البنوك المركزية الأوروبية تستعد لاتخاذ إجراءات تحفيزية لرفع الأسعار

  • 8/31/2014
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

للوهلة الأولى قد تبدو البيانات الخاصة بمواصلة معدلات التضخم في منطقة اليورو تراجعها، لتقترب من أدنى مستوى لها منذ خمس سنوات، أنباء جيدة للعديد من المستهلكين، لكنها ليست كذلك بالنسبة لرجال الأعمال والاقتصاديين ومحافظي البنوك المركزية الأوروبية، وبالطبع لمحافظ البنك المركزي الأوروبي. البيانات التي أعلنها المكتب الإحصائي للاتحاد الأوروبي، أشارت إلى أن معدلات التضخم في منطقة العملة الأوروبية الموحدة تقل حاليا عن 1 في المائة، بينما يحدد البنك المركزي الأوروبي المعدل المستهدف بـ 2 في المائة ، وهو ما دفع بماريو دراجي محافظ البنك إلى القول إن الوضع خطير. ففي شهر آب (أغسطس)، تراجعت معدلات التضخم بنحو 0.3 في المائة مقارنة بشهر تموز (يوليو) الماضي، إلا أن التراجع لم يترافق مع انخفاض في معدلات البطالة، أو تحسن في معدلات النمو. وكشفت البيانات أنه على الرغم من الارتفاع في أسعار الخدمات بنحو 1.2 في المائة مقارنة بآب (أغسطس) من عام 2013، وكذلك التحسن الذي طرأ على أسعار السلع الصناعية التي زادت بـ 0.3 في المائة، إلا أن المعدل العام للتضخم تراجع من جراء انخفاض أسعار الوقود، وانخفاضها بـ 2 في المائة في شهر آب (أغسطس) وكذلك تقلص أسعار السلع الغذائية. ولكن إذا كان انخفاض الأسعار يبث الراحة في نفوس المستهلكين، ويجعلهم يشعرون بتحسن في مستويات معيشتهم نتيجة زيادة قدرتهم الشرائية، فلماذا يشعر الاقتصاديون بالقلق إذن؟ ولـ "الاقتصادية" يجيب الدكتور فيل فورد أستاذ مادة التضخم والنمو في جامعة مانشستر قائلا، إن انخفاض معدلات التضخم عن المعدلات التي يحددها البنك المركزي باعتبارها المعدلات الصحية، يعني باختصار انخفاض الطلب الاستهلاكي العام، فأصحاب المحال التجارية أو منتجو السلع الصناعية أو مقدمو الخدمات، لن يكون أمامهم من وسيلة لجذب المستهلكين إذا كان الطلب منخفضا، إلا عن طريق خفض الأسعار، وتمديد أسابيع التنزيلات، وانخفاض الطلب الاستهلاكي يشير إلى أن النمو الاقتصادي يعاني خللا ما، وإذا واصلت الأسعار انخفاضها، فإن ذلك سيدفع بالعديد من صغار ومتوسطي رجال الأعمال وأصحاب المحال التجارية إلى الخروج من السوق. وتضع تلك البيانات ضغوطا ضخمة على البنك المركزي الأوروبي، للإسراع باتخاذ إجراءات تحفيزية لرفع معدلات الاستهلاك العام والتضخم، ويتوقع البعض أن يقوم ماريو دراجي محافظ البنك المركزي الأوروبي بشراء قدر كبير من الدينين العام والخاص في محاولة لتخفيف وطأة المستحقات الشهرية التي توجه لسداد تلك الديون، على أمل أن يقوم أصحابها بتوجيهها إلى الاستهلاك، وإذ يعرف هذا الإجراء في علم الاقتصاد بالتيسير الكمي، فإن أوروبا لربما تلجأ إليه في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن للخلاص منه. وتكمن المشكلة الرئيسة في هذا الإجراء في أنه لا يلقى ترحيبا من قبل ألمانيا، إذ يرتبط في الذهنية الشعبية الألمانية بأنه طبع للعملة النقدية لتمويل الإنفاق الحكومي، ولا يعد هذا هو الخيار الاقتصادي الوحيد في جعبة ماريو إذ يمكن أن يقوم أيضا بخفض معدلات الفائدة، لكن بعض الاقتصاديين يشككون في إقدامه على ذلك لأن أسعار الفائدة الراهنة للبنك المركزي الأوروبي منخفضة بشكل كبير. وتترقب الأسواق الاجتماع المقبل لمحافظي البنوك الأوروبية لمعرفة طبيعة التدابير المتخذة لتحفيز الأسعار، خشية أن يؤدي تواصل انخفاض معدلات التضخم إلى دخول أوروبا مرحلة الركود، ومن وجهة نظر عدد متزايد من الخبراء فإن المؤشرات الأولية لذلك لربما وجدت في اقتصادات جنوب أوروبا مثل إسبانيا حيث انخفضت الأسعار بنصف في المائة، بينما أعلنت إيطاليا أول تراجع في الأسعار منذ عام 1959، كما أن خمس دول من إجمالي بلدان اليورو البالغ عددها 18 دولة تعاني انخفاض معدلات التضخم. وبالترافق مع بيانات التضخم التي كشف عنها المكتب الإحصائي للاتحاد الأوروبي، فإنه أعلن أيضا أن معدلات البطالة بلغت 11.5 في المائة وهو المعدل الأدنى منذ أيلول (سبتمبر)عام 2012، إلا أن الملاحظ أن هذه المعدلات تتفاوت بين الدول الأعضاء في منطقة العملة الأوروبية الموحدة، فترتفع في إسبانيا واليونان وإيطاليا مقارنة بالبلدان الأخرى، كما أن أزمة البطالة تضرب بقوة الاقتصاد الفرنسي ثاني أكبر الاقتصادات الأوروبية. وإذ تبدو المصاعب الاقتصادية تلك حتى الآن محصورة في بلدان اليورو، فإن ذلك لا ينفي أن لندن التي لا تنتمي إلى منطقة اليورو تراقب من كثب تلك التطورات، وتعرب يوميا عن قلقها منها. وتقول أنا تاتون الاستشارية في غرفة التجارة البريطانية لـ "الاقتصادية"، إن الاقتصاد البريطاني لا يعاني الأوضاع السلبية ذاتها التي تعانيها اقتصادات اليورو أو بمعنى أدق لا يعانيها بالدرجة ذاتها، فالوضع الاقتصادي في بريطانيا يتحسن، لكن يمكن أن ينتكس إذ تردت الأوضاع في بلدان اليورو أكثر من ذلك ودخلت مرحلة ركود اقتصادي، أو أضحت عاجزة عن التصدي لمشكلتي التضخم والبطالة. وأضافت أن أوروبا والعديد من بلدان اليورو شركاء تجاريون رئيسيون بالنسبة لنا، وعدم نهوض الاستهلاك العام لديهم يعني تراجع الصادرات البريطانية، كما أن معدلات البطالة المرتفعة ومع غياب أي عوائق أمام تنقل العمالة في أوروبا فإن ذلك سيجعل من المملكة المتحدة مركزا لاستقطاب الأيدي العاملة الأوروبية والمهاجرين بمعدلات كبيرة، وهذا سينعكس سريعا على برنامجنا التقشفي للإصلاح الاقتصادي، وسيزيد الضغوط الداخلية لزيادة الإنفاق العام، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع معدلات النمو الإيجابية لدينا حاليا.

مشاركة :