا بشن إضرابات إذا تم إقرار هذه الزيادة. وسترفع الحكومة أيضا الضريبة على عدة سلع مثل المشروبات الكحولية والعطور والمكالمات الهاتفية، إضافة إلى ضريبة أخرى على الإقامة بالفنادق. وستشدد الحكومة مراقبة الضرائب على صفقات لاعبي الكرة والفنانين. وسيساهم ما سماه الوزير حزمة “الإصلاحات الجبائية” في رفع الإيرادات الضريبية بنسبة 10.5 بالمئة العام المقبل مقارنة مع 2017 لتصل إلى 23.5 مليار دينار. وقال الوزير إن إصلاحات الصناديق الاجتماعية ستشمل رفع سن التقاعد ومساهمات اجتماعية لكل الموظفين بقيمة واحد بالمئة من الدخل السنوي. وستشمل الإصلاحات أيضا قطاع الوظيفة العمومية، حيث كشف رضا السعيدي المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة الاثنين أن تونس تسعى لتسريح حوالي ثلاثة آلاف موظف بشكل طوعي. وتأمل تونس في أن ينمو اقتصادها بنسبة ثلاثة بالمئة العام المقبل مقارنة مع 2.3 بالمئة هذا العام.
مشاركة :