هزيمة كركوك لم تطو المشروع الكردي - مقالات

  • 10/19/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لا الاستفتاء الكردي «صار من الماضي»، كما يقول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ولا خسارة الاكراد لكركوك مجرّد «انتكاسة»، كما يقول مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان في العراق. ما حصل في كركوك هزيمة بكلّ معنى الكلمة لا اكثر ولا اقلّ. لا تمنع الهزيمة التي لحقت بقوات البيشمركة في كركوك من القول ان الاستفتاء الكردي ليس من الماضي، لانّ المشروع الكردي ما زال حيّا يرزق في ظلّ ظروف لا يمكن ان تجعل من انبعاثه مسألة وقت ليس الّا. ما يهزم المشروع الكردي المنادي بالاستقلال هو قيام عراق ديموقراطي في ظلّ دولة مدنية يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن الدين والمذهب والقومية. لا يمكن لمشروع يقوم على انشاء دولة دينية يكون «الحشد الشعبي» عمودها الفقري جعل المشروع الكردي موضوعا منسيا او طيّ صفحته نهائيا. ما يشجع على القول ان المشروع الاستقلالي الكردي ما زال حيّا يرزق اكثر من ايّ وقت انّه ليس لدى حكومة بغداد، في ظلّ تركيبتها الحالية والذهنية التي تتحكّم بها، ما تقدّمه للاكراد، لا اليوم ولا غدا. كان الاتفاق في مرحلة ما قبل سقوط نظام صدّام حسين على قيام «دولة فيديرالية» في العراق «ذي الأكثرية الشيعية». حصل الاكراد في المؤتمر الذي عقدته المعارضة العراقية في لندن في ديسمبر 2002 على «الفيديرالية» في مقابل الاعتراف بوجود «أكثرية شيعية». كان المؤتمر برعاية أميركية - إيرانية في الوقت ذاته. كانت ايران من تكفّل بحضور قسم من المعارضة الشيعية، المؤتمر، عبر الاتيان بعبدالعزيز الحكيم الى لندن. كان في الطائرة ذاتها التي جاءت من طهران الى العاصمة البريطانية الحكيم واحمد الجلبي وعدد لا بأس به من زعماء الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران، إضافة الى الزعيمين الكرديين بارزاني وجلال طالباني، الذي توفّي قبل أسابيع قليلة نتيجة اصابته بجلطة. تبيّن بعد اسقاط نظام صدّام ان الحقيقة الوحيدة الباقية هي الدولة الدينية في العراق. وهذا ما شكا منه بارزاني في الايّام التي سبقت إعلانه عن التمسّك بالاستفتاء الكردي وبموعده في 25 سبتمبر الماضي. لم يعد لدى بارزاني أيّ خيار آخر غير الاستفتاء، لا لشيء سوى لانّ الحكومة العراقية تصرّفت في السنوات القليلة الماضية بصفة كونها حكومة تمثّل شيعة العراق فقط. لم يستطع العبادي، الذي بقي اسير انتمائه الى «حزب الدعوة» إيجاد فارق كبير بينه وبين سلفه نوري المالكي الذي تحوّل الى مجرّد وكيل لإيران في العراق بعد اعادته الى موقع رئيس الوزراء في العام 2010. أجريت وقتذاك انتخابات تشريعية تقدّمت فيها لائحة اياد علّاوي على منافسيه. لكن تفاهما بين ايران والادارة الاميركية، مكّن المالكي من تشكيل حكومة جديدة صار بعدها تحت ايران كلّياً. حصل ذلك في ظل استعجال الرئيس باراك أوباما، الانسحاب عسكرياً من العراق بغض النظر عن النتائج التي يمكن ان تترتّب على مثل هذه الخطوة، بما فيه تسليم البلد نهائيا الى ايران. اذا اخذنا في الاعتبار تسلسل الاحداث والظلم الذي لحق بالاكراد، لا يمكن الّا تبرير إصرار بارزاني على الاستفتاء وعلى موعده. لكنّ ذلك لا يمنع الاعتراف بان الرجل ادخل نفسه في حسابات خاطئة، خصوصا عندما رفض ان يأخذ في الاعتبار