أعلنت القنصلية الأميركية في فلاديفوستوك الروسية الحداد اليوم على الضابط السوفييتي ستانيسلاف بيتروف، الذي منع انطلاق الصواريخ النووية السوفيتية باتجاه الأراضي الأميركية سنة 1983. وكتبت القنصلية الأميركية على حسابها في "فيسبوك": "تعرب القنصلية الأميركية في فلاديفوستوك الروسية عن حزنها وأساها على رحيل الضابط السوفييتي ستانيسلاف بيتروف، البطل الحقيقي الذي أنقذ بقراره العالم من حرب نووية مدمرة سنة 1983". في الـ26 من سبتمبر 1983، كان المقدم ستانيسلاف بيتروف مناوبا في إحدى نقاط قيادة منظومات الإنذار المبكر بالهجوم النووي على الاتحاد السوفييتي، حيث أنذرت أجهزة الرصد طاقمه بـ"تحليق خمسة صواريخ" أميركية نووية باتجاه أراضي الاتحاد السوفييتي، واشتغلت صفارات الإنذار، وظهرت على شاشات الرصد عبارة "هجوم صاروخي". وفي وصف الحادث، ذكر بيتروف أنه وفور تلقي هذه البيانات، شرع في تنفيذ الإجراءات المكلف بها حسب التعليمات المرعية، وتحقق من صحة عمل أجهزة الرصد، التي بدا له أنها سليمة، وما من أي علامات توحي بإصدارها التحذيرات جراء خطأ فني أو بشري. بيتروف، الذي كان اسمه العسكري "سيربوخوف-15"، اتخذ قرارا إنسانيا، لا عسكريا، وضرب ببيانات الأجهزة الإلكترونية عرض الحائط، مجازفا بذلك بحياته الشخصية، وجعل نفسه عرضة للموت رميا بالرصاص على "التقصير في تنفيذ الأوامر العسكرية والتخاذل في الدفاع عن أمن بلاده"، إذ لو صدقت أجهزة الإنذار، ولم يرد بيتروف على العدو، لحل الدمار بالاتحاد السوفييتي وكان رده أضعف على الهجوم الأميركي المفترض. بيتروف، وخلال أحد الأحاديث التي أدلى بها للصحفيين الأميركيين قبل بضعة أعوام، جدد التأكيد على ما حدث، وقال حينما سألوه عن مكان النقطة التي كان يناوب فيها لحظة الحادث: "وما يهمك المكان الذي كانت فيه نقطة تمركزنا، الأهمية تكمن في لو أنني أعطيت الأوامر بإطلاق الصواريخ، لفنيت الولايات المتحدة عن الوجود". وحول ما إذا كان قد عوقب على قراره أو كوفئ، أكد بيتروف أنه لم يعاقب ولم يكافأ، وأضاف: "قالوا لي في البداية، إنهم سوف يكافئونني، لكنهم عادوا عن وعدهم في وقت لاحق استنادا إلى قرار لجنة التحقيق التي عثرت على الكثير من الأخطاء لدي، وذلك لأن اللجنة المذكورة، ضمت عددا من الأشخاص الذين كانوا مسؤولين عن الأخطاء التي تسببت بالإنذار الكاذب". وختم بالقول: "وسائل الإعلام الغربية تحب التهويل، وأعطوا الأمر أهمية ربما لا يستحقها، وكل ما في الأمر أنني قمت بواجبي العسكري والإنساني على أكمل وجه". تجدر الإشارة إلى أن الإنذار الكاذب تلقاه الضابط بيتروف، لم يكن الوحيد من نوعه في تاريخ الحرب الباردة والمواجهة بين العملاقين، حيث تلقت منظومة الرصد الأميركية سنة 1980 إنذارا كاذبا بانطلاق صواريخ سوفييتية نووية باتجاه الولايات المتحدة، ما اضطر قيادة القوات الاستراتيجية الأميركية للاستنفار والرد بانتظار أوامر القيادة العليا. انقضى الإنذار بسلام، واستطاعت الأجهزة الأميركية المعنية التحقق من عدم مصداقية منظومات الإنذار، وأعطت أوامرها لقوات الصواريخ بإلغاء حالة الاستنفار والعودة إلى العمل في ظروف المناوبات العادية. منذ ثمانينات القرن الماضي، تطورت التكنولوجيا، وتعددت أجهزت الرصد والإنذار وأصبحت أذكى بكثير من ذي قبل، فيما لا تزال الصواريخ الروسية والأميركية النووية ومنصات إطلاقها منصوبة على مدار الساعة، وآمال البشرية تبقى معلقة في هذه الأثناء على "مصداقية" أجهزة الرصد والإنذار، وقدرة المسؤولين عنها على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات الحاسمة. رحل الضابط ستانيسلاف بيتروف الثلاثاء الموافق للـ19 من سبتمبر 2017 عن عمر ناهز الـ77 عاما، قضى جلّها في حراسة أجواء بلاده، وأدى "خدمة" للإنسانية لن تنساها، فيما لن يكف الصحفيون عن زيارة ذويه في ضواحي موسكو ليكرروا على مسامعهم نفس الأسئلة ويدوّنوا نفس الأجوبة في موادهم الإعلامية عن قرار المقدم بيتروف الصعب.
مشاركة :