إستراتيجية جديدة أكثر حزماً وواقعية في التعامل مع التهديدات الإيرانية، رسم ملامحها الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» في خطابه الذي ألقاه قبل أسبوع، رافضاً المصادقة رسمياً على التزام إيران بالاتفاق النووي المُوقع عام 2015م، ممهلاً الكونجرس 60 يوماً لاتخاذ قرار في شأن إعادة فرض عقوبات اقتصادية جديدة على طهران، الإستراتيجية الجديدة تضع في حسبانها برنامج الصواريخ الإيراني وسعي إيران لزعزعة استقرار المنطقة، ولا تغفل الدعم الكبير الذي تقدمه طهران لميليشيات مسلحة وجماعات إرهابية حول العالم. خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، الجمعة الماضية، خصصه الرئيس «دونالد ترامب» لإعلان إستراتيجيته الجديدة إزاء إيران والاتفاق النووي، إذ أكد ترامب: «حصلنا على عمليات تفتيش محدودة مقابل إرجاء قصير المدى ومؤقت لتقدم إيران نحو امتلاك السلاح النووي، فماذا يعني اتفاق يؤدي فقط إلى تأخير القدرة النووية لمرحلة قصيرة؟، إن هذا الأمر مرفوض بالنسبة إلى رئيس الولايات المتحدة». وأضاف ترامب أن «النظام المارق في إيران لن يمتلك سلاحاً نووياً أبداً، كما أن الحرس الثوري الإيراني المتهم بدعم الإرهاب يستحوذ على جزء كبير من الاقتصاد الإيراني لتمويل الحرب والإرهاب في الخارج»، طالباً من وزارة الخزانة الأمريكية اتخاذ عقوبات أشد بحقه، متابعاً أن «إيران تحت حكم نظام ديكتاتوري، ينشر الفوضى في كل أنحاء العالم، ومسؤول عن هجمات إرهابية ضد الأمريكيين في مناطق مختلفة بالعالم»، معتبراً أن «النظام الإيراني يعرقل حركة الملاحة في الخليج والبحر الأحمر، وأن الصواريخ الإيرانية تهدد حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة»، مضيفاً أن «الأعمال العدائية للنظام الإيراني ضدنا مستمرة حتى اليوم، وإن النظام الإيراني يتعاون مع القاعدة وقدم المأوى لمتورطين في هجمات 11 سبتمبر»، مؤكداً: «سوف نحرم النظام الإيراني من كل المسارات التي تمكنه من الحصول على سلاح نووي». الإدارة الأمريكية ترى عديداً من الثغرات التي أغفلها الاتفاق النووي مع إيران، وهي لا تقل في خطورتها عن امتلاك طهران للسلاح النووي، ويجب معالجتها بطريقة أو بأخرى، سواء من خلال تعديل الاتفاق أو وضع اتفاق مكمل، ولائحة الثغرات طويلة كما تعددها وزارة الخارجية الأمريكية، منها الدعم المادي والمالي للإرهاب والتطرف، والدور المزعزع للاستقرار في دول المنطقة، مثل: دعم حزب الله في لبنان، والمتمردين الحوثيين في اليمن، وبث الفتنة في دول الخليج، وكذلك مساعدة نظام بشار الأسد، ودعم فظاعاته ضد الشعب السوري، والتهديدات المتكررة لحرية الملاحة بالخليج العربي وللمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، والقرصنة المعلوماتية، وانتهاكات حقوق الإنسان، والاعتقال العشوائي لرعايا أجانب، هذا بخلاف برنامج الصواريخ البالستية، الذي تعمل إيران على تطويره على الرغم من القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والذي يطالب طهران بعدم تطوير صواريخ أعدت لتحمل رؤوساً نووية، كما أن واشنطن ترغب في القيام بعمليات تفتيش أوسع نطاقاً في مواقع عسكرية إيرانية عدة، إذ تخشى الإدارة الأمريكية من أن تكون إيران تحتفظ ببرنامج نووي عسكري سري رغم التقارير الجيدة الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أن الاتفاق ينص على أن بعض القيود التقنية المفروضة على الأنشطة النووية الإيرانية ستسقط تدريجياً اعتباراً من 2025، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية الأمريكي «ريكس تيلرسون» بقوله: «إن هذا الأمر لا يؤدي سوى إلى إرجاء المشكلة إلى وقت لاحق، ويمكننا تقريباً البدء بالعد العكسي للحظة التي سيتمكنون فيها من استئناف قدراتهم النووية». في سياق متصل؛ بادر الجيش الأمريكي، إلى التأكيد على أنه يجري مراجعة شاملة لأنشطة التعاون الأمني ووضع القوات والخطط لدعم إستراتيجية الرئيس دونالد ترامب الجديدة تجاه إيران، حيث أكد الميجر «أدريان رانكين غالاوي»، المتحدث باسم البنتاغون: «نعمل على تحديد مجالات جديدة للعمل مع الحلفاء للضغط على النظام الإيراني وإنهاء نفوذه المزعزع للاستقرار، وكبح استعراضه العدائي للقوة، ولا سيما دعمه للجماعات الإرهابية والمتشددين». فيما أعلن وزير الدفاع الأمريكي «جيميس ماتيس» أن بلاده تراقب أي أعمال استفزازية من إيران بعد خطاب ترامب الذي أعلن فيه إستراتيجيته الجديدة تجاهها. فيما أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية أن الحرس الثوري يدعم عديداً من المجموعات الإرهابية، في مقدمها فيلق القدس المكلف بالعمليات الخارجية داخل الحرس، وقال وزير الخزانة «ستيف منوتشين» في بيان له أن «الحرس الثوري أدى دوراً مركزياً لجعل إيران أكبر دولة داعمة للإرهاب في العالم، وفيلق القدس هو الكيان الرئيسي في منظومة الدعم الإيراني لنظام بشار الأسد وحزب الله ومجموعات إرهابية أخرى». يُذكر أن وزير الخارجية الأمريكي «ريكس تيلرسون» كان قد أعلن قبل كلمة ترامب أن الاتفاق ضعيف ولا يقدم أجوبة على عديد من الأسئلة المهمة، متحدثاً عن احتمال التوصل إلى اتفاق جديد في المستقبل، لا يحل محل الاتفاق الحالي وإنما يكمله، مضيفاً: «ما نقترحه هو ما نظن أنه أفضل سبيل لتحسين هذا الاتفاق، وإذا لم نتمكن من ذلك، فبإمكاننا الانسحاب من الاتفاق في نهاية المطاف»، قبل أن يضيف في مقابلة صحفية عقب خطاب ترامب أن «الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يريد البدء بالحرب مع كوريا الشمالية، والجهود الدبلوماسية ستستمر حتى سقوط القنبلة الأولى». من جهته صرح قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال «جوزيف فوتيل»، بأن واشنطن قلقة بشأن الأنشطة الإيرانية طويلة الأجل بالمنطقة، كما أن إيران تشكل مصدراً لزعزعة الاستقرار، مؤكداً أن الولايات المتحدة ستواصل اتخاذ القرارات والاستعداد للقيام بما يلزم لحماية مصالحها بالمنطقة. ترحيب بالرؤية الجديدة وفي اتصال هاتفي مع الرئيس دونالد ترامب، جدد خادم الحرمين الشريفين الملك «سلمان بن عبدالعزيز» ترحيب الرياض بالإستراتيجية الأمريكية الحازمة تجاه إيران وأنشطتها العدوانية ودعمها للإرهاب في المنطقة والعالم، مشيداً بما تقوم به إدارة ترامب في مواجهة تهديدات طهران، مؤكداً على ضرورة تضافر الجهود، واتخاذ مواقف حازمة تجاه الإرهاب والتطرف وراعيه الأول إيران، يُذكر أن المملكة قد أشادت في بيان رسمي سابق برؤية ترامب الجديدة تجاه إيران، والتزامه بالعمل مع حلفاء واشنطن على مواجهة التحديات، وعلى رأسها سياسات إيران العدوانية في المنطقة، وقد أكد البيان على أن المملكة سبق لها أن أيدت الاتفاق النووي، إيماناً منها بضرورة الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل في منطقتنا والعالم وأن يؤدي ذلك إلى منع طهران من الحصول على سلاح نووي بأي شكل كان، لكن إيران استغلت العائد الاقتصادي من رفع العقوبات، واستخدمته للاستمرار في زعزعة الاستقرار في المنطقة، خاصة من خلال برنامج تطوير صواريخها الباليستية ودعمها للإرهاب في المنطقة، بما في ذلك حزب الله والميليشيات الحوثية. وأضاف البيان: «لم تكتف إيران بذلك، بل قامت في انتهاك صارخ وفاضح للقرارات الدولية بنقل تلك القدرات والخبرات للميليشيات التابعة لها، بما ذلك ميليشيات الحوثي، التي استخدمت تلك الصواريخ لاستهداف المملكة، ما يثبت زيف الادعاءات الإيرانية بأن تطوير تلك القدرات لأسباب دفاعية، واستمرار لنهجها العدواني، فقد قامت من خلال حرسها الثوري وميليشيا الحوثي التابعة لها بالتعرض المتكرر لممرات الملاحة الدولية في البحر الأحمر والخليج العربي، واستمرار إيران في الهجمات ضد المملكة ودول المنطقة. يأتي هذا فيما ذكرت وكالة أنباء الإمارات أن دولة الإمارات العربية المتحدة تدعم بشكل كامل الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه إيران وتجدد التزامها بالعمل مع واشنطن لمواجهة دعم إيران للتطرف، والسياسات الإيرانية المقوضة للأمن والاستقرار، كما أعلنت البحرين أيضاً ترحيبها بالتغير في السياسة الأمريكية حيال إيران بسبب برامجها النووية والصاروخية الباليستية ودعمها لجماعات متشددة في الشرق الأوسط. ويُذكر أن سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة «نيكي هايلي» قد صرحت في وقت سابق بأنه لا ينبغي السماح لإيران باستخدام العالم رهينة للاتفاق النووي، كما أن الاتفاق لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة على المدى البعيد، ومطلوب التدقيق فيه لأنه محدود جداً ومليء بالعيوب، وأكدت: «إيران انتهكت الاتفاق عدة مرات منذ التوقيع عليه، وأنه لا يمنع الإيرانيين من القيام بأمور سيئة، بل يزيدهم قوة، وإذا نظرنا إلى أي منطقة فيها اضطرابات في الشرق الأوسط، فإن إيران موجودة هناك». من جانبه فقد قال «توماس بوسيرت»، مساعد الرئيس ترامب لشؤون الأمن ومحاربة الإرهاب، إن على العالم أن يقف بمواجهة نظام إيران الذي يمارس القتل والطغيان، وكذلك بوجه شريكه الأصغر «حزب الله»، الذي وصفه بأنه أداة تستخدمها طهران لانتهاك سيادة دول المنطقة. الدول الكبرى ولعبة المصالح أبقت بريطانيا وفرنسا وألمانيا على التزامها بالاتفاق النووي مع إيران، معربين عن قلقهم بشأن الانعكاسات المحتملة لخروج الولايات المتحدة منه، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي «فيدريكا موغيريني» صرحت: «لا يمكننا أن نتحمل نتائج تفكيك المجتمع الدولي لاتفاق نووي ناجح، فهذا الاتفاق ليس ثنائياً، المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي معه أشارا بوضوح إلى أن الاتفاق قائم وسيظل قائماً»، وقد أكد الاتحاد الأوروبي دعمه للاتفاق النووي إذ قال وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الذين اجتمعوا في لوكسمبورج، منتصف الإسبوع الماضي، إن عدم احترام اتفاق دولي دعمه مجلس الأمن قد يكون له عواقب وخيمة على السلام الإقليمي وقد يقوض جهود كبح الطموحات النووية لكوريا الشمالية، فيما دعت فرنسا على لسان وزير خارجيتها جان إيف لودريان الكونجرس الأمريكي إلى الحفاظ على الاتفاق النووي، مؤكدة استعدادها لإجراء محادثات صعبة مع طهران حول مواضيع أخرى تثير غضب واشنطن مثل برنامج إيران الصاروخي أو دورها الإقليمي، من جهتها فإن وزارة الخارجية الروسية قد استدعت القائم بالأعمال الأمريكي في موسكو وسلمته مذكرة احتجاج، فيما صرح نائب وزير الخارجية الروسي «سيرغي ريابكوف» عقب خطاب ترامب، بأنه من المقلق للغاية أن يثير الرئيس دونالد ترامب تساؤلات سويت عند توقيع الاتفاق النووي الإيراني، وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان لها أن قرار ترامب بعدم التصديق على التزام طهران بالاتفاق النووي لن يكون له تأثير مباشر على تنفيذه، لكنه مضر بروح الاتفاق، وأضافت أن العودة إلى فرض الأمم المتحدة لعقوبات على إيران غير ممكنة مهما كان الموقف الأمريكي. لكن الدول الكبرى لا تنظر إلى موقف ترامب برؤية سياسية فقط، بل ربما لا تعنيها السياسة والأمن بقدر ما يعنيها الاقتصاد، ولعل هذا ما يجعلها تقف في مواجهة رغبة الإدارة الأمريكية، فالشركات الغربية الكبرى هرولت بسرعة عائدةً للسوق الإيرانية بمجرد التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015م، ورفض الإقرار بالتزام إيران بالاتفاق النووي سيفتح المجال أمام عقوبات جديدة، ما قد يترك تداعيات ثقيلة على دول وشركات أعادت التعاون مع طهران في مشاريع اقتصادية ضخمة، وستتضرر صفقات كبرى كتلك التي وقعتها شركة إيرباص الأوروبية مع طهران لشراء 100 طائرة من إنتاجها، فألمانيا وبمجرد رفع العقوبات زادت صادراتها إلى إيران بنحو 26 % في 2016، وقد أكد اتحاد الصناعات الألمانية أن هذه النسبة تسجل ارتفاعاً مستمراً، وقد عادت شركات ألمانية كبرى مثل «سيمنز» و«ديملر» وغيرها للعمل في إيران، وتوقيع اتفاقيات عديدة مع شركات إيرانية، أما فرنسا فتعاونها التجاري مع إيران يشهد حالة من الانتعاش بمجرد إبرام الاتفاق النووي، وعادت شركات السيارات الفرنسية «بيجو- سيتروان» و«رينو» إلى ضخ استثمارات بالملايين في السوق الإيرانية، وكانت المجموعة النفطية «توتال» فكانت أول شركة نفط غربية تعود إلى إيران منذ أكثر من عقد، أما إيطاليا فقد وقعت مع طهران في 2016م عدداً من الاتفاقيات، ولا سيما في مجالات السياحة والطاقة المتجددة والسكك الحديدية، فيما تقيم روسيا والصين منذ زمن علاقات وثيقة مع إيران على الصعيدين السياسي والعسكري والاقتصادي، وهو ما لا ترغب أي منهما في خسارته أبداً في حال فشل استمرار الاتفاق النووي.
مشاركة :