اكتسبت دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يحفظه الله- في كلمته أمام سفراء دول عربية وأجنبية أمس الأول أهمية بالغة أولًا بسبب توقيتها حيث ما تزال بعض الدول تظهر ترددًا أمام المسارعة في الانضمام إلى الجبهة العالمية لمحاربة داعش في الوقت الذي تزداد فيه عمليات داعش الإرهابية في الشام والعراق ويزداد فيه انتشارها إلى العديد من دول المنطقة وصولًا إلى دول المغرب العربي، وثانيًا لأن هذه الدعوة ليست الأولى من نوعها، وإنما تعتبر حلقة جديدة في سلسلة المبادرات والتحذيرات التي أطلقها منذ أكثر من عشر سنوات لمواجهة هذا الخطر الذي لا يستثني أحدًا من شره، وثالثًا لمخاطبة -رعاه الله- العالم عبر هذا الحشد من سفراء العالم بما يعتبر خطوة غير مسبوقة في التواصل بين الدول في أوقات الخطر، لا سيما عندما يهدد هذا الخطر تلك الدول جميعًا بنفس القدر. لماذا داعش الأخطر؟ أجابت كلمة خادم الحرمين الشريفين على السؤال: لماذا أصبحت داعش التنظيم الإرهابي الأكبر الذي لم تعد مخاطره تهدد أمن وسلام المنطقة فقط وإنما أمن وسلام العالم كله؟.. الكلمة توضح بجلاء أنه لم يعد من الصعب النظر إلى داعش في ضوء الجرائم الإرهابية البشعة التي ارتكبتها -وما تزال- ضد المسلمين -إلى جانب المسيحيين والأقليات العرقية- في الشام والعراق على أنها تجمع بين وحشية التتار وضلالة الخوارج والباطنية (الحشاشين)، وأسلوب القاعدة الدموي وتطرف طالبان، كما لم يعد من قبيل المبالغة القول: إن هذا التنظيم الشيطاني، إن لم يتم مواجهته دوليًا بشكل فاعل وعاجل فإنه سيشكل خطرًا على المجتمع الدولي كله بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وهو ما ألمح إليه المليك المفدى في كلمته بقوله محذرًا: «أنا متأكد أنه بعد شهر (يصلون) إلى أوروبا وبعد شهر ثانٍ إلى أمريكا». هذه الحقيقة التي تبلورت الآن بشكلها النهائي وبكل الوضوح، جاءت بعد عدة سنوات من دق المملكة ناقوس الخطر بشأن تنامي هذه التنظيمات الإرهابية بحيث يمكن القول تحديدًا إن تلك المبادرة أثبتت صواب الرؤية الإستراتيجية السعودية سواءً بالنسبة لبعد النظر إزاء تلك الظاهرة وإمكانية تناميها وانتشارها، أو بالنسبة لأفضل الحلول لمواجهتها والقضاء عليها وهي في مهدها. وليس بوسع أحد إنكار الحقيقة التي ظلت تؤكد ريادة المملكة في مكافحة الإرهاب على كل المستويات، وهو ما أثبتته الأحداث، حيث نجحت الاستراتيجية الأمنية السعودية المتكاملة في مكافحة الإرهاب التي تقوم على أسس العمل الأمني الوقائي جنبًا إلى جنب مع استخدام القوة وإيلاء الجانب الفكري في المواجهة، أهمية خاصة في القضاء على الإرهاب في الوطن الذي لم يتبق منه إلا بعض الذيول التي تقتلع كلما ظهر إحداها على السطح. الريادة السعودية كما أنه لا شك في أن محاولة العديد من دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة، الاستفادة من التجربة السعودية في محاربة الإرهاب التي بدأت مكوناتها في التبلور منذ عهد القائد المؤسس الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- ووصلت إلى مراحل التبلور الأخيرة عبر هذه الاستراتيجية، وأيضًا الجهود التي بذلتها المملكة خلال أكثر من عقد في محاربة الظاهرة على المستوى العالمي من خلال دعوتها لإنشاء المركز العالمي لمكافحة الإرهاب وإجهاضها للعديد من المحاولات الإرهابية التي استهدفت الولايات المتحدة ودولا اخرى عبر التعاون والتنسيق وتبادل المعلومات، وذلك إلى جانب دعمها لتلك الجهود، وهو ما تمثل مؤخرًا في تبرعها الذي قدمته في وقت سابق من هذا الشهر (أغسطس) بمبلغ 100 مليون دولار الى مركز مكافحة الارهاب في الامم المتحدة داعية الدول الاخرى الى ان تحذو حذوها. كذلك يمكن اعتبار الكلمة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين في شوال الفائت للأمتين العربية والإسلامية والعالم كله التي دعا فيها الجميع، لتحمل مسؤولياتهم الدينية والإنسانية والاخلاقية لمعالجة الأوضاع المأساوية التي أخذت تعصف بالعالم أجمع، وخاصة في البلاد العربية والإسلامية، من جراء تفشي ظاهرة الإرهاب بمختلف أشكاله، سواء على مستوى الدول أو الجماعات أو الأفراد. كما يمكن اعتبار البيان الصادر عن الداخلية المتبوع بالموافقة السامية في مارس الفائت بحظر التنظيمات الإرهابية -بما في ذلك داعش- وتوقيع عقوبات صارمة ليس فقط على من يثبت انضمامه إلى تلك التنظيمات فقط، وإنما أيضا المتعاطفين معهم بأنه يدخل في إطار تلك الجهود. داعش عدو البشر اعتبار المليك المفدى داعش أنها شر يهدد العالم كله ولا يستثن أحدًا، ووصفه للداعشيين أنهم عندما يقطعون الرؤوس ويمسكونها للأطفال ليلعبوا بها في الشوارع أنه سلوك وحشي لا يمت للدين الإسلامي بصلة، فهذا الدين ينص صراحة على انه لو يقتل شخص في أقصى العالم فكأنما قتل العالم كله، «فما بال أولئك الإرهابيين يقتلون ليلا ونهارا؟».هذا التقييم الواقعي والصحيح لمخاطر داعش وما تمارسه من جرائم في حق البشرية جمعاء تضعها عدوًا مشتركًا للعالم كله وأيضًا حليفًا مباشرًا لكل قوى الشر في العالم التي تسعى إلى زعزعة أمنه وسلامه. رسالة خادم الحرمين الشريفين باصطفاف العالم كله تحت شعار واحد لمحاربة داعش وعلى وجه السرعة تعتبر بمثابة تحذير جديد للمجتمع الدولي ودق ناقوس الخطر أمام أي تقاعس في محاربة هذا الفيروس الخطير.
مشاركة :