موقع ليبيا وتشابك مكونها الاجتماعي والقبلي بالدول المحيطة يجعل تهديد الأحداث الجارية فيها يتجاوز الحدود ليمس أمن واستقرار الدول والمجتمعات المجاورة، ولهذا يصبح الاهتمام بالقضية وفوائد معالجتها ليس قاصرا على مصالح الليبيين وحدهم -رغم أهمية ذلك- لكنها تحقق مصالح الجميع وتدفع عنهم الكثير من المخاطر. ومعروف أن خريطة الواقع الليبي معقدة يختلط فيها العقائدي بالجهوي بالقبلي، بل إن هذا التعقيد يوجد في المكون الواحد، أي أن القبيلة أو الجهة تجمع أحيانا، هذه المتنافرات من «الأيديولوجيين» المرتبطين مع شركائهم في الفكر، بغض النظر عن انتمائهم القبلي أو الجهوي، إلى جانب الانتماءات القبلية التي تتخذ مواقفها وفق هذا الولاء، وهناك «الحالمون» بامتدادات رياح «الربيع العربي» ويشكون في كل ما له رأي مخالف، وهناك من يرون في هؤلاء الحالمين عواصف تدمر الوطن وتهدر طاقاته وتحرق ثروته بالجنون.. هذه الشبكة من الانتماءات والقناعات والمصالح تتواصل مع مثيلاتها في دول الجوار تستمد منها وقود استمرارها وغذاء قوتها وحيويتها. وأمام هذا «الخليط» من الانتماءات والولاءات والمصالح لا يبقى موضع اتفاق إلا المحافظة على وحدة ليبيا ودعم مقومات الدولة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية. ويبدو أن هذا القدر المشترك هو الذي انبنت عليه المبادرة المصرية لتفعيل دور اجتماع وزراء دول الجوار من أجل مساعدة ليبيا على تجاوز محنتها التي تهدد بقاءها موحدة وتحميها من الاستمرار في الحرب الأهلية التي سيؤدي استمرارها إلى إشعال المنطقة المحيطة بها وقد تصل النيران إلى ما هو أبعد من ذلك. فماذا تستطيع أن تفعل دول الجوار الليبي؟ أول المحاذير هو التورط في الاصطفاف مع فريق دون آخر، فهذا طريق محفوف بالمخاطر مجهول النتائج في بيئة مسلحة ما يزال الولاء فيها للجهة والانتماء للقبيلة مقدما على مفهوم المواطنة المنتمي للدولة، فإذا أدرك الجميع هذا الخطر، تبقى ضرورة بلورة رؤية مشتركة تلزم جميع دول الجوار بعدم اتخاذ مواقف أحادية أو الانزلاق في مساندة طرف دون آخر تحت أية ذريعة. ثم يمكن لدول الجوار أن تتحرك لجمع العقلاء، وهم كثر، من اللبيين لتقريب وجهات النظر والبحث في آلية الخروج من الأزمة بما يحقق المصالحة الوطنية التي تتطلب قدرا كبيرا من التسامح لا يقف عند التخطئة والبحث في ملفات الماضي.. المهمة ليست سهلة أمام دول الجوار لكنها تستحق الكثير من العمل لأن المخاطر كبيرة.
مشاركة :