ردود الفعل الإقليمية والدولية على الاستفتاء. صحيح ان بارزاني حرص في خطاب له عشيّة الاستفتاء على تأكيد ان رسم حدود دولة كردستان في العراق سيكون «موضع تفاوض»، لكن الصحيح أيضا انّ هذا الكلام جاء متأخراً، ويشير الى تجاهل كردي لاهمّية مدينة مثل كركوك وتعقيدات ضمّها الى كردستان. لم يكن مسموحا لسياسي في مستوى بارزاني تجاهل هذا الواقع وما سيترتب على جعل الاستفتاء يشمل كركوك التي تعوم على بحيرة نفط، فضلاً عن ان لديها تركيبة سكانية خاصة بها. في موازاة ذلك، استخفّ رئيس إقليم كردستان بردّ الفعل الايراني والتركي، كما لم يأخذ في الاعتبار ان الإدارة الاميركية ليست في وارد الذهاب بعيداً في دعم الاستفتاء على الرغم من موقف إسرائيل المؤيّد له. في نهاية المطاف، استطاعت ايران، التي تفاهمت الى حدّ كبير مع تركيا، توجيه ضربة قويّة للاكراد ومشروعهم الاستقلالي في كركوك. لم تكن خسارة الاكراد لكركوك بهذه السهولة متوقعة بايّ شكل. كذلك لم يكن متوقّعا اتخاذ الإدارة الاميركية موقفا محايداً من الصراع القائم بين الاكراد والحكومة المركزية في بغداد. لا شكّ ان الموقف الاميركي ساهم كثيرا في اضعاف السياسة التي اعتمدها بارزاني. إضافة الى ذلك كلّه، لا بدّ من لوم رئيس إقليم كردستان على عدم ايلائه الاهتمام الكافي للانقسام القائم بين الاكراد. لا يزال هذا الانقسام قائما، وهو انقسام عميق لا يلغيه شبه الاجماع الكردي على الرغبة في قيام دولة مستقلّة. لم يعن غياب طالباني انّ الخط الذي يمثّله انتهى. لا يزال هناك تمايز، بل انقسام، بين أربيل والسليمانية. لم يستطع بارزاني تحويل نفسه الى الزعيم الأوحد للاكراد مع مرض طالباني ثمّ وفاته، خصوصا ان هناك من لا يزال يمتلك حسابات قديمة يريد تصفيتها معه مثل السيدة هيرو، ارملة طالباني. كذلك، هناك سياسيون اكراد يمتلكون رصيدا شعبيا وصدقية لديهم وجهة نظر مختلفة، كان مفترضا في بارزاني عدم تجاهلها. من بين هؤلاء برهم صالح الذي سبق وشغل مناصب رفيعة المستوى في الحكومة المركزية وفي حكومة إقليم كردستان التي كان رئيسها. في ضوء التعقيدات الإقليمية والدولية، ليس مفيداً الخروج باستنتاجات نهائية باستثناء ان ايران لعبت الدور الاساسي في هزيمة الاكراد في كركوك. ظهر جليّا ان لديها اوراقها التي عرفت كيف تلعبها. بعض هذه الاوراق مرتبط بـ«الحشد الشعبي»، أي بمجموعة الميليشيات المذهبية الموالية لها والتي باتت العمود الفقري للنظام الجديد في العراق. انّه العراق الذي لا يزال يقاوم وضع اليد الكاملة لإيران عليه. وبعض آخر من هذه الاوراق مرتبط بالوضع الكردي نفسه والخلافات القديمة بين أربيل والسليمانية، وهي خلافات ذات طابع عشائري وسياسي في الوقت ذاته. اكّدت ايران مرّة أخرى انّها لاعب أساسي، بل اللاعب الأساسي في العراق. لكنّ الاكيد أيضا انّ صفحة المشروع الكردي لم تطو بعد. ستكون هناك جولات أخرى كثيرة، ذات طابع سياسي وعسكري، ما دام العراق يتوجّه الى ان يكون دولة دينية او دولة مذهبية على غرار ما هي ايران عليه الآن. لا شيء يطوي المشروع الكردي غير عراق ديموقراطي فيه دولة مدنية. قيام عراق من هذا النوع من رابع المستحيلات لا اكثر ولا اقلّ. ما زرعه بارزاني قد يثمر يوماً، لكنّ من المفترض برجل من هذا النوع امتلاك حدّ ادنى من الشجاعة والاعتراف بخطأ كبير في الحسابات أدى الى هزيمة وليس الى مجرّد انتكاسة في كركوك.

مشاركة :