نشرت صحيفة “أ بي ثي” الإسبانية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على التوترات وتغير المواقف بشأن الاتفاق النووي الإيراني. في هذه الأثناء، نجحت روسيا في الاستفادة من عدم اتساق السياسة الخارجية الأمريكية بقيادة ترامب، لتعزيز علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، دون أن تضطر للحياد عن مواقفها في الشرق الأوسط، خاصة تحالفها مع إيران. ووقعت روسيا عقودا بقيمة ملايين الدولارات في قطاع الطاقة مع المملكة العربية السعودية، وذلك خلال الزيارة التاريخية التي أداها الملك سلمان إلى الكرملين. ويحيل ذلك إلى أن موسكو بصدد تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، وكسب حلفاء جدد، من دون أن تتخلى عن الدفاع عن الاتفاق النووي الإيراني. وبات هذا الاتفاق التاريخي مهددا بخسارة أحد أعمدته الرئيسية؛ فقد أعربت كل من روسيا وإيران عن شكوكهما إزاء نية الولايات المتحدة بشأن مواصلة التمسك بهذا الاتفاق؛ فقد هدد دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي تم توقيعه في تموز/ يوليو سنة 2015، بين طهران والدول الست الكبرى، متعللا بإجراءات المراقبة الضعيفة، وتواصل برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني. واعتبرت الصحيفة أن التحول العميق في الموقف الأمريكي فيما يتعلق بالاتفاق النووي، أدى لظهور مفارقات وتحالفات غير تقليدية في العالم. فعلى سبيل المثال، بدت أوروبا في العديد من المناسبات أكثر تناسقا مع الآراء والمصالح الروسية، وبعيدة عن تبني مواقف واشنطن. في هذا الصدد، صرح ماكسيم سوخوف، الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، قائلا: “لا يمكننا الحديث بشكل فعلي عن أجندة ترامب المتعلقة بإيران، حيث يتولى نتنياهو حقيقة اتخاذ القرارات. ومن هذا المنطلق، وجدت أوروبا نفسها في الكثير من الأحيان في موقف داعم للمصالح الروسية على حساب الحليف الأمريكي”. وذكرت الصحيفة أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي يعدّ خيارا واقعيا وواردا للغاية، خاصة إذا كان الكونغرس هو من يقف وراء هذا القرار. وفي هذا الإطار، أفاد سوخوف بأنه “في الماضي، كان الكونغرس غير متحمس للعلاقة بين إدارة أوباما والجمهورية الإيرانية. من جانبه، قام دونالد ترامب في مناسبات سابقة بالاحتماء وراء الأغلبية الجمهورية في الكونغرس؛ من أجل تمرير بعض القرارات المرتبطة بالسياسة الخارجية، خاصة فيما يتعلق بأفغانستان وروسيا. وفي الوقت الراهن، يسعى ترامب لمحو تركة أوباما بالكامل؛ لإرضاء “الصقور” داخل إدارته”. وأوضحت الصحيفة أن دونالد ترامب أعلن، في 13 من تشرين الأول/ أكتوبر، أنه يعتزم كبح التأثير السلبي لإيران في المنطقة، وممارسة ضغوط على الحرس الثوري الإيراني. وجاء رد المرشد الأعلى في إيران على خلفية هذه التصريحات قويا، حيث أكد أن بلاده لن تتخلى عن هذا الاتفاق. وأفاد المرشد الأعلى بأن قراره يتلاءم تماما مع موقف الاتحاد الأوروبي، الذي أبدى تمسكه بالاتفاق، واستعداده لممارسة جملة من الضغوط على واشنطن. من جهته، أورد ماكسيم سوخوف أن تصريحات ترامب حيال الاتفاق تقوض مصداقية الولايات المتحدة، على اعتبارها شريكا موثوقا به، وتبعث برسالة سلبية مفادها أنها مستعدة للتخلي عن تعهداتها بمجرد أن يتغير موقفها أو تنتهي مصالحها. وأشارت الصحيفة إلى أنه وبالتزامن مع هذه التجاذبات على الساحة السياسية الدولية، تمكنت موسكو من تعزيز موقعها في الشرق الأوسط؛ فقد تلت زيارة الملك سلمان لروسيا صفقة تسلُح ضخمة، بلغت قيمتها مليار دولار، علما أنها تتضمن تزويد الرياض بمنظومة الصواريخ “أس 400”. وفي هذا الإطار، أكد إبراهيم العمر، محافظ الهيئة السعودية العامة للاستثمار، أن “هذا الأمر هو البداية فقط، لقد ذهبنا إلى روسيا؛ بغية إجراء لقاءات، والبحث عن سبل لتمكين الشركات في كلا البلدين من العمل المشترك”. ومن المثير للاهتمام أن الصور التي تم التقاطها خلال هذا اللقاء، والتي تعكس الترحيب الحار والعلاقة الودية بين الملك سلمان وفلاديمير بوتين، تحيل إلى أهمية هذه اللحظة التاريخية؛ فقد حققت روسيا، الحليف الأبرز لإيران، تقاربا مع السعودية، التي تعد الحليف الأكبر لواشنطن في منطقة الخليج. ونقلت الصحيفة وجهة نظر ميخائيل بارا، الخبير في الشؤون الأمنية، الذي أفاد بأنه “منذ هجمات 11 من أيلول/ سبتمبر، أخذت السعودية تعمل على تعزيز علاقاتها مع بعض الدول الصاعدة. وعلى الأرجح، ستواصل الرياض منح الأولوية لعلاقتها مع واشنطن. لكنها لن تراهن بشكل كلي على هذا الحليف التاريخي، ولن تثق في قدرة الأمريكيين على المحافظة على وجودهم القوي في المنطقة، خاصة في ظل دخول روسيا بقوة للشرق الأوسط”. وأردف بارا بأن “طموحات الرئيس الروسي في الشرق الأوسط لا تعني رغبته في السيطرة الكاملة عليه بأي ثمن، بل إنه مستعد للاعتراف بمناطق نفوذ العالم الغربي. ففي الحقيقة، يؤمن بوتين بعالم ثنائي القطبية لا هيمنة فيه لطرف واحد”. وفي الختام، شددت الصحيفة على أن روسيا تسعى أيضا لتعزيز علاقاتها مع تركيا، وملء الفراغ الذي نجم عن القطيعة بين أنقرة والاتحاد الأوروبي والدول الغربية منذ الانقلاب العسكري الفاشل. ومن المفارقات أن موسكو التي كانت تمثل قوة عالمية خلال الحرب الباردة، اضطلعت في عملية تسليح العديد من الدول العربية ضد إسرائيل.
مشاركة :