عبدالمحسن الشمري| خذل العرض العراقي «ون وي» جمهور مهرجان الكويت لمسرح الشباب الذي كان يمني النفس بمشاهدة عمل يتضمن الموال العراقي، و«الجالغي البغدادي»، وفنون البصرة والناصرية والألحان العراقية الزاخرة بالجمالية، ولم يقدم شباب العراقي عملا يقترب من «كان يا ما كان» أو «بغداد الأزل بين الجد والهزل» وسواهما من أعمال ما تزال راسخة في وجدان المشاهد العربي، وصدم العرض الجمهور برؤيته الفنية العالية التي تتمحور حول الحرب في كل مكان، لغة جمالية وتجربة جدبدة مختلفة ومتطورة قدمها المؤلف والمخرج الشاب وميض كاظم مساء أمس الأول على مسرح الدسمة وسط جمهور غفير استمع بالعرض أيما استمتاع على الرغم من أن ما قدم كان مختلفا تماما عما كنا نتوقعه. قدم المؤلف والمخرج وميض كاظم نصا يقترب من الأعمال الذهنية التي تعتمد في الدرجة الأولى على الحوار، وجاء الحوار أقرب إلى الشاعرية وإن لم يخل من بعض الخطابية، النص يتحدث عن الظروف التي يعيشها الإنسان في ظل الحروب الدائرة رحاها في كل مكان، والجميل في النص أنه لم يشر بالتحديد إلى دولة معينة، بل جاء الحوار شاملا كل الظروف التي يعيشها الإنسان المبتلى بالحروب، الذي يجد نفسه محاصرا من كل مكان، فلا يستطيع الخلاص منها، ولا يقدر على مواجهة طاحونتها التي تقضي على أحلامه. قدم النص بعض الشخصيات التي تعيش المعاناة مثل الفنان الذي يجد نفسه يدور في الفراغ ولا يستطيع رسم ما يريده بحرية، والفتاة التي تفقد كل شيء، والأم التي تعاني من فقد أبنائها، كما يتناول النص بعض الجوانب السلبية في المجتمع، مثل السحر وهو أحد الإفرازات في المجتمع، وتتقاطع الصور في النهاية لتكشف عن المعاناة الحقيقية للإنسان، وعدم القدرة على الخلاص، وتكون نهايته القتل. رؤية مخرج بدا واضحا أن المخرج وميض كاظم قد تغلب على المؤلف وميض كاظم، وربما كانت الرؤية الإخراجية للعمل واضحة أمامه عندما كان يكتب نصه المسرحي، ومن الوهلة الأولى استعرض المخرج لغته التفسيرية الجميلة للفكرة الأساسية التي طرحها في نصه، فالعنوان احدى الصور الرائعة المعبرة عن المعنى الحقيقي للنص one way، أو طريق واحد، أو اتجاه جبري، مما يعني أنه لا خلاص للإنسان عن مواجهة الحروب ولغة القتل والتدمير فهو يعيش فيها ومعها، ولا طريق أمامه للتخلص منها. «الهمهمات» و«الآهات» التي كانت تصدر من الممثلين في بداية العرض وإن كانت طويلة إلا أنها تعبر عن عدم القدرة على البوح بما في قلب الإنسان الفاقد للحرية وعدم القدرة على الكلام في زمن الحرب، فتتحول لغته إلى آهات مدفونة، وقد نجح المخرج في تصويرها بطريقة رائعة. الألوان البيضاء والسوداء في الأزياء، وألوان الإنارة الحمراء والزرقاء والبيضاء منحت العرض جمالية وبعدا تفسيريا مهما، ولعل الموال الذي قدم أثناء العرض يؤكد فهم المخرج لما يريد طرحه، وهو تفسير ذكي تغلب فيه المخرج على «المحظورات»، أما مشاهد الرمل فهي دلالة مهمة لمعاناة المرأة التي تفقد فلذة كبدها. أداء جماعي للمرة الثانية في المهرجان يقدم الممثلون أداء جماعيا، فبعد أن شاهدنا الأداء الجماعي المتقن لشباب فلسطين، ها هم شباب العراق يتفوقون على أنفسهم في أداء جماعي يؤكد استعدادهم النفسي والذهني الكبير، ومع ذلك فقد برز أكثر من عنصر خاصة الممثلة التي أدت شخصية الضحية، والشاب الذي أدى دور الفنان. «ون وي» نجحت إلى حد كبير بتقديم لغة تفسيرية تغلب فيها المخرج على بعض هنات النص الذي كتبه، مما يؤكد أنه كان مدركا وواعيا لعيوب النص، وقد نجح المخرج الشاب في التغلب على الحوارات الذهنية في العمل بسلاسة وبلغة شاعرية برز فيها التناسق والتناغم بين عناصر التمثيل الذين كانوا على قدر كبير من الاحترافية.
مشاركة :