لم يترك لنا أبطال غزة المرابطون في أرض الرباط مجالاً لأي كلام أو إشادة؛ فما حققته المقاومة من بطولات هي أقرب إلى الخيال، وما أبداه الغزيون الأشاوس من صمود أشبه بصمود الجبال الراسيات، بما يجعل الكلمات تتوارى خجلاً فيما لو فكرت أن تتجرأ وتصف ما حصل وما كان. فعلى مدى أكثر من عقد من الزمان وهؤلاء الأبطال يخضعون لحصار لم يشهد له التاريخ الإنساني مثيلاً: تجويع وتعطيش، حواجز واعتقالات، قتل وتنكيل، هدم منازل ومصادرة أراضٍ، ترويع للأطفال في كل مكان ولو كان تحت حماية الأمم المتحدة، وتعطيل متعمد لشبكات المياه والصرف الصحي. ولو استطاع الصهاينة قطع الهواء عن الأبطال لما ترددوا؛ فهم تمادوا في قطع الكهرباء لدرجة أنست أهل غزة أن هناك كهرباء، وأن من حقهم التمتع بها، ولم يزد ذلك الجبهة الداخلية الغزية إلا قوة وصلابة، في الوقت الذي مكّن الله فيه المرابطين المقاومين من إعداد ما يستطيعون من قوة ومن رباط الخيل؛ ليرهبوا به عدو الله وعدوهم، استجابة لنداء ربهم العزيز المتعال؛ إذ يقول في محكم التنزيل {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} سورة الأنفال الآية 60. وقد كان للمقاومة ما أرادت بعون الله وتوفيقه، وقامت نيابة عن الأمة بالذود عن حياض الإسلام والمسلمين، وأمطرت أعداء الله بوابل من الصواريخ من نوع (صنع في فلسطين الحبيبة)، وهي الصواريخ التي أذاقت العدو الويل، وجعلته ينام في المكان الطبيعي له تحت الأرض حيث الهوام والجرذان. إنها العزة التي تتولد عن الشعوب المقهورة بذل الاحتلال. لِمَ لا؟ فالتاريخ يشهد ويا لها من شهادة - بالعار على الدول الكبرى، وهيئة الأمم المتحدة، التي وقفت تتفرج على هذا الشعب العظيم على مدى أكثر من ستين عاماً وهو يعاني الأمرين وكل صنوف العذاب والتنكيل من قِبل قطعان العدو الصهيوني. وما إن يُسار إلى استصدار قرار بالإدانة إلا ويرتفع ذلك الرفض الفيتو عالياً من قِبل صناع الخزي والعار، صناع هذا الكيان الغاصب، هذا السرطان اللعين. فهنيئاً لكم أهل غزة بنصركم وقد تحقق فيكم الوعد من لدن الحكيم العليم في قوله تعالى {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} سورة الحج الآية 40. حري بنا نحن أمة الإسلام أن نقف بكل احترام وتقدير لهؤلاء الأبطال الأشاوس، ونسندهم بالدعاء والمال، وهو أضعف الإيمان؛ فقد علمونا أن الإيمان هو مفتاح النصر، والصبر هو كنز دفين، لا يعرف قيمته إلا من تعامل مع عدو غدار، لا يرعى في مؤمن إلًّا ولا ذمة، ولكن الصبر والحكمة، وقبل كل شيء التوكل على الله، كانت العامل الحاسم في تحقيق النصر العظيم على العدو اللئيم. وننتظر منكم أيها الأبطال المزيد من الصبر، والمزيد من النصر بإذن الله.
مشاركة :