الرد على القول الباطل، ونقد المخالفين للحق، سُنَّةٌ ماضية، لكن ذلك يعتمد على شَرْطي النَّقْد: العلم، والعدل، وليس الجهل والظلم الذي هو ديدن محبي طيران السمعة في الآفاق يعج واقع بعض الناس في هذا الزمن بكثير من وسائل التواصل الاجتماعي، بعضها مجموعات، وبعضها حسابات خاصة بأسماء أصحابها، أو بأسماء وهمية لا يُعرَف أصحابها، وهي ليست سواء فيما تصدره، فبعضها تصدر الشر والفتن والكذب والظلم والتهييج، وبعضها لاسيما بعض الحسابات التي بأسماء أصحابها تصدر الخير والفوائد العلمية والمنهجية، وبعضها خلط عملا صالحا وآخر سيئا. وكان المتعين على كل إنسان ألا يكتب إلا ما يرضي الله ورسوله، سواء كان باسمه الصريح، أو كان مستخفيا خلف لوحة المفاتيح بأسماء مستعارة، أو كان مهيجا لغيره بكتابة ما يؤذي به الناس بغير ما اكتسبوا، فإنه وإن تجاوز الرقيب في الدنيا، فإنه لن يتجاوز رقابة الله تعالى، يقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، وقد يكتب الإنسان تهما باطلة، لا يستطيع إثباتها، لكن لأنه لا يكتب باسمه لا يبالي، فيا سبحان الله، كيف يجعلون الله أهون الناظرين إليهم، يقول الله تعالى: (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول)، ألا يخافون أن يدعو عليهم من ظلموه، وشوَّهوا سمعته، وآذوه، ألا يخافون من خفقة صدر من آذوه، ودمعة عينه، وزفرات تظلّمه التي يرتجف منها بين يدي ربه في جوف الليل؛ ومعلومٌ أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، يرفعها الله فوق الغمام، ويقول: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين. ألا يخاف الظالم المستتر أو الظاهر، من سهام المظلومين التي تتقاذفه من كل جانب عسى أن تصيب منه مقتلاً، وهو يغط في نوم عميق، وغفلة عظيمة، وما أعظم الفرق بين من نام وأعين الناس ساهرة تدعو له، وبين من نام وأعين الناس ساهرة تدعو عليه، فالدنيا فانية، ومتاعها قليل، والآخرة خير لمن اتقى، والإنسان ليس معصوما قد يقع في شيء من هذا، ولكن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، والندم على ما مضى، والعزم على عدم العودة، والتحلل من آذاهم في الدنيا مقدور عليه، قبل ألا يكون درهم ولا دينار، يقول النبي عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه). صحيح أن الرد على القول الباطل، ونقد المخالفين للحق، سُنَّةٌ ماضية، لكن ذلك يعتمد على شَرْطي النَّقْد: العلم، والعدل، وليس الجهل والظلم الذي هو ديدن محبي طيران السمعة في الآفاق، ممن لا يعيشون إلا في الصراعات، ولا يكتفون بالرد العلمي لبيان الحق، وإنما يُجْهِزُون على المردود عليه، ويشتمونه ويسخرون منه، ويضغطون على النص، ليخرجوا منه أقوالا لم يُقُلها، ويفرحون بأي زلة يتوهمونها، ومتى صار من دين الله فرح المسلم بمقارفة أخيه المسلم للآثام؟! فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة. ومع أن الخير موجود بحمد الله، ولا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، يردون بعلم وعدل وأدب، إلا أنه مع الأسف يوجد أناس في هذا الزمن ضعفت ديانتهم، وضعف علمهم ومروءتهم – فصار دأب بعضهم إشاعة السوء في الذين آمنوا، عَينٌ لتتبع عوراتهم، ولسانٌ لإشاعة مقالة السوء عنهم، وأصابع تكتب عنهم في وسائل التواصل ونحوها ما لا يرضي الله ورسوله، ولو سألت هؤلاء المشاغبين عن مستندهم الذي يصكون به مخالفيهم صكَّ الجندل، لوجدت نهاية ما لديهم من بيّنات هي: وساوس غامضة، وانفعالات متوتّرة، وحسدٌ قاطع، وتوظيفٌ لسوء الظن، والظنُّ أكذبُ الحديث، وبناءٌ على الزَّعْم، وبئسَ مَطِيّة الرجل زعموا. يقول الشيخ بكر أبوزيد عن هؤلاء: وبالجملة؛ فهذا القطيع هم أسوأ غُزاة الأعراض بالأمراض، والعَضّ بالباطل في غَوَارب العِبَاد، والتفكُّه بها؛ فهم مُقَرَّنون بأصفاد الغِلّ، والبغضاء، والحسد، والغيبة، والنميمة، والكذب، والبهت، والإفك، والهمز، واللمز، جميعُها في نَفاذ واحد، ومِنْ طرائقهم ترتيب سوء الظن، وحمل التصرّفات قولًا وفعلًا على محامل السوء والشكوك. ومنه التناوش من مكان بعيد لحمل الكلام على محامل السوء بعد بذل الهمّ القاطع للترصّد، والتربّص، والفرح العظيم بأنه وجد على فلان كذا، وعلى فلان كذا! وكما تقدم ليس من دين الله فرح المسلم بمقارفة أخيه المسلم للآثام؟! ألا إنَّ هذا التصيّد داءٌ خبيث، متى تمكّنَ من نفس أطفأ ما فيها من نور الإيمان، وصَيَّرَ القلبَ خرابًا يبابًا، يستقبل الأهواء والشبهات، ويفرزها. نعوذ بالله من الخذلان. ومِنْ سماجتهم التألي على الله، ألا يغفر الله لفلان المسلم، لكونه عاصيا، فانظر كيف يتحجّرون رحمة الله، ويقعون في أقوام لعلَّهم قد حطّوا رحالهم في الجنة. وتجد من ابتُلي بأذية أهل الإسلام، كُلَّما مَرَّ على ملأ منهم، اختارَ منهم ذَبيحًا، فرماه بقذائف من التغريدات الظالمة، والتُهم الفاجرة، تمرُقُ من فَمِه وجهازه مُروق السهم من الرَّميّة، ثم يَرميه في الطريق، ويقول: أميطوا الأذى عن الطريق، فإن ذلك من شُعَب الإيمان؟! فاللهم إنا نعوذ بك من الهوى والفظاظة، ونسألك الهدى والسماحة.
مشاركة